مجاهدون ارتبطت أسماؤهم برمضان..
الصِّدِّيق أبو بكر

إنه أبو بكر
الذي لقبه صاحبه النبي صلى الله عليه وسلم بالصِّدِّيق، فقد كان الصدوق في كل
موقف، المؤازر في كل كلمة، الرفيق في كل درب، المؤمن بكل كلمة، المستسلم لله في كل
وقت وحين، كان ثاني اثنين إذ هما في الغار، وكان رفيق الغزوات، والخليفة بعد
الممات.
من
هو الصديق أبو بكر؟
هو عبدالله بن
عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيِّم بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب(1)،
ويلتقي بنسبه مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مُرَّة، كان يُسمَّى في الجاهلية
عبد الكعبة، فسمَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدالله، ولقَّبه بـ«عتيق» لحسن
وجهه وعِتقه من النار(2)، وبالصِّدِّيق، لأنَّه بادر إلى تصديقه لا
سيما صبيحة الإسراء(3)، أبوه عثمان ولقبه أبو قُحافة، وأمُّه سلمى بنت
صخر بن عمرو بن عامر بن كعب بن مُرَّة وكنيتها أم الخير(4).
إسلام
أبي بكر وإيمانه(5)
ليس هناك رواية
ثابتة تروي قصة إسلام أبي بكر بدقة، فكل ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض
الإسلام على صاحبه المقرب، فخرج أبو بكر من عنده داعية إلى الله، مبلغاً رسالته،
فهل كلفه الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ الدعوة؟ أم أنه كان شعوراً نابعاً من
قلب أبي بكر من منطلق مسؤوليته تجاه الدين الذي يؤمن به ويحمله؟ لا أحد يدري، إلا
أنه خرج من عند نبيه داعياً ليكون الرجل الأول في الإسلام بعد نبي الأمة، ويكون
بيته هو البيت الثاني في الأمة بعد بيت النبوة بإسلام زوجته.
وتتوالى
الفتوحات على يد أبي بكر: عثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد
بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، رجال شكلوا أمة كاملة كان لها أثرها فيما بعد.
ثم توالت
الفتوحات على يد أبي بكر مثل عثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي سلمة بن
عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، الغلام الذي تحولت داره لمقر يتلقى فيه
المسلمون دينهم ويكوّنون فيه عقيدتهم، كان أبو بكر صخرة قوية، تلقت الصدمات التي
وجهت للدعوة في فجر بزوغها، ونزل فيه قوله تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) (التوبة: 40).
جهاد
أبي بكر الصديق
تذكر المصادر أن
أبا بكر لم يتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم عن غزوة أو مشهد من المشاهد، بل كان
مرافقاً له صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن كثير:
ولم يختلف أهل السير في أن أبا بكر الصديق لم يتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم
في مشهد من المشاهد كلها.
وقال الزمخشري:
إنه كان مضافاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأبد، فإنه صحبه صغيرًا وأنفق
ماله كبيرًا، وحمله إلى المدينة براحلته وزاده، ولم يزل ينفق عليه ماله في حياته،
وزوَّجه ابنته، ولم يزل ملازماً له سفرًا وحضرًا، فلما توفي دفنه في حجرة عائشة
أحب النساء إليه.
وعن سلمة بن
الأكوع: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث
تسع غزوات مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة(6).
شهد أبو بكر «بدراً»
في رمضان 2هـ، وكانت مواقفه فيها مشاركته في مشورة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن
مواقفه يوم «بدر» قيامه بحراسة النبي عليه الصلاة والسلام كشأنه دوماً، وقد قال
علي بن أبي طالب وبعض الصحابة يحرسون عريش النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها
الناس، من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني ما بارزني أحد
إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر؛ إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشًا،
فقلنا: من يكون مع رسول الله لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منه
أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يهوي
إليه أحد من المشركين إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس.
وقد كان رؤوفاً
بنبيه وصاحبه، مشفقاً عليه، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أثناء المعركة يتوجه
نحو ربه داعياً مشفقاً: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من
أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا»، وما زال يدعو ويستغيث حتى سقط رداؤه، فأخذه
أبو بكر ورَدَّه على منكبيه وهو يقول: يا رسول الله، كفاك مناشدتك ربك فإنه منجز
لك ما وعدك.
وقد خفق النبي
صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال: «أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر
الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع (يعني الغبار)، قال: ثم
خرج رسول الله إلى الناس فحرَّضهم»، وقد كانت العقيدة أقرب لأبي بكر من ابنه
وذويه، فشارك ابنه عبد الرحمن في هذه المعركة مع المشركين، وكان من أشجع الشجعان
بين العرب، ومن أنفذ الرماة سهمًا في قريش، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي (أي
ظهرت أمامي كهدف واضح) يوم «بدر»، فملت عنك ولم أقتلك، فقال له أبو بكر: لو أهدفت
لي لم أَمِلْ عنك.
إن مواقف أبي
بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خدمة الدين، وفي أفضلية إيمانه لا تعد ولا
تحصى، وإن ألف كتاب لا يوفي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم حقه، فعن أبي سعيد
الخدري قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إن الله تعالى خير عبداً بين
الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله،» قال: فبكى أبو بكر وقال: بأبي
هو وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم! وبأبي هو وأمي أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه
أفقه الصحابة على الإطلاق، وأقرأ الصحابة على الإطلاق، وهذا الذي جعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم في مماته ينظر فيرى عمر الفاروق يتقدم الناس ويصلي؛ فاشتد غضب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمعر وجهه وقال: «يأبى الله ويأبى المؤمنون إلا أبا
بكر»، لا بد أن يتقدم أبو بكر؛ لأنه الأحق.
____________________
(1) الطبري، أبو
جعفر محمد بن جرير: تاريخ الرسل والملوك (3/ 424-425).
(2) ابن هشام،
أبو محمد عبد الملك بن هشام: السيرة النبوية على هامش الروض الأنف لأبي القاسم عبد
الرحمن السهيلي (1/ 287).
(3) الطبري (3/ 425)،
والعسقلاني الحافظ شهاب الدين المعروف بابن حجر: فتح، الباري بشرح صحيح البخاري (8/
8).
(4) لأبي القاسم
عبد الرحمن السهيلي (1/ 287).
(5) سيرة ابن
هشام.
(6) د. علي محمد
الصلابي.