الضفة.. الضم المشتِّت للسيادة

محمد القيق

29 يناير 2025

17279

تتسارع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية بالتزامن مع خطة الجيش «الإسرائيلي» التي توسعت بالاقتحامات ومصادرة الأراضي وإخطارات الهدم في ظل تهويد واسع في القدس المحتلة؛ ما يضع علامة استفهام كبيرة على أدوار في المنطقة على رأسها السلطة الفلسطينية وماهية التموضع السياسي الحالي.

يعمد «الإسرائيلي» إلى منع التعددية السياسية في الضفة الغربية لقطع الطريق على حكومة فلسطينية وانتخابات؛ ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً على وقع خطة الضم الممارسة فعلاً، حيث معادلة الانقسام الفلسطيني الذي باتت تغذيه أطراف إقليمية ظناً منها أنها تقود وتسيطر على المشهد، إلى أن وصلت تلك الأطراف إلى كارثة انتظار الضم وتهديد أمنها القومي، فكانت الضفة بوضعها الحالي نتاج عديد الأسباب، وأبرزها:

- إهمال عربي واضح لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، بل وانشغال بعضهم في التطبيع، وآخر في تعزيز الفتنة الفلسطينية والصراعات الداخلية العربية؛ ما جعل ذلك إشارة إيجابية لـ«الإسرائيلي» أن ينفذ مساره.

محاربة بعض الدول العربية مباشرة لـ«حماس» وحركات المقاومة، والتعامل معها في إطار أنها إرهاب بناء على مقاسات ومعايير الأمريكي التي في أساسها تعتمد الأمن «الإسرائيلي» أولوية؛ ما جعل «الإسرائيلي» يزداد قوة في تنفيذ المخطط.

إنشاء السلطة الفلسطينية على أرضية إعلان المبادئ تمهيداً للدولة على قاعدة ورعاية الأمريكي الذي كُشفت نواياه فوراً حينما وصلت الأمور لاستحقاق الدولة، وبذلك وضعت السلطة شرخاً داخلياً فلسطينياً وقسمت العرب بين مقاطع ومعارض ومؤيد لوجودها دون الحديث في تفاصيل الحق الفلسطيني، وتحولت لاحقاً إلى ممر تطبيعي وتنسيقي لا صلة له بدولة ولا سيادة.

استغل «الإسرائيلي» عملية السلام الوهمية في الميدان باستيطان متوسع شرس، وفي السياسة بتجاهل للحق الفلسطيني، وفي الإعلام بتخدير للمجتمع الدولي وتلميع للرواية «الإسرائيلية» التي تنسف الحقوق الفلسطينية لصالح دولة «يهودا والسامرة» التي ينوي المستوطنون إقامتها على حساب كل الضفة من خلال الوطن البديل في الأردن وتشريد الناس هناك.

تجردت السلطة من أي إنجاز سياسي وبات دورها توفير رواتب شهرية للموظفين وإدارة ذاتية، وهذا في حقيقته جوهر النية الأمريكية لوجود السلطة وفقط.

تغيرات إقليمية ودولية أغرت الكيان «الإسرائيلي» لوضع خطة التوسع على الطاولة بعد الغطاء الأمريكي ودعم الضم و«صفقة القرن» ومحاربة غزة وانكماش الضفة والمتغيرات في سورية والحرب في لبنان، كلها محطات فتحت الباب للبحث عن نصر وجودي وتوسع جغرافي وتعزيز للردع، وهذا وجده الكيان مناسباً في الفترة الحالية والمقبلة في الضفة الغربية.

يحاول الاحتلال أن يفرض أمراً واقعاً بكل السبل للسيطرة التامة على المياه والحدود والأغوار والمساحات الزراعية والجغرافيا الواصلة بين المدن من خلال عديد الإجراءات الاستيطانية والعسكرية والأمنية، في الوقت الذي يمنع فيه الانتخابات الفلسطينية، ويعزز الترهل الإداري للسلطة والفتنة الفصائلية ويمنع التوافق، وهذا من شأنه أن يظهر الفلسطيني ضعيفاً أمام العالم، وينجح «الإسرائيلي» في إقناع المجتمع الدولي بنظريته التي تقول: «الضفة بلا قيادة ولا توافق وهي في حالة فوضى وحاجة «إسرائيل» للأمن تتطلب ضمها».

هذا المشهد سيكون رسالة خطيرة للأردن الجار للضفة الغربية، ولاحقاً للأمن القومي العربي، إذا لم تتم عملية إسعاف أولي سريعة للضفة بقرار عربي حقيقي دون تصنيف للفلسطينيين على المزاجية الأمنية، وذلك من خلال:

- إزالة «الڤيتو» عن المصالحة الفلسطينية، بل دعمها وتثبيتها والتعامل مع الفلسطينيين كجسم واحد ومنتخب ويضم الكل.

توقف التعامل الأمني مع القضية الفلسطينية لحماية الضفة الغربية والقدس وغزة، وهي أراضي دولة فلسطين حسب القانون الدولي، وهذا يتطلب لحماية الأمن القومي العربي أن يتعزز وجود الدولة الفلسطينية دون «ڤيتو» عربي على «حماس» حاكمة أو مشاركة في الحكم أو فائزة في الانتخابات أو معارضة.

تحصين الموقف العربي بإعلان أن القانون الدولي واجب التطبيق لينال الفلسطيني حقه، وتفعيل أوراق ضغط تمتلكها الدول العربية قبل أن تستغل «إسرائيل» هذا التشتت.

بعد السابع من أكتوبر والانتصار العسكري السياسي الأمني الكبير وما تلاه من إبادة جماعية في غزة وفشل الاحتلال في تحقيق نصر؛ تحولت الأنظار للضفة، وهذا سيكون على حساب الأردن، ولذلك بات الدور الأردني المرتقب مهماً في تغيير المعادلات وحماية أمنه وحق الفلسطينيين؛ ما يلزم في ذلك تكاتف ورسالة للمجتمع الدولي أن اعتداء «إسرائيل» على لبنان وسورية انتهاك إذا لم يوضع له حد فإنه سيتوسع للأردن، وهذا خطير على الأمن والسلم الدولي، وكلمة السر للهدوء هو حماية الأردن بتفعيل حق الفلسطينيين.

نحن أمام أيام وأسابيع حاسمة يريدها «الإسرائيلي» جس نبض في الضفة للأمريكي وللدول العربية، وإذا لم تكن هناك رسالة فعلية حقيقية عربية تؤثر على مزاج الأمريكي وتردع «الإسرائيلي»؛ فهذا سيقود لمشروع تشريد واسع يقوده المستوطنون ويحميهم الجيش.

ففي معادلة الصراع الطويل الممتد منذ تبلور نية إقامة دولة الكيان على يد «الهاجانا» و«البالماخ» والمجموعات اليهودية المتطرفة التي ارتكبت المجازر وخلفت الدمار، كانت دائماً المعادلة تقوم على الترهيب والطرد ليتم الإحلال، وهذه الأيام ما زالت السياسة ذاتها وإن تغيرت صورها، فالضفة الغربية مسرحها الذي جردت فيه من كل سيادة وهوية وتواصل جغرافي، بل وباتت ممزقة تحت إطار السلام.

وحتى هذه الضفة الممزقة لم تعد تريدها قوات الاحتلال قائمة ولو شكلاً؛ نظراً لتطور الفكر الصهيوني بالتوسع والضم والتحطيم للتواصل العربي وسحق الهوية الفلسطينية، فهناك في غزة صمد الشعب ومقاومته وأفشلوا المخطط، فهل الضفة الغربية ستسارع لترتيب الصف والوحدة وتحصين الحق بإسناد عربي وتحديداً الأردن الذي سيتضرر إذا سقطت الضفة؟!

لم تعد الإجابة تحتمل بيانات شجب أو تحذيرات، بل ترقب فعلاً يوازي تسارع المخططات التي يطبقها الاحتلال.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة