الضم والتوسع.. فرصة وعقبات

محمد القيق

31 يوليو 2025

168

«أرغب في توسيع إسرائيل، أراها صغيرة كقلم رصاص على طاولتي»، هذه هي الكلمة المفتاحية التي تستخدمها الحكومة «الإسرائيلية» لتمهيد الطريق لمخططاتها وربطها بـ«صفقة القرن» التي أعلنها دونالد ترمب في ولايته الأولى كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

قرار الكنيست بضم الضفة الغربية.. إلى أين يتجه المشروع الاستيطاني؟ |  Mugtama
قرار الكنيست بضم الضفة الغربية.. إلى أين يتجه المشروع الاستيطاني؟ | Mugtama
صوّت الكنيست «الإسرائيلي»، بأغلبية 71 نائبًا من أصل 120، على قرار يعتبر الضفة الغربية «جزءًا لا يتجزأ من الوطن التاريخي والثقافي والروحي للشعب اليهودي»
mugtama.com
×

ابتزاز وانتهازية

عندما تأسست «إسرائيل» عام 1948م على أنقاض منازل الفلسطينيين وجثث الأبرياء، قرر قادتها جعلها دولة ديمقراطية ومجتمعية بمعاهدات مع دول الجوار، لتغطية السبب الرئيس لوجودها بالحركة الصهيونية.

لكن مع مرور الوقت، ازداد تطور العالم تعقيدًا؛ ما انعكس إيجابًا على «إسرائيل» ودفعها للتفكير في التوسّع وتعزيز قوتها على حساب الشعب الفلسطيني والدول العربية.

في عام 1967م، وتحت ذريعة الحرب مع الدول العربية، وسّعت «إسرائيل» هيمنتها لتشمل لبنان وسورية ومصر والضفة الغربية؛ ما فتح الباب أمام رغبتها في قواعد جديدة.

في ذلك الوقت، كانت «إسرائيل» دولة معزولة في المنطقة، وعلاقاتها مع شعوب وحكومات الدول العربية متوترة؛ ما جعل الوضع على حافة الاشتعال.

تكمن أهمية الوضع في أن الهدف الرئيس الذي بدأ المتطرفون في «إسرائيل» يفكرون فيه هو إمكانية قيام دولة يهودية وتوسيعها بذريعة تطبيق معتقدات دينية وتاريخية مزورة، وذلك لأسباب عديدة:

أولها: تعزيز رواية وجود الدولة وغايتها.

ثانيها: إرساء قواعد جديدة للردع والترهيب للجيران لضمان عدم تعرضها للهجوم.

ثالثها: إقناع اليهود بعدم الحاجة للولايات المتحدة، وأن هناك حالة من السلام والاستقرار والازدهار والأمن تشجعهم على الاستقرار في «إسرائيل».

أصبحت هذه الأهداف واضحة لجميع أطراف العالم، ولن يُحل الصراع معها.

شريط النار

بسبب تفوق «إسرائيل» العنصري وأهدافها في طرد الفلسطينيين من أرضهم وتهديد الدول العربية، أوجدت الولايات المتحدة الأمريكية عملية السلام لاحتواء القضية الفلسطينية، ولتسهيل الأمر على المستوطنات «الإسرائيلية» لمواجهة عواقب النوايا «الإسرائيلية» لتوسيع الكيان دون إشراف أمريكي.

سارعت الحكومات «الإسرائيلية المتعاقبة إلى التوسع في الضفة الغربية بتكثيف بناء المستوطنات وطرقها وشبكات البنية التحتية الضخمة على حساب الأرض التي كان من المفترض أن تكون دولة فلسطينية ذات سيادة.

وأصبح باقي القدس تحت السيطرة «الإسرائيلية»، ناهيك عن أن السياسة «الإسرائيلية» تجاه المسجد الأقصى وكنيسة القيامة في المدينة المقدسة عدائية بشكل واضح، وتهدف إلى تهويد المنطقة لصالح الاستيطان.

اقرأ أيضاً: «خطة الحسم».. عين على الضفة الغربية وأخرى على الائتلاف الحكومي اليميني

أدت هذه الإجراءات إلى اندلاع الانتفاضة الثانية، وإلى مزيد من التوتر الذي تسبب في سقوط المزيد من الضحايا وتدمير المدن بشكل أشد من ذي قبل.

دخلت المنطقة نفقًا مظلمًا من الحرب والصراع وعدم الاستقرار والتحديات الجسيمة، وكلها ناجمة عن عقلية «الإسرائيليين» الذين وقّعوا اتفاقيات أوسلو لمجرد التفاوض دون أي أمل في بدء فصل جديد من السلام مع الفلسطينيين أو أيٍّ من الأطراف الإقليمية للعيش بسلام معًا.

أصبحت الرغبة في التوسع هدفًا رئيسا للحكومات «الإسرائيلية» مهما كلف الأمر؛ ما يعني أن مبدأ التوسع غير قابل للتفاوض؛ «الغاية تبرر الوسيلة».

الكيان الصهيوني.. من حروب وجودية إلى حروب توسعية |  Mugtama
الكيان الصهيوني.. من حروب وجودية إلى حروب توسعية | Mugtama
في عام 1948، ظهر الكيان الصهيوني على الخريطة السي...
mugtama.com
×

نجاح ممكن

إن أخطر أهداف الحكومات «الإسرائيلية» تقويض الحقوق الفلسطينية وحلم الدولة المستقلة ذات السيادة وفقًا للقانون الدولي، وتحاول «إسرائيل» استفزاز العالم من خلال نشر أخبار عن خطة التوسع، بما في ذلك خطة الضم في الضفة الغربية، لاختبار ردود الفعل لتقرر الخطوة التالية.

لكن خلال الأشهر العشرين الماضية من الحرب والتوتر في المنطقة، بما في ذلك الإبادة الجماعية في غزة، تغير الواقع وضعفت قدرة «إسرائيل» على فرض مخططاتها على يد المقاومة الفلسطينية التي كشفتها كمجرمة حرب وروايتها الزائفة عن الصراع، على الرغم من تأثيرها الهائل على العالم.

وحذر العديد من الخبراء العسكريين والسياسيين من أن الخطة «الإسرائيلية» لتوسيع كيانها على حساب الأراضي العربية، بما في ذلك الأرض الفلسطينية الموعودة لتكون دولة ذات سيادة؛ ستؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها ليس فقط على المنطقة، بل على العالم أيضًا.

هناك خياران لليوم التالي في المنطقة؛ الأول: هو العودة إلى القانون الدولي لإقامة دولة فلسطين عام 1967م ذات السيادة، وسيكون هذا الخيار هو الأفضل لجميع الأطراف، بما في ذلك «حماس»، خاصة بعد ملحق ميثاقها الذي أضافته إلى اتفاقيتها عام 2017م والذي قبلت فيه بحل الدولتين.

الثاني: توسيع «إسرائيل» كما يخطط بنيامين نتنياهو ووزراؤه المتطرفون، خاصة بعد خطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وتصريحاته حول تهجير الفلسطينيين ورغبته في توسيع «إسرائيل» لتكون الأقوى والمسيطرة على المنطقة.

لكن هذا الخيار سيكون صعبًا على مستقبل العالم؛ لأنه سيتضمن تغييرًا إستراتيجيًا سيؤثر على الأمن القومي للمنطقة، لدرجة أن النظام العالمي سيقع في مأزق كبير.

نعتقد أن الخيار الثاني هو هدف الحكومة «الإسرائيلية» لإقناع المجتمع «الإسرائيلي» بالاستقرار والاستثمار الآمن لاستعادة الردع، ولكن هل سيؤدي ذلك إلى تحقيق هدفها، أم إلى زوال الكيان «الإسرائيلي» بأكمله؟ خاصة إذا قرر نتنياهو شن هجمات على سورية ولبنان لتمهيد الطريق لمخططه.

لقد أثّرت عملية «طوفان الأقصى» تأثيرًا بالغًا على الركائز الأساسية الأربع التي تباهى بها الصهاينة؛ ما انعكس سلبًا على خطة التوسع:

1- فقد المجتمع «الإسرائيلي» ثقته بجيشه، الملقب بـ«الجيش الذي لا يُقهر»، بعد أن فشل أمام مقاتلي «حماس».

2- فقد المجتمع «الإسرائيلي» ثقته بمنظومة الدفاع الجوي بعد الحرب على إيران.

3- فقدت «إسرائيل» الرواية الزائفة التي روّجت لها وتحكّمت بها لعقود للتغطية على مخططاتها، لكن الإبادة الجماعية كشفتها.

4- فقدت «إسرائيل» ركيزة أساسية في عقيدة الردع؛ وهي قوة الهجوم الجوي، بل على العكس، جلبت لها انتقادات وسمعةً سيئة.

لذلك، نعتقد أن «إسرائيل» تقف على مفترق طرق لتحديد مستقبلها في المنطقة، خاصة بعد هذه التغييرات في عقلية المجتمع «الإسرائيلي» وقدرته على الصمود، التي تزامنت مع احتلال أراضٍ جديدة في لبنان وسورية قبل أشهر.

أمام رد الفعل المتوقع من المقاومة والشعب في لبنان وسورية، لا وقت لحسم الخطوة التالية التي ستكون سلاحًا ذا حدين.

وستشهد المنطقة غليانًا شعبيًا وتحولات ستُشعل شرارة الصراع الديني والنضال لتحرير فلسطين.

إنها مرحلة حساسة لجميع الأطراف، وقد أصبح قرار اختيار الحرب أو الاستقرار نقطة تحول في هذا الصراع الوجودي، ولكن بعد تسارع سياسات الحكومة في الكيان مع قرارات الكنيست لديهم حول الضم، وسبق ذلك قرارات رئاسية أمريكية ضد الجولان وكذلك «صفقة القرن»؛ فإن مؤشرات تدهور الأوضاع واردة، ولكن نجاح التوسع صعب في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة