الصف الأول بين الصلاة والقتال.. منزلة وارتباط


تُشْرَعُ الصفوف في موضعين: القتال والصلاة. تحدثت سورة الصف عن صف القتال، في حين تناولت سورة الجمعة صف الصلاة، توضيح ذلك أن صلاة الجمعة تستلزم الصف ضرورة؛ لأن الجماعة شرط فيها دون سائر الصلوات. وهذا من أوجه المناسبة التي أشار إليها السيوطي في التعاقب بين السورتين. أما الخارجون عن صف المؤمنين سواء في القتال أو في الصلاة فهم المنافقون؛ ولعل هذا من أسباب مجيء سورة المنافقون بعد الصف والجمعة.

بالنسبة للصف الأول في الصلاة، فهو الذي يلي الإمام، وفي بيان فضله قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عليه لَاسْتَهَمُوا" (رواه البخاري).

أما الصف الأول في القتال، فهو مقدمة الجيش التي تواجه العدو أولًا، هذا على المستوى الفردي، أما على المستوى الجمعي المتعلق بالأمة، فهو الفئة التي تواجه أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وهم -في زماننا- المشروع الصهيوأمريكي وأدواته.

وقد أظهر "طوفان الأقصى" بجلاء شديد الصف الأول في مواجهة هذا المشروع في هذه الفترة الزمنية. وأصحاب هذا الصف متفاوتون في المنازل، وأرفعهم منزلةً هم الذين يقاتلون في الصف الأول منه، فهم أول الأوائل وصفوة الصفوة.

وفي فضل هؤلاء يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفضلُ الشهداءِ الذين يُقاتِلونَ في الصفِّ الأولِ فلا يلْفِتونَ وجوهَهم حتى يُقتلوا، أولئك يتَلَبَّطونَ في الغَرفِ العُلى من الجنةِ، يضحكُ إليهم ربُّك، فإذا ضحِك ربُّك إلى عبدٍ في موطنٍ فلا حسابَ عليه" (الترغيب والترهيب للمنذري). وهؤلاء أفضل الشهداء؛ لأنهم سبقوا إلى القتال، وعدم التفاتهم بوجوههم دليل على صدق نيتهم. وأما ضَحِكُ الله إليهم، فهو دليلٌ على رضاه عنهم.

إن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين صف المسلمين في الصلاة وصفهم في القتال، ويتجلى هذا الارتباط في عدة مظاهر:

١) في الصلاة، يقف المصلون في صفوف منتظمة خلف إمام واحد، وفي القتال تُنظَّم الصفوف تحت قيادة واحدة.

٢) وكما يتابع المأمومون إمامهم في أفعاله، يلتزم المجاهدون بتوجيهات قائدهم في المعركة.

٣) وكما أن تراص الصفوف مطلوب في الصلاة، فإنه مطلوب في القتال، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: 4].

٤) وكما يلتزم المصلون بالبقاء في صفوفهم حتى نهاية الصلاة وعدم مغادرتها بغير عذر، فإن المقاتلين يُنهَون عن التولي والفرار، إلا إذا كانوا متحرِّفين لقتال أو متحيزين لفئة.

٥) وإذا كان صف الصلاة يعبر عن وحدة الأمة في العبادة، فإن صف القتال يعبر عن وحدتها في الدفاع عن المقدسات.

٦) وإذا كان صف الصلاة مظهرًا للجهاد الأصغر (تزكية النفس)، فإن صف القتال مظهرٌ للجهاد الأكبر (قتال الأعداء).

تأسيسا على ما سبق؛ فإنه كما يلزمنا إقامة صف الصلاة والمبادرة إليه، يلزمنا إقامة صف القتال والمسارعة إليه؛ وإن خير الصفوف أولها. وإذا كان المتأخر عن صفوف الصلاة الأولى متوعَّد بأن يؤخره الله فإن المتأخر عن صفوف القتال الأولى مثله بل أشد، ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ﴾ [الأنفال: 16].

والمفترض أن من قام بحق صف الصلاة أن يقوم بحق صف القتال، لكن "من خان حيَّ على الصلاة ... يخون حيَّ على الكفاحْ"، كما قال الشيخ القرضاوي -رحمه الله-.



الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة