الشباب والعمل التطوعي في الكويت.. طاقة تصنع الأثر

في ظل ما يشهده العالم من أزمات اقتصادية
وصراعات فكرية واجتماعية، يثبت الشباب الكويتي يومًا بعد يوم أنه جيل استثنائي،
يحمل بداخله شغف العطاء وأصالة القيم، متسلحًا بروح المسؤولية الوطنية والدينية.
فقد أظهرت دراسات حديثة أن دوافع الشباب
الكويتي للعمل التطوعي تتنوع ما بين شعور ديني إنساني يحثهم على البذل والعطاء،
ورغبة في تنمية الذات وبناء مهارات القيادة والاتصال والعمل الجماعي، وإيمان بقيمة
التطوع لبناء مجتمع متماسك وتحقيق أثر إيجابي يعكس صورة الكويت الحضارية.
هذا، وقد ارتفعت نسبة انخراط الشباب
الكويتي في البرامج التطوعية الصيفية بنسبة 23% مقارنة بالعام الماضي؛ ما يعكس
وعيًا مجتمعيًا جديدًا بأهمية المشاركة التطوعية في بناء الوطن.
أثرهم بصمة على وجه الوطن
لم يعد التطوع مجرد ساعات يقضيها الشباب
في توزيع المواد الغذائية أو تنظيم الحملات الموسمية، بل أصبح حركة تنموية تصنع
فارقًا في حياة آلاف المستفيدين، فوفق تقرير نشر على «وكالة الأنباء الكويتية» (كونا)،
ساهم الشباب الكويتي هذا الصيف في توزيع أكثر من 35 ألف وجبة طعام وماء بارد ضمن
حملات سقيا الماء للعمال والمارة، وتنظيم حملات تنظيف شاملة للشواطئ والحدائق في
عدة مناطق لتعزيز الوعي البيئي، والمشاركة في برامج الدعم النفسي والتربوي للأطفال
الأيتام داخل الكويت، والمساهمة في برامج الصيانة التطوعية لبعض المدارس والمرافق
العامة استعدادًا للعام الدراسي الجديد.
أحلامهم تطوع بلا حدود
تتخطى أحلام جيل المتطوعين الجدد مجرد
الأنشطة المحلية، فهم يحلمون بتأسيس منصات رقمية تطوعية تربط المحتاجين بالمتبرعين
والمتطوعين مباشرة، ومشاريع تطوعية إبداعية توظف الذكاء الاصطناعي والتقنيات
الحديثة في توزيع الإغاثات وإدارة الفرق التطوعية بكفاءة عالية، وأكاديميات تطوعية
تنمي مهارات العمل التطوعي وتمنح شهادات مهنية معتمدة، لتكون الكويت مركزًا
إقليميًا للعمل الخيري والتنموي.
مبادرات صيفية مبدعة
بحسب إحصائية من نماء الخيرية، ومركز أثر
التطوعي، جاءت أبرز المبادرات التطوعية الصيفية هذا العام عبارة عن حملات سقيا
الماء التي تستهدف العمال في الطرقات والأسواق خلال ذروة الحرارة، حيث وزعت آلاف
عبوات المياه والعصائر المبردة، وحملات تنظيف الشواطئ بالتعاون مع الهيئة العامة
للبيئة، وتهدف لغرس الوعي البيئي في نفوس المشاركين والمراكز الصيفية التطوعية
التربوية للأطفال الأيتام وذوي الدخل المحدود، بإشراف متخصصين تربويين ونفسيين،
لبناء شخصياتهم وتعويضهم اجتماعيًا وعاطفيًا.
نماء الخيرية ومركز أثر
التطوعي.. ريادة مؤسسية في التطوع
تعتبر نماء الخيرية بجناحها التطوعي
ممثلًا في مركز أثر التطوعي نموذجًا مؤسسيًا للعمل التطوعي المستدام في الكويت، إذ
يركز المركز على تنمية القيادات التطوعية الشابة عبر برامج تدريبية متخصصة في
مهارات التطوع وإدارة المبادرات، تنظيم حملات ميدانية تربوية ودعوية وخدمية تخدم
شريحة واسعة من المحتاجين داخل الكويت، بالإضافة ترسيخ المنهج الإسلامي الوسطي في
جميع برامجه، بالتأكيد على أن التطوع عبادة ومعاملة وقيمة حضارية، وأن خدمة
المجتمع جزء من التزكية الفكرية والتربوية للفرد.
الفكر الوسطي.. روح العمل
التطوعي الكويتي
يؤكد علماء الشريعة والتربية أن التطوع
الحقيقي ترجمة عملية للمنهج الإسلامي الوسطي، الذي يجمع بين العبادة والعمارة، وبين
السلوك الفردي والتكافل الاجتماعي، ويذكر تقرير نشرته «الراي» أن التطوع القائم
على وسطية الإسلام يحقق التوازن في العطاء دون غلو أو تقصير، والاعتدال في النظرة
للآخرين وخدمتهم مهما اختلفت أصولهم أو دياناتهم، حماية الشباب من التطرف الفكري
عبر شغل أوقاتهم بالنافع وتنمية حس المسؤولية لديهم.
نحو مستقبل تطوعي ريادي
إن الكويت اليوم، بشبابها الواعي
ومؤسساتها الرائدة، تؤسس لمرحلة جديدة يكون فيها العمل التطوعي مسارًا مهنيًا
وتنمويًا يضيف لرصيد الوطن من القيم والريادة، جيل المتطوعين الجدد لا يكتفي بنقل
تجارب السابقين، بل يصنع تجربته الخاصة، جيل ناقد، مبدع، مبادر، يصنع الفرق في وطن
يستحق العطاء.