السؤال الصعب.. ماذا عن حق «الجنس الحلال»؟!

أعلم أنني أخوض
في منطقة شائكة، وحقل ملغوم بمحظورات دينية واجتماعية، تنظر إلى مسألة الجنس، من
منظور بعينه، دون اعتباره حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان، يجري حرمان الشباب منه،
وسط عالم مفعم بالشهوات.
قد يُفهم السؤال
بشكل خاطئ، وقد يتسلل إلى ذهن القارئ حكم سلبي على مضمون المقال، كونه يتطرق إلى
تلك القضية بطرح هذا السؤال الصعب، لكن القلم يجب أن يتطرق إلى هموم هذا الجيل،
وأن يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلاتهم وهمومهم ومشكلاتهم.
الطرح ليس وجهة
نظر فلسفية، بل أخلاقية وشرعية واجتماعية وإنسانية، بعدما ضيقنا واسعاً، وجعلنا
الحلال صعباً وغير ممكن، ومعه عاقبنا أبناءنا وبناتنا، وهم يصارعون أمواجاً
متلاطمة من الشهوات.
أكاد أجزم بأن
أجيالاً وأجيالاً من الشباب في كثير من البلدان العربية والإسلامية، جرى حرمانها
من حق الجنس في إطار شرعي، ووفق ضوابط الكتاب والسُّنة، بعدما صار الزواج حلماً
صعباً، وربما مستحيلاً، بعيد المنال.
قد يصل الشاب أو
الفتاة، إلى سن الثلاثين والأربعين، وقد يصل إلى أكثر من ذلك، دون أن يتذوق الجنس
الحلال، أو أن ينعم بالحب الطاهر، أو أن يحظى بالعفة الواجبة في مثل هذا الزمان،
رغم ما يعانيه من موجات إباحية تلاحقه أينما كان، وتلج إلى بيته وهاتفه وحاسوبه،
في عالم بات قرية صغيرة، تحكم بوصلته الأخلاقية والقيمية مواقع الإنترنت ووسائل
التواصل.
معدل العنوسة
خلال السنوات
الأخيرة، ارتفع معدل سن الزواج ليصبح بين 25 و30 عاماً في المتوسط، وقد يزيد إلى
ما بين 30 و40 عاماً للشباب في بعض البلدان، ويطال الأمر الفتيات في بعض المدن
الحضرية، مع توجه المرأة المتزايد للعمل، والاستقلال المالي، وارتفاع سقف مطالبهن،
فضلاً عن غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الوحدات السكنية.
على سبيل
المثال، في المملكة العربية السعودية، ارتفعت نسبة الشباب والشابات الذين لم يسبق
لهم الزواج في الفئة العمرية 15- 34 سنة إلى 66.23%، عام 2020م، وفق بيانات صادرة
عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية.
بينما في مصر،
يبلغ عدد غير المتزوجين (من سن 18 سنة فأكثر) 13.7 مليوناً تقريبًا، بينهم نحو 9 ملايين
رجل، و4.7 ملايين امرأة، بحسب تقارير رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة
العامة والإحصاء.
يتصدر لبنان
قائمة الدول العربية بأعلى معدل عنوسة بنسبة 85%، تليه الإمارات بنسبة 75%، وثالثاً
تحل كل من سورية والعراق بنسبة 70%، ورابعاً تونس 62%، وخامساً الجزائر بنحو 50%،
بينما بلغت في كل من الأردن والسعودية 42%، و40%، و30% في اليمن، و25% في البحرين،
بحسب وكالة «الأناضول».
اللافت والمقلق،
أن العنوسة تسللت إلى الريف، على عكس ما كان شائعاً في السابق، من معاناة أهل
المدن من تلك الظاهرة، وقد بات من المألوف أن ترى فتاة تجاوزت الثلاثين والأربعين
دون أن تتزوج، أو أن تجد أخرى قد اقتربت من الخمسين دون خوض تجربة زواج، أو
استمتاع بنعمة الأمومة والأسرة.
غلاء المهور
يجري الحرمان من
الجنس الحلال بفعل فاعل، يرتبط بسلوكيات بغيضة وغير سوية يرتكبها البشر، منها
ارتفاع المهور، وزيادة كلفة الزواج بشكل جنوني، وربط الأمر بتجهيزات باهظة الثمن،
وأحياناً اشتراط تملك بيت أو شقة، وتقديم مجوهرات ثمينة، وقائمة منقولات ضخمة من
الأثاث والأجهزة الكهربائية والمنزلية.
بالطبع، هناك
أسباب أخرى، تختلف من مجتمع إلى آخر، منها الحروب، والهجرة، والبطالة، وتدني
الرواتب، وتنامي النزعة النسوية ضد الزواج، وعلو النبرة العدائية ضد الرجال،
وتقديم صورة إعلامية مشوهة لتجارب الزواج، ما يصب في اتجاه تبغيض الشباب فيه،
وتعسير الأمر برمته.
«عانس وأفتخر»،
و«عانسون»، و«سناجل ونفتخر»، أسماء لصفحات في «فيسبوك» يُبدي أصحابها فخراً بكونهن
غير متزوجات، ليصبح المثل الشعبي القائل: «ظِل رجل ولا ظل حائط» تراثاً من الماضي،
بعدما أسندت المرأة رأسها إلى حائط المال والعمل والتمكين والتحرر، وجرى اعتبار
الزواج خارج أولويات المرأة، والسعي لتحقيق الذات ليس من خلال الأسرة والأمومة، بل
من خلال الوظيفة وجني المال.
حق العفاف
هذا الواقع
المؤلم يتطلب الصراحة، حينما نطرح ملف حقوق الإنسان على جميع المستويات، وحين
نحاكم أجيالاً عدة ونضعهم في قفص الاتهام، تحت دعاوى الانحلال الأخلاقي، وانتشار
الإباحية، وإتيان الفاحشة، ونحن في الأساس نحرمهم من الزواج، ومن حق الجنس الحلال.
عندما تقابل
شاباً، يقول لك: إنه جرى رفضه عشرات المرات من فتيات؛ لعدم امتلاكه شقة، وثانياً
لا يستطيع الزواج لصعوبة تدبير مهر العروسة، وثالثاً ليس بإمكانه تجهيز 3 غرف
أثاث، ورابعاً لا يمتلك نفقات حفل الزفاف، ستدرك حينها أن المجتمع ذاته هو من تسبب
في العزوف عن الزواج.
يقول الناشط
المصري وائل عباس، في تدوينة على «فيسبوك»: إن «القُبلة الحلال في مصر تتكلف نحو
مليون جنيه»، في إشارة إلى ارتفاع تكلفة الحصول على الجنس من خلال الزواج، فلماذا
نضيق على الحلال؟!
نعم.. نحن نحارب
سُنة الزواج، بعادات استهلاكية بغيضة، ومظاهر مادية فاحشة، وقد قدمه كثير من
الفقهاء على نوافل العبادات، ومنهم من قدمه على فريضة الحج لمن يملك مالاً يكفي
لأحدهما فقط، وهذا كاف لبيان أهمية ومكانة شأن الزواج عندهم، كما أكدوا أنه يصبح
فرضاً على من خاف على نفسه الفتنة.
قال صلى الله
عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض
وفساد كبير» (رواه الترمذي)، فلنحذر من الحرب على الزواج، ومن تبغيض الشباب فيه،
ومن تعسيره عليهم، ومن تكثير مطالبه، حتى لا نكون عوناً للشيطان على الشباب فيقعون
في الحرام، أو يمتنعون عن الحلال.
إن الجنس الحلال
لهو حق أصيل من حقوق الإنسان، وهو من هدي الإسلام، ومن سنن الأنبياء والمرسلين،
قال تعالى (وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّة)
(الرعد: 38)، ولما قال أحد الصحابة: «وأنا لا أتزوج النساء»، قال صلى الله
عليه وسلم له: «أما أنا فأتزوج النساء، وهذه سُنّتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني»
(متفق عليه).
أيها الناس، يسِّروا
الزواج، ولا تحرموا شبابكم وفتياتكم من الجنس الحلال، وامنحوا أبناءكم حق العفاف.
اقرأ
أيضاً:
جيل خليجي
يختار العزوف عن الزواج!
الشباب
والجنس.. المغريات وارتفاع تكاليف الزواج
60 % نسبة العزوف بمصر.. عادات اجتماعية سلبية تهدد
زواج الشباب