السودانيون في مواجهة حرب الكوليرا

خالد محمد علي

17 يوليو 2025

242

في معاناة جديدة أضيفت للمجتمع السوداني، تهاجم الكوليرا الآن أبناء هذا الشعب المكلوم بحرب أهلية أشعلها تمرد مليشيا «الدعم السريع» على الجيش السوداني في أبريل 2023م.

ولم تترك الكوليرا أسرة سودانية إلا وأصابت أحد أفرادها أو قتلته في مشاهد إنسانية بائسة تراكم أحزان الشعب الذي غابت عنه كل سبل المساعدة لإنقاذه من حرب الكوليرا.

وفي محاولة لاستدعاء العالم للمشاركة في إنقاذ المصابين والمكلومين، حذرت الأمم المتحدة من تحول الحالة الصحية إلى كارثة إنسانية عالمية، حيث يهدد الوباء أكثر من 33.5 مليون شخص في البلاد، من إجمالي سكان السودان البالغ 45 مليون نسمة.

من بين المهددين بخطر الإصابة بمرض الكوليرا 5.7 ملايين طفل دون سن الخامسة، مع تزايد سريع للحالات خصوصاً في دارفور وانتقال العدوى إلى دول الجوار، وفق الأمم المتحدة.

وأمام هذه الكارثة الإنسانية، تحركت مجموعات نشطة من أبناء الشعب السوداني لمكافحة الوباء، حيث نظم الأهالي ولجان الأحياء حملات تعقيم واسعة، ركزت على جمع القمامة ومكافحة الحشرات الناقلة للعدوى، كما شارك العديد من الشباب في غرف طوارئ محلية لتنسيق التبرعات وتوزيع الماء النظيف، وسط العديد من المبادرات التطوعية لمساعدة الأسر الفقيرة.

الوباء ينتشر

هاجمت الكوليرا جميع ولايات السودان، ولم يتبق لها، حتى كتابة هذا التقرير، إلا ولاية واحدة، حيث انتشر الوباء في 17 من أصل 18 ولاية، وسجلت وزارة الصحة الاتحادية أكثر من 84 ألف حالة إصابة، و2145 وفاة حتى أوائل يوليو الجاري.

ووفقاً لـ«يونيسف»، فقد بلغت الحالات المشتبه بها منذ يناير 2025م نحو 32070 حالة مع 742 وفاة؛ أي أن معظم الحالات الجديدة سجلت خلال النصف الأول من العام الجاري.

وكانت الولايات الأكثر تضرراً هي الخرطوم، والجزيرة، والقضارف ونهر النيل؛ إذ استحوذت على نحو 70% من الحالات المبلغ عنها، بينما تشهد دارفور تصاعداً متسارعاً في التفشي قد يمتد إلى تشاد وجنوب السودان.

أسباب الانتشار

تسبب النزاع الدائر بين الجيش والتمرد منذ عامين في انهيار منظومة المياه والصرف الصحي، حتى بات كثير من السكان يعتمدون على مياه غير نظيفة، كما أسهمت هجمات مليشيا «الدعم السريع» على محطات المياه والكهرباء في انقطاع الخدمات وإجبار الناس على استخدام مياه النهر الملوثة.

وأدى انتشار الجثث وتحللها في الشوارع وغياب النظافة إلى تدهور الأوضاع البيئية، وتلوث مصادر المياه الجوفية والسطحية وخلق بيئة مناسبة لتفشي الكوليرا.

كما يسهم سوء التغذية وفقدان الأمن الغذائي في إضعاف مناعة السكان، ويؤكد الأطباء أن المجاعة أسهمت في سرعة انتقال العدوى وتفاقم حالاتها.

ومن أسباب سرعة انتشار الوباء هذا التزاحم والتكدس البشري لآلاف الأسر السودانية التي تزاحمت في مراكز النزوح دون توفر اشتراطات العزل الصحي ونظافة المكان وتعقيمه والنظافة الشخصية للأفراد إلى سرعة تفشي المرض وانتقال العدوى، وهو ما لازم تقريباً معظم مراكز النزوح المنتشرة في كل ولايات السودان.

وقد أدلى عدد كبير من الأطباء بشهادات حول المعاناة الكبيرة التي يقاسونها بين محاولات ملاحقة المرض بالعلاج من ناحية، وعدم توافر اشتراطات العلاج من نظافة ووقاية وأدوية من ناحية أخرى.

وحفلت منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية السودانية بتحذيرات خبراء ومختصين من عدم القدرة على السيطرة على انتشار الكوليرا في البلاد، بعد الهطل المبكر للأمطار مع بداية الشهر الجاري، حيث يحفل الموسم كل عام بالفيضانات والسيول الناقلة للملوثات وكل الأمراض والأوبئة التي عادة ما تضرب الوديان كل عام في هذا الموسم.

وتتفاقم الأزمة هذه الأيام مع الأزمات التي سببتها الحرب من انقطاع الطرق وتدهور المستشفيات والمراكز الطبية والعلاجية، ونقص الأدوية، وهجرة عدد كبير من الأطباء والمختصين، إضافة إلى صعوبة الوصول إلى المرضى في مناطق النزاعات المسلحة.

أسوأ كارثة

ومع الانتشار السريع لوباء الكوليرا، وضربها للأسر السودانية بشكل متلاحق، تحذر تقارير الأمم المتحدة من إصابة أعداد كبيرة ونسب كارثية بين الأسر النازحة وخاصة النساء والأطفال الذين باتوا يعيشون في ظروف صحية كارثية، ويطالب الخبراء بعناية خاصة للأسر النازحة التي تفتقر لكل مقومات الحياة في مراكز النزوح التي فقدت كل ممتلكاتها من أموال وأرصدة؛ ما يجعلها عرضة لمواجهة وباء لا يرحم، وظروف حرب ونزوح تتضافر جميعها لتهديد هذه الأسر بالموت والفناء.

وعلاوة على ذلك، حذرت المنظمات الدولية من أن استمرار موسم الأمطار وارتفاع منسوب المياه سيؤدي إلى تلوث أوسع للمصادر المائية، وبالتالي تسارع انتشار المرض.

كما أن الأزمة لها آثار اجتماعية واقتصادية وخيمة في بلد انهارت فيه الخدمات؛ إذ يفاقم نقص الموارد والأمن الغذائي من معاناة المدنيين، ويزيد من ضغوط الأزمة الإنسانية التي تصفها الأمم المتحدة بأنها «أسوأ كارثة إنسانية في العالم».

جهود صحية

في محاولة لمواجهة الوباء، نشرت وزارة الصحة الاتحادية فرقاً طبية (من مدارس علاجية وعزل) في بعض المستشفيات، بالتعاون مع المنظمات الصحية، لتقديم الرعاية والوعي الصحي للمصابين، وقامت بعض المستشفيات بحملات تطعيم لسكان مناطقها القريبة، وتوفير علاجات بسيطة (محاليل وريديّة وأملاح) للمصابين بناءً على إرشادات الأطباء.

ونظم ناشطون ولجان أهلية حملات تطوعية لتعقيم الأحياء وجمع النفايات، منها «لجنة أمبدة الراشدين» بأم درمان، التي أطلقت حملة لإعمار وتنظيف الأحياء، والتشجيع على ترشيد استهلاك المياه الصالحة والخضوع للحملات التوعوية.

بدورها، حرصت بعض منظمات المجتمع المدني على نشر رسائل توعوية عبر الإذاعات المحلية ووسائل التواصل لتعريف المواطنين بطرق انتقال العدوى وأهمية النظافة، تماشياً مع تأكيد وزارة الصحة على الدور الحاسم للتوعية في الحد من انتشار المرض.

وحظي الوباء باهتمام مكثف من الأمم المتحدة والمنظمات العالمية، حيث أعلن توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، تخصيص 5 ملايين دولار لدعم الاستجابة السريعة للكوليرا، لكنه حذر من حاجة عاجلة إلى 50 مليون دولار إضافية لاحتواء تفاقم الأزمة حتى نهاية عام 2025م.

وأرسلت منظمة «أطباء بلا حدود» فرقاً لتقديم العلاج واللقاحات بالمناطق المتضررة، وافتتحت مراكز علاج جديدة في نيالا ومدن أخرى، كما يشارك برنامج الأغذية العالمي ومنظمات غير حكومية دولية في توفير مواد إغاثية ومستلزمات طبية، وغيرها.

ومن جهتها، نظمت منظمة «يونيسف» حملات تطعيم واسعة، حيث قدمت حتى الآن 7.6 ملايين جرعة لقاح فموي ضد الكوليرا للمناطق المتضررة، ووفرت المياه النظيفة لأكثر من 2.5 مليون شخص، ونفذت حملات نظافة للوصول إلى أكثر من مليوني نسمة.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة