الزواج في الكويت.. نحن في عصر الخطّابة الرقمية!

في زمنٍ صارت فيه الهواتف الذكية نوافذَ
نُطل منها على العالم، وتحولت فيه اللمسات إلى وسيلة للتعارف، بل والزواج، تقف
مجتمعاتنا العربية على مفترق طرق بين ثقافة التقاليد الراسخة وموجات العصر الرقمي
الجارف.
فبينما تُعلن الإحصاءات أن 60% من الشباب
الكويتي قد جربوا أو فكروا يوماً في استخدام تطبيقات الزواج، نجد أن النقاش
المجتمعي يدور بين مؤيد يرى فيها نافذة أمل للتعارف الشرعي، ومعارض يرفضها كخطر
يهدد القيم الأسرية.
ليست المسألة مجرد رقمٍ يلمع على شاشة،
بل هي قضية تمس صميم كيان الأسرة والخيوط الرفيعة التي تُحاك بها في مجتمعنا
المحافظ.
فمن خلال منصات مثل «زوجني» و«بحر»،
تتشكل لقاءات قد تُفضي إلى زواجٍ يعمر بيوتاً، أو قد تتحول إلى تجاربَ تترك جراحاً
في القلوب.
فكيف يوازن المجتمع الكويتي بين فرص هذه
التطبيقات وتحدياتها؟ وما موقف الشرع من هذه الظاهرة التي تجذب آلاف المستخدمين
سنوياً؟
في هذا التحقيق، نغوص في أعماق هذه
القضية، مستندين إلى إحصاءات محلية، وآراء خبراء في الاجتماع والدين، وقصص واقعية
من مستخدمين، لنقدم للقارئ صورة متكاملة ترسم مستقبل الزواج في ظل ثورة
التكنولوجيا.
حجم الظاهرة
تشير بيانات حديثة صادرة عن الهيئة
العامة للمعلومات المدنية في الكويت، العام الماضي، إلى أن عدد عقود الزواج التي
تمت عبر التعارف الرقمي قد شهد زيادة ملحوظة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث قفز
من 5% إلى 15% من إجمالي عقود الزواج سنوياً.
أما على مستوى التطبيقات، فيُعد تطبيق «بحر»
الأكثر انتشاراً في الخليج، مسجلا 40% من إجمالي المستخدمين من الكويت.
وعن رؤية الشباب لتلك الطريقة، أظهرت
دراسة أجرتها جامعة الكويت، عام 2023م، على عينة من 1000 شاب وشابة، أن 70% منهم
يرون أن التطبيقات الرقمية سهلت عملية البحث عن شريك الحياة.
يأتي ذلك فيما حذر تقرير صادر عن منظمة
الصحة العالمية، العام قبل الماضي، من أن إدمان التعارف الرقمي، قد يؤدي إلى
العزلة الاجتماعية.
خَطّابة مدفوعة الأجر
بدأت ظاهرة الخَطّابة الرقمية بوضوح في
الكويت خلال السنوات الأخيرة، حيث يستخدم بعض الوسطاء وسائل التواصل الاجتماعي
للوصول إلى أكبر عدد من العملاء.
يفيد تقرير صادر عن «Kuwait
Times» بأن بعض الخَطّابات يتقاضين مبالغ مالية
معتبرة، تصل إلى 500 دينار كويتي، مقابل خدماتها، وسط طلب كبير على التعارف
والزواج خارج الأطر التقليدية، أو ما يعرف بزواج «الصالونات»؛ أي الزواج الذي يتم
عبر العائلة.
هذه الظاهرة تضع أمامنا اختبارًا
حقيقيًا: هل يمكن للتقنية أن تُكمّل الأُطر الثقافية والدينية، أم أن تعميمها
سيُضعف من مفهوم الميثاق الغليظ الذي قام عليه الزواج في المجتمعات الإسلامية؟ وهل
يُعقل أن نُفوّض جزءًا كبيرًا من اختيار شريك الحياة أو بناء علاقة زوجية إلى
وسيلة رقمية دون ضمانات قُدسية أو أخلاقية؟
ضوابط واجبة
ترى د. عبير البحراني، أستاذة الاجتماع
في جامعة الكويت، في تصريح أوردته مجلة «المجلة»، أن التطبيقات ليست شراً مطلقاً،
بل هي أداة يجب ضبطها، مشيرة إلى أنها سهلت التعارف، لكنها أيضاً قد تفتح الباب
لعلاقات غير واضحة المعالم، مشددة على أن المطلوب هو توعية الشباب بضوابط
الاستخدام، وتعزيز الوازع الديني.
من جهته أكد د. بدر المطيري، اختصاصي
العلاج الأسري، أنه قابل في عيادته حالات زواج ناجحة بدأت عبر التطبيقات، وأخرى
انتهت بالفشل، مشدداً على أن النجاح يعتمد على الصدق والنوايا الحسنة منذ البداية.
من المعلوم أن الإسلام يؤكد أهمية
الوسائل المشروعة في التعارف، ففي حين أن التطبيقات قد تكون بيئة خصبة للاختلاط
المحرم، إلا أنها يمكن أن تتحول إلى منصة للتعارف الشرعي إذا التزمت عدداً من
الضوابط الشرعية، منها وجود ولي أمر في المحادثات من البداية، وعدم تبادل الصور أو
المعلومات الخاصة بشكل غير شرعي، فضلاً عن وضوح الهدف وهو الزواج، وليس مجرد
الترفيه والتسلية.
في النهاية، يمكن القول: إن تطبيقات
الزواج أو الخَطّابة الرقمية ليست عدوًّا بطبيعتها، لكنها صدى للتحولات التي
نعيشها؛ فالشباب يبحث عن الوسيلة الأسرع، والمجتمعات تحاول الموازنة بين الأصالة
والحداثة، والقيم الإسلامية تضع لنا إطارًا يجب ألا نحيد عنه، فإذا وُجدت نية
صادقة، وضوابط واضحة، وإشراف عائلي وديني، يمكن أن تكون هذه التطبيقات وسيلة داعمة
للزواج وليس بديلاً عن القيم.
لكن إذا غابت النية الصالحة، واستُخدمت
الوسيلة الرقمية فقط لتحقيق رغبة ترفيهية أو مظهرية، فحينها سيكون الاختيار بين
الأمل والخذلان مُحيقًا، عسى أن نختار الأمل بقلبٍ وصادق، وبضمير حي، وأن نجعل
التقنية خادمة لقيمنا لا مقلّدة لها.
اقرأ أيضاً: