فيصل بن عبدالعزيز.. الملك الذي دفع حياته ثمناً لدعم القضية الفلسطينية

منذ أن وضع الاحتلال قدمه على أول حفنة
تراب في أرض العزة والكرامة فلسطين، لم يتراجع ذو عقل أو صاحب ضمير عن دعم القضية
الفلسطينية وتأييدها، ومعاداة الكيان الصهيوني وكراهيته، هذا الموقف تساوت فيه
الشعوب، والدول، والزعماء أنفسهم، ومن بينهم الملك فيصل بن عبدالعزيز، هذا البطل
الذي ظل اسمه محفورًا كأحد أعظم القادة الذين لم يساوموا على كرامة الأمة، ولم
يترددوا لحظة في نصرة فلسطين، حتى لو كان الثمن حياته، الأمر الذي جعل الشيخ أحمد
ياسين يقول: إن الملك فيصل دفع حياته ثمنًا لدعم القضية الفلسطينية؛ فمن هو الملك
فيصل بن عبدالعزيز؟ وكيف دعم القضية الفلسطينية؟ وهل دفع حياته ثمنًا لدعمها؟
الملك فيصل بن عبدالعزيز
آل سعود
ولد الملك فيصل في مدينة الرياض عام
1324هـ/ 1906م، وهو الابن الثالث لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز
بن عبدالرحمن آل سعود، تربى في بيت جده الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، فأسسه في علوم
الدين، وأتم تعلم قراءة القرآن في التاسعة من عمره، وكأنها رسالة أن أي بنيان أُسس
على غير الدين والقرآن؛ فكأنما أُسس على شفى جرف هار.
وبعد أن أسس الملك فيصل على تقوى من الله
ورضوان، علمه والده علوم الفروسية والسياسة، فانغرست فيه الأخلاق الحميدة،
والشجاعة، والفطنة، والكياسة.
وعلى الرغم من صغر سنه، فإن صفاته شجعت
والده أن يجعله ممثلًا له في المحافل الدولية، ومنذ ذلك الوقت، استمر الملك فيصل
في خدمة وطنه، وشعبه، وانتصر لقضايا أمته، فشهدت له ميادين الكفاح بسداد الرؤية
والبصيرة، وانبهرت بدهائه وجسارة إصراره صالات السياسة.
الملك فيصل.. صادق القضية
منذ شبابه
لم تكن القضية الفلسطينية لدى الملك فيصل
مجرد ورقة سياسية، أو شعارات برّاقة يمتلك بها قلوب العرب، أو مجالًا للاستثمار
الخطابي كما يفعل البعض في بيانهم الرسمي الصادر أسبوعيًا للتنكيل بما يحدث في غزة
مبتدئين حديثهم بمقولة: «ندين بشدة»! بل كان إيمانًا راسخًا تشكل مع وعي الملك
فيصل، ونضج مع مسؤوليته، فمنذ أن كان نائبًا لوالده في الحجاز، وهو يظهر العديد من
المواقف الحازمة ضد المشروع الصهيوني، وظهر ذلك في محافل دولية عدة، حيث لم يتوانَ
عن الدفاع عن حق الفلسطينيين وفضح الاحتلال أمام العالم.
أنصلح خريطة العالم لمصلحة
اليهود؟
عام 1967م استمال اليهود الرئيس الفرنسي
شارل ديجول، فتعاطف معهم، ودعمهم بالسلاح، وسرعان ما طلبوا منه مقابلة الملك فيصل
بشأن القضية الفلسطينية، وبالفعل تم اللقاء في باريس، تحديدًا بقصر الإليزيه، فقال
الرئيس الفرنسي: يتحدث الناس عن رغبتكم بقذف «إسرائيل» إلى البحر، ألم تعلموا أن «إسرائيل»
أصبحت أمرًا واقعيًا لا يمكن لأحد في العالم أن يغيره؟!
فأجابه الملك فيصل: يا فخامة الرئيس،
أستغرب كلماتك هذه، ألم يحتل هتلر باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً، وفرنسا كلها
استسلمت إلا أنت؟! فلا أنت رضخت للأمر الواقع ولا شعبك رضخ، وما زلت تقاوم الأمر
الواقع حتى تغلبت عليه؛ فأنا أتعجب منك الآن وأنت تطلب مني أن أرضَ بالأمر الواقع!
فقال ديجول: لا تنس أن فلسطين هي وطنهم
الأصلي كما يدّعون، وأن جدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك.
فقال الملك فيصل: أنصلح خريطة العالم
لمصلحة اليهود، ولا نصلحها لمصلحة روما التي احتلت فرنسا والبحر الأبيض كله
وإنجلترا أيضاً؟! يا سيادة الرئيس، عندك الآن 150 دولة لها سفراء في باريس، وأكثر
السفراء يولد لهم أولاد فيها، أفلو رجع هؤلاء إلى بلادهم وأوطانهم، ثم جاؤوا
يطالبونك بالأرض باسم حق الولادة في باريس، ماذا ستفعل؟ فمسكينة باريس، لا أدري
لمن ستكون؟!
الملك فيصل.. وحظر النفط
في وجه الصهاينة
منذ نعومة أظفاره، ولم يتوان الملك فيصل
عن نصرة الفلسطينيين، والوقوف في وجه الاحتلال الصهيوني، وبلغ موقفه ذروته أثناء
حرب 1976م حينما استخدم السلاح الأقوى بيد العرب؛ سلاح النفط، فأمر بوقف تصديره
إلى أمريكا وهولاندا والدول المساندة للعدو الصهيوني الغاصب ضد مصر، وقال: «إن ذلك
يأتي في سبيل ديننا وعقيدتنا، ودفاعًا عن مقدساتنا وحرماتنا».
وما كان هذا القرار إلا وسيلة لإجبار
الصهاينة على الانسحاب من الأراضي المحتلة؛ ما أدى إلى تصاعد التوتر، واستياء
الشعوب الغربية من ارتفاع أسعار النفط، فرسالة الملك فيصل كانت واضحة للعالم -قبل
وبعد هذا القرار– أن الدم العربي ليس رخيصاً، وأن أرض فلسطين لن تظل مسرحًا لعبث
الصهاينة بلا ثمن.
لماذا قُتل الملك فيصل؟
الشيخ أحمد ياسين يجيب
حينما سُئل الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة «حماس»،
عن مقتل الملك فيصل قال: الحقيقة، الملك فيصل قُتل لموقفه من فلسطين والقدس، ولأنه
قال: «أريد أن أصلي في القدس»، إضافةً إلى دعمه للرئيس جمال عبدالناصر بكل ما أوتي
من قوة وإمكانات، وحينما سقطت القدس بكى بقوة، وكان حينها في زيارة لأوروبا وقال
كلمته المشهورة: «أنا ملك في دولة عربية إسلامية، والقدس تسقط، وأنا الآن في
أوروبا، ولم أصنع شيئًا»!
دفع الملك فيصل حياته ثمنًا لذلك، حيث تم
اغتياله على يد ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد يوم 5 مارس 1975م، بعد أن قام
بتوجيه 3 رصاصات عليه وهو بين الحرس وسط الديوان الملكي؛ الأمر الذي جعل الجميع
يزعم أن أصابع خارجية هي التي قتلت الملك فيصل لمواقفه المعادية تجاه «إسرائيل»،
وعداوته المستمرة للولايات المتحدة من خلال قرار حظر النفط، فإزالة الملك فيصل
والتخلص منه كان هدفًا مطروحًا في الدوائر الصهيونية والأمريكية منذ حرب أكتوبر
1973م.
نعم، اغتيل الملك فيصل، لكن لم يُغتل
العهد، ولن تُغتال القضية، والقدس ستظل محمولة في قلب الأمه الإسلامية، وأن هناك
رجالاً حملوا على عاتقهم الدفاع عن شرف هذه الأمة بأقلامهم، ونصرتها بألسنتهم،
وفدائها بأرواحهم، وليعلم العدو أن جنود هذه الأمة لن تنتهي، وإن اغتيل منها في
اليوم مائة، سيولد ألف، حتى يأتي وعد الله، وتعود الأرض لأصحابها، وتُرفع رايات
النصر فوق مآذن الأقصى، فالله سبحانه وتعالى (مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف: 8).
______________________________
1- https://n9.cl/mplkb.
2- https://n9.cl/2b9ro.
3- https://n9.cl/s5bu7.
4- https://n9.cl/kr7av.