الشيخ الغزالي يفنِّد أفكار النسويات

في يوم الإثنين 21 مايو 1962م، وفي قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، قدّم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ما عُرف بـ«الميثاق»، أمام مؤتمر حضره الأعضاء المنتخبون لـ«المؤتمر الوطني للقوى الشعبية»، وكانت قضية «حقوق المرأة» ضمن الأفكار الجديدة التي تضمّنها «الميثاق»، التي نوقشت في جلسة يوم الثامن والعشرين من الشهر ذاته.

ولمّا جاء دور د. حكمت أبو زيد (صارت وزيرة للشؤون الاجتماعية بعد 3 أشهر من هذا المؤتمر) في الحديث، تطرقت إلى عدة مسائل حول «دور المرأة في المجتمع»، لمزت خلالها الشيخ محمد الغزالي، أحد الحضور، الذي طلب التعقيب من أنور السادات، أمين عام المؤتمر (رئيس الجمهورية فيما بعد)، وقد قُوبل طلبه بالترحيب الشديد والتصفيق الحار من جانب المؤتمرين؛ ليعقّب عليه عبدالناصر في الجلسة ذاتها.   

وجاء تعقيب الشيخ الغزالي ورؤاه على النحو الآتي:

1- قضيةُ المرأة يحكمُها الشرع والعقل وطبيعة كلا النوعين:

حيث أكد الغزالي أنه لم يطلب التعقيب للدفاع عن أحد الجنسين دون الآخر، لكنه فقط يقرر أن نلتزم عند الحديث عن قضية المرأة بالحدود الشرعية والعقلية والطبيعية، الواجب أن يلتزم بها أولو العقول والإيمان، خصوصًا أنهما –أي المرأة والرجل- يجيئان من نفس واحدة؛ (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ (آل عمران: 195).

2- نعم للمساواة الحقيقية العادلة ولا للمساواة الظالمة:

ولفت الغزالي الأنظار إلى أن المساواة المطلوبة إنما تُحمد يوم تكون مساواة عادلة، أما المساواة الظالمة فلا يقول بها عاقل، فإنّ كلا الجنسين يُكلَّفُ في حدود طاقته، وفي حدود عقله وتفكيره، والمساواة الحقيقية هي المحكومة يقينًا بالفروق الطبيعية بين النوعين، وقد رأينا ذلك عمليًّا حتى في المذاهب التي تساوي بشكل تام بينهما كالشيوعية؛ إذ لا تزال للرجل –وهو النوع الأخشن- السيادة على المرأة، ولا يمنع ذلك من وجود نابغات بينهنّ، إلا أنه أمر استثنائي، والشذوذ لا يخرق القاعدة.

3- المرأة قد تسبق الرجل في أصول الإسلام:

وأكد الغزالي ثانيةً أن الإسلام ساوى بين الرجال والنساء في الأعمال والأخلاق والعبادات والآداب العامة، وجعل ذلك من أصوله التي لا خلاف فيها؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97)؛ فإن أساء رجلٌ وأحسنتِ امرأةٌ فهي أفضل منه بدون شك.

4- للرجل القوامة في البيت وفي المجتمع:

فالرجل في نظر الإسلام وفي نظر الطبيعة هو الجنس الأقوى، ومن هنا يجب أن تكون له حقوق هذه القوة باستمرار، ولا يجوز بالتالي إثارة اللغط حول قوامته في البيت وفي المجتمع، وهذا هو الفضلُ الذي حدّده له الإسلام؛ (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: 34)، والتفضيل هنا تفضيل في الخِلْقَة، فنظير قوته البدنية والنفسية تلك تُلقَى عليه أعباءٌ جمّةٌ يقوم بها لصالح المرأة وحتى تستريح هي وتُقرّ معزّزةً مكرّمةً في بيتها.

5- «لباسُ المرأة» أمرٌ حدده الإسلامُ بشكل حاسم:

لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ (الأحزاب: 59)، وهذه المسألة -مسألة لباس المرأة- ليست تافهة كما يظن البعض، إنما هي ضرورة لسدّ أبواب الفتنة على المجتمع، بعدما تبارت النساءُ في كشف مفاتنهنّ، في مقابل ستر الرجال لأجسادهم.



6- المرأةُ بين الجامدين والمفرِّطين:

حيث صارت قضية المرأة في مجتمعاتنا كـ«بندول الساعة»، تتجه إلى أقصى اليمين، وإلى أقصى اليسار، دون وعي، واقعةً بين من يظنونها قد خُلقت للمتعة والاستلاب فقط، وبين من يقذفون بها في الشارع ويحمّلونها ما لا تطيق من أعباء تحت ضغوط ودعاوى النسوية، ومن الإنسانية والمنطق أن تعمل المرأة في أعمال تناسبها إذا اضطرت إلى الخروج للعمل، لا أن نحشرها قصدًا في أعمال لا معنى لها، فهذا ما ليس له أساس من الدين.

وقد عقب الرئيس عبدالناصر على تعقيب الشيخ الغزالي، وتلخّص تعقيبُه في الأفكار التالية:

  • قال: نحن ننظر إلى المساواة في إطار العقيدة الدينية، وهذا ما أكدته مواد الميثاق.
  • وقال: إن التزام المرأة باللباس المحتشم وعدم خروجها عارية، يقع ضمن مسؤوليات رجالِهنّ، وقال: نحن كحكومة لا نستطيع أن نفعل شيئًا، وإن فعلنا ذلك فقد دخلنا في معركة مع نصف المجتمع، ويضيف (بأسلوب ساخر): ولذلك رفضتُ من قبل طلبًا لحسن الهضيبي (المرشد العام للإخوان المسلمين) بفرض الحجاب على المسلمات، أو إغلاق السينمات والمسارح.


اقرأ أيضاً:

لماذا لا تكون المرأة نبياً أو رسولاً؟!

التأويل النسوي للقرآن الكريم

الأكاديمية أميمة أبو بكر لـ«المجتمع»: النسوية الإسلامية ترفض الأجندة الاستعمارية

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة