العرب و«ميسي» و«البريميرليج»!‏

حين تتعلق منجزات العرب بقدم لاعب أو أكثر في الدوري الإنجليزي الممتاز «البريميرليج» فأمة «اقرأ» أمام كارثة كبرى.

إن كانت تدري فتلك مصيبة، وإن كانت لا تدري فالمصيبة أعظم؛ لأن أقدام اللاعبين لا تبني حضارة، ولا تؤسس نهضة، ولا ينبني عليها تقدماً، وإلا لكانت الأرجنتين قوة اقتصادية وعسكرية عظمى، وهي من تمتلك ميسي.

تعيش الأرجنتين تحت وطأة الإفلاس، وهي من أكثر الدول اقتراضاً من صندوق النقد الدولي، بل هي صاحبة الرقم القياسي العالمي في التخلف عن سداد الديون، وفق بيانات حديثة صادرة في العام 2024م.

الشهر الماضي، أبرمت البلاد التي أنجبت ميسي، الحاصل على الكرة الذهبية 8 مرات، وبطل كأس العالم 2022م، اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي؛ للحصول على قرض بقيمة 20 مليار دولار على مدار 4 سنوات.

وتعد هذه هي المرة الثالثة والعشرين التي ينقذ فيها صندوق النقد الدولي الأرجنتين، منذ انضمامها إلى المؤسسة المالية الدولية عام 1956م، حيث تعاني عملتها «البيزو» انهياراً حاداً، إذ يبلغ سعر صرفها الرسمي 1097 بيزو أمام الدولار وفق السعر الرسمي، و1375 بيزو للدولار في السوق الموازية أو السوداء.

حين تعلم أن الأرجنتين تحل عالمياً في المرتبة الثالثة، بعد البرازيل وفرنسا، كأكثر دول العالم تصديراً للاعبي كرة القدم بـ 905 لاعبين، وفق بيانات المركز الدولي للدراسات الرياضية (CIES)، فنحن أمام قوة كروية عظمى، لكنها مديونة، بحسب تعبير العامية المصرية، لـ«طوب الأرض».


فخر العرب

هذه المفارقات، لا بد من طرحها، لوقف الجنون الكروي والهستيري، الذي يُراد له أن يهيمن على عقول الشباب والمراهقين والأطفال، فيتعلقون بقدم لاعب بات نجماً أو هدافاً في الدوري الإنجليزي، أو لاعباً في واحد من أعظم أندية العالم مثل ليفربول أو مانشستر سيتي أو مانشستر يونايتد أو ريال مدريد أو برشلونة أو باريس سان جيرمان.

قائمة اللاعبين العرب في الدوريات العالمية تعج بالعشرات ممن أحرزوا بطولات أوروبية وقارية، أو نالوا جوائز فردية في الدوريات الخمس الكبرى، أو قدموا أداء مبهراً، على رأسهم محمد صلاح، عمر مرموش، أشرف حكيمي، نصير مزراوي، إبراهيم دياز، ريان آيت نوري، يوسف النصيري، رياض محرز، سعود عبدالحميد.. وغيرهم.

لكن الواقع المُر يؤكد أن أقدام هؤلاء اللاعبين لم تحقق سوى انتصار زائف لأمة العرب في ميدان كرة القدم، مجرد أهداف في الشباك، لم تنقل بلادنا وأوطاننا إلى مصاف الدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً، أو قائمة الدول الرائدة في مجالات التعليم والبحث العلمي.

بالطبع، هم لا يتحملون تلك الفاتورة الباهظة من المشكلات والأزمات على جميع المستويات؛ سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلمياً واجتماعياً، لكن يراد، من خلال أقدامهم، منح أمة العرب، إحساساً وهمياً بالنشوة سرعان ما ينتهي، ليستيقظ المرء على واقع الحال في غزة وسورية ولبنان واليمن وليبيا والسودان والصومال، وغيرها من دول العالم العربي، التي تئن تحت وطأة الحروب والصراعات، وتعاني الفقر والديون.


محمد صلاح.. عنوان للأبطال |  Mugtama
محمد صلاح.. عنوان للأبطال | Mugtama
يبدو أن الشهيد البطل محمد صلاح، الجندي المصري الذي...
www.mugtama.com
×


نصر حقيقي

يمكن تسمية هذه الحالة بـ«التمكين الوهمي»؛ أي صناعة حالة من النصر والفخر للعرب، أياً كانت صورتها، في ملاعب كرة القدم، أو كرة اليد، أو كرة السلة، أو الألعاب الأولمبية، دون أن تحقق أمة جابر بن حيان، والفزاري، والكندي، وابن النفيس، وابن الهيثم، وابن خلدون أي منجزات حضارية في القرن الحادي والعشرين، تنقل شعوبها إلى واقع التمكين الحقيقي.

إن فخر العرب الحقيقي، ليس لاعب كرة، مع كل التقدير لموهبة «مو صلاح» أو غيره من اللاعبين العرب، بل إن الفخر الحقيقي يكمن في مُنجز علمي وتاريخي وإنساني تقدمه أمة القرآن للبشرية، في مجالات الطب والهندسة والكيمياء والرياضيات والفلك والفضاء والذكاء الاصطناعي.

لحظة الفخر الحقيقي عند التفوق في مجالات الإدارة والمال والأعمال، فنصدر العقول والكفاءات التي تدير منشآت الغرب، لا أن نستقدم فقط الكوادر الأجنبية والمستشارين الأوروبيين والأمريكيين؛ فنصبح رهينة للعقل الغربي في منشآتنا الدراسية والعلمية والنفطية والمصرفية والتكنولوجية والاقتصادية.

9 جوائز فقط، هي حصة العرب، من جوائز «نوبل» منذ العام 1901م، في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والاقتصاد والسلام، منها 5 هي جائزة «نوبل للسلام»؛ أي خلال 125 عاماً، لم يحقق العرب سوى 4 جوائز في المجالات العلمية الأخرى، وهو أمر لا يتناسب إطلاقاً مع حجم مساحة دولهم، وعدد سكانهم، وحجم ثرواتهم، وقيمة تاريخهم، وإرثهم الحضاري، وعظمة دينهم.

لن يمنحنا «البريميرليج» أو «الشامبيونزليج» أو كأس العالم، فخراً حقيقياً أمام العالم، ونحن نسير على خطى التبعية، وندمن شره الاستهلاكية، ونفقد هويتنا، وما زلنا نقبع أسرى لحمى استيراد الغذاء والدواء والسلاح من هنا وهناك، ثم ننتشي بهدف بواسطة قدم!

أفيقوا يا عرب.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة