السنغال من بوابة للمستعمر بغرب أفريقيا إلى نموذج ديمقراطي يتصدره الإسلام

تُعد جمهورية السنغال، إحدى دول غرب القارة الإفريقية، حيث كانت خلال حقبة الاستعمار من أوائل المناطق التي استعمرتها فرنسا بغرب القارة، لتصبح منطلقًا لجيوشها نحو الدول المجاورة، ثم عاصمة لهذه المستعمرات طيلة عقود، قبل أن تنال استقلالها في الـ 4 من أبريل من العام 1960.

لكن هذه القصة المأساوية من حكايات الاستعمار الغربي، ما عاد لها وجود بعد أن سجلت السنغال حضورًا سياسيًا مميزًا، وقدمت في السنوات القليلة الماضية نموذجًا ديمقراطيًا فريدًا في المنطقة، وعلى الرغم من وقوعها في محيط عُرف بالانقلابات العسكرية والتغييرات غير الدستورية، إلا أن السنغال لم تسجل في تاريخها أي انقلاب عسكري رغم وقوعها بين أكثر دول القارة شهرة بالانقلابات.

ووسط هذا التقدم السياسي والحضور الديمقراطي المميز، كان لابد من التعرف على الإسلام والمسلمين في هذه الدولة التي تحتل موقعًا مؤثرًا غرب القارة الإفريقية، وهو ما سيطلعنا عليه الباحث السنغالي المختص في العلوم السياسية، هارون با، متحدثًا لمجلة المجتمع، عن تاريخ الإسلام والمسلمين في السنغال، ومستعرضًا أهم محطات التاريخ الإسلامي والشخصيات التي كان لها دور طليعي ورائد في هذا المجال.

هل تشهد السنغال أول انقلاب في تاريخها؟ |  Mugtama
هل تشهد السنغال أول انقلاب في تاريخها؟ | Mugtama
في 4 فبراير 2024م، شهدت السنغال، وهي دولة ذات ديمق...
mugtama.com
×

دخول الإسلام للسنغال:

وابتدأ هارون با، حديثه، بأن تاريخ الإسلام في السنغال مرتبط ارتباطًا وثيقًا بدخول الإسلام إلى غرب القارة الإفريقية، قائلاً: إن جذور الإسلام في إفريقيا يعود إلى فجر الرسالة الخاتمة أيام البعثة النبوية، وما تلاها من هجرة المسلمين إلى جوار الملك النجاشي العادل رضي الله عنه فرارًا بعقيدتهم من أذى الكفار وتنكيل صناديد قريش.

وجغرافيًا تقع السنغال غرب القارة الإفريقية حيث تحدها من الشمال والشمال الشرقي موريتانيا ومن الشرق مالي، ومن الجنوب كل من غينيا كوناكري وغينيا بيساو وغامبيا ومن الغرب المحيط الأطلسي.

وأوضح الباحث السنغالي، أن دائرة الإسلام بالقارة الإفريقية اتسعت مع الزمن باعتناق الشعوب الإفريقية للإسلام ودخول ممالكها في الدين الجديد في غرب إفريقيا بدءًا بإمبراطورية غانا وبلاد التكرر ثم دولة المرابطين على ضفتي الصحراء.

وأضاف أنه من الصعب إمساك خيط النور (دخول الإسلام) من رأسه وصولًا إلى عهد الاستقلال، إذ أن هناك حقبًا من العسير الجزم بكيفية تمدد الإسلام وانتشاره في ربوع السنغال؛ إلا أن المؤكد هو أن الإسلام صار حقيقة اجتماعية في غرب إفريقيا مع بدايات القرن الخامس الهجري، وأردف قد لا يُعلم على وجه التحديد تاريخ دخول الإسلام إلى السنغال لكن الملك ورجابي والعالم الجليل عبد الله بن ياسين كان لهما دور بارز في ازدهار الحركة الإسلامية الناشئة بالبلاد.

حضور سياسي بارز للمسلمين:

وتناول في حديثه مستوى حضور السنغاليين المسلمين في حكم البلاد، مؤكدًا مشاركتهم بمختلف أطيافهم في إدارة وتدبير الشأن العام وعلى اختلاف مستويات الحكم، فليست السياسة محصورة على فئة دون أخرى، وشهدت البلاد تناوبًا سلميًا على السلطة أكثر من مرة، وللتذكير فإن المؤسسة الدينية كان لها دور عظيم في المجتمع.

وتشتهر السنغال بكثرة الجوامع والقائمين على شؤونها، وقال إن من أبرز المعالم الدينية التي لا تخفى في البلاد الجامع الكبير بداكار ثم جامع طوبى حاضرة المريدية والمكتبة الخديمية ومسجد مسالك الجنان، بجانب إرث المشايخ من مؤلفات علمية ومدائح نبوية ومخطوطات أثرية.

وعلى الرغم من هذا التاريخ الناصع والحضور الإسلامي المميز في السنغال التي يمثل فيها المسلمون غالبية السكان، بنحو 94% مسلمون و5% مسيحيون و1% معتقدات أخرى، لكن تظل التحديات أمام الدعوة تشكل هاجس العلماء والمهتمين، ويرى هارون با، أن التحديات أمام الدعوة، تكمن في امتداد سلطان العولمة على الشعوب الإفريقية وانعدام المحتوى الإعلامي البديل وسريان القيم المادية وتهديد قيم الأسرة، وأضاف تحتاج الساحة الدعوية إلى تأهيل الأئمة استجابة لتغيرات المجتمع وترشيد الخطاب الديني اتساقًا مع حقائق الدين الشاملة وتوظيف المؤسسة الدينية للنهوض بالبلاد.

التصوف والدعوة والتعليم:

وفي حديث لمجلة المجتمع، قال هارون با، إن التصوف والدعوة والتعليم لهم ارتباطات وتقاطعات في تاريخ السنغال، مشيرًا إلى أن مسلمي السنغال يشتهرون بالتصوف، وتُعد الطريقة القادرية من أقدم الطرق الصوفية التي استقرت بالبلاد، تأتي بعدها التيجانية والمريدية التي تأسست على يد الشيخ أحمد بامبا.

وأضاف أن هذه الجماعات الصوفية أدت أدوارًا مشهودة في الدعوة والتربية والتعليم وواجهت الاستعمار وحافظت على الهوية الوطنية والدينية، وأردف ولا تزال أوامر المشيخة الصوفية مطاعة وكلمتها مسموعة في السياسة والاقتصاد والاجتماع في السنغال.

جمهورية أفريقيا الوسطى.. الممالك الإسلامية والمنظمات الدعوية |  Mugtama
جمهورية أفريقيا الوسطى.. الممالك الإسلامية والمنظمات الدعوية | Mugtama
ضمن جولات «المجتمع» في القارة الأفريقية التي أ...
mugtama.com
×

وأشار هارون با، إلى أبرز الأعلام والأئمة والعلماء المسلمين في السنغال، موضحًا أن من أعلام التصوف البارزين: الشيخ الحاج عمر الفوتي ثم الحاج مالك سه ثم الشيخ أحمد بامبا والشيخ إبراهيم انياس الكولخي، لافتًا إلى أن السنغاليين يتحدثون العديد من اللغات المحلية، أشهرها: الولفية والبولارية وسرير وسونينكي، وإن كانت الفرنسية «لغة الإدارة».

وتابع، على الرغم من أن السنغال كانت مستعمرة فرنسية غارقة في الثقافة الفرنسية إلا أن جهود نشر التعليم العربي والإسلامي لم تتوقف، وهي اليوم في ازدياد ملحوظ سواء تعلق الأمر بجهود الحكومات المتعاقبة أو المبادرات الأهلية المتواصلة كما يتجلى ذلك في إنشاء مدارس ومؤسسات تعليمية وجامعات أهلية.

وأضاف ما لا يعلمه الكثير أن السنغال تتولى في شخص رئيسها رئاسة اللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية (كومياك)، وهي لجنة تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، مؤكدًا على أن العاصمة السنغالية داكار احتضنت قمتين إسلاميتين: الأولى في عهد الرئيس عبد جوف عام 1412 هـ ـ 1991م لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والثانية في حقبة عبد الله واد 1429 هـ ـ 2008م مع منظمة التعاون الإسلامي.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة