الشهادة منهج حياة.. 10 صفات لتنال منزلة الشهداء

يتطلع كل مؤمن لنيل الشهادة في سبيل الله، حيث إن مقام الشهداء عظيم عند الله تعالى، والله لا يعطيه إلا من استحقه، وبذل في سبيله الغالي والنفيس، فالشهادة اصطفاء من الله تعالى، حيث قال عز وجل: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ‌وَيَتَّخِذَ ‌مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) (آل عمران: 140).

وحين نتدبر في تاريخ أمتنا، نجد أن الشهادة لم تكن مجرّد موقف بطولي عابر، بل كانت منهج حياة متكاملاً، رسم ملامح حضارتنا، وحفظ عزّتنا، وأحيا في القلوب روح العطاء والتضحية.

فالشهداء لم يكتبوا بدمائهم خاتمة حياتهم فحسب، بل سطروا بداية نهضة أمة، وأثبتوا أن القيم الإيمانية العميقة قادرة على أن تصنع رجالًا يواجهون الموت بصدور مشرعة وقلوب مطمئنة، فالشهادة ليست نهاية طريق، وإنما هي قمة الإيمان وذروة سنام الإسلام.

فما أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم ليتأهل لمقام الشهداء وينال أجرهم وإن مات على فراشه؟

1- الإخلاص والصدق:

الأصل في المسلم إذا خرج إلى القتال أن يفعل ذلك ابتغاء وجه الله وحده، قال تعالى: (‌مِنَ ‌الْمُؤْمِنِينَ ‌رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23)، لكن الوساوس النفسية أو الشيطانية قد تفسد على المجاهد نيته، فيطلب بجهاده شهادة الناس له بالشجاعة والقوة، أو تتحول نيته إلى قصد الغنيمة أو العصبية، ففي صحيح البخاري، ومسلم، عَنْ ‌أَبِي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا ‌فَهُوَ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللهِ».

2- قوة اليقين والاحتساب:

يوقن المجاهد بأنه فائز في كل الأحوال، فلئن عاش فهو منتصر ومعتز بدينه، ولئن مات فهو شهيد يحتسب أجره عند الله تعالى، هذا اليقين والاحتساب في الجهاد يجعل المسلم مسروراً بأن ما يتحقق له إنما هو حسنة من الله تعالى، فإما أن ينتصر وإما أن يموت شهيداً.

قال تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (التوبة: 52)، وقال عز وجل: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ ‌لَمَغْفِرَةٌ ‌مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (آل عمران: 157).

3- حسن التوكل على الله:

يتميز الشهداء بتوكلهم الكامل على الله، فهم يعلمون أن النصر من عند الله، وأن الأمور كلها بيده، هذا التوكل يمنحهم السكينة والطمأنينة في أحلك الظروف، فيتقدمون نحو المعركة بقلوب مطمئنة، فهم يعلمون أن الأرزاق والآجال بيد الله وحده، فهم يعيشون متمثلين قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51)، ففي الآية تأكيد أنه لن يصيب المسلم شيء إلا إذا أذن الله تعالى، وقد ختم الله عز وجل الآية بالتأكيد على أن هذا من علامات التوكل الصادق على الله تعالى.

4- حب الله وسؤاله الشهادة:

من أهم صفات الشهداء أنهم يحبون الله عز وجل، ويسألونه الشهادة ويطلبونها بصدق، حيث قال تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ‌أَذِلَّةٍ ‌عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (المائدة: 54)، كما يستدل على الصدق في طلب الشهادة بما ورد في صحيح مسلم عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ ‌الشَّهَادَةَ ‌بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ».

5- الثبات على الحق:

المجاهد يعيش في حياته متمسكاً بدينه، وملتزماً بأحكامه، وحين يخرج إلى ميادين القتال؛ لا يفر منها، بل يثبت فيها، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً ‌فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال: 45)، هذا الثبات إنما هو إعانة من الله تعالى للمؤمن المجاهد، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ‌وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، وقال عز وجل: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ‌وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (الأنفال: 11).

6- الشجاعة والإقدام:

الشجاعة من أهم صفات الشهداء، فهم يواجهون الموت دون خوف أو وجل، لأن إيمانهم يزرع في قلوبهم القوة والإقدام، ويجعلهم على يقين من العون الإلهي لهم، بغض النظر عن عددهم أو عدتهم، فالله تعالى يقول: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ‌كَمْ ‌مِنْ ‌فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 249)، فالمجاهد لا يخشى إلا الله، ولا يولي ظهره لأعداء الله، حيث قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ‌الْأَدْبَارَ) (الأنفال: 15).

7- الصبر والتحمل:

يتحلى الشهداء بالصبر على الابتلاءات والتحمل في مواجهة الصعاب، فالجهاد في سبيل الله يتطلب تحمل الجوع والتعب والخوف، وهم يصبرون على ذلك كله من أجل مرضاة الله، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ (محمد: 31)، هذا الصبر يعكس قوة إيمانهم وتعلقهم بالله.

وقد وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: (‌وَالصَّابِرِينَ ‌فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177)، كما أمر الله المؤمنين أن يصبروا ويتحملوا في ميادين الحياة والموت، من أجل تحصيل الفلاح، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌اصْبِرُوا ‌وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200).

8- التضحية والإيثار:

الشهداء يبذلون أرواحهم ودماءهم في سبيل الله، مفضلين رضا الله على متاع الدنيا، هذا الإيثار يظهر في استعدادهم للتضحية بكل ما يملكون من أجل نصرة الحق ودفاعًا عن المظلومين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ ‌اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 111).

9- التواضع والرحمة للمؤمنين والشدة على الكافرين:

وصف الله تعالى عباده المجاهدين بأنهم لا يغترون بقوتهم ولا بمكانتهم، وأنهم يتواضعون للمؤمنين ويحرصون على بذل الرحمة لهم، وهم مع ذلك أشداء على من يحاربهم، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ‌أَذِلَّةٍ ‌عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة: 54).

10- الحرص على الوحدة بين المؤمنين:

يحرص الشهداء على الوحدة والتماسك، من أجل إرضاء الله تعالى والوصول إلى محبته ونصره، حيث قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ ‌يُقَاتِلُونَ ‌فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف: 4).


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة