العنف الأسري ضد الوالدين.. نمط من جاهلية العصر

على الرغم من أن
الوالدين في البلاد العربية هم الأوفر حظًّا بالنسبة لأقرانهم في الدول والمجتمعات
الأخرى غير الإسلامية؛ من حيث تقديرهم وحسن رعايتهم والاهتمام بهم، فإنه -للأسف-
شاهدنا وسمعنا في السنوات الأخيرة عن مئات من حالات العنف الأسري ضدهم (على ندرة
الدراسات حول حجم الظاهرة ومدى انتشارها)، تعرّض خلالها الوالدان لشتى أنواع العنف
من الأبناء، مثل:
- استخدام
القوة: بإحداث إصابات جسدية بهم، وإعاقات في بعض الحالات.
- الإهمال
والانشغال عنهم: ويزداد الأمر سوءًا إذا كان الوالد/الوالدة معوّقًا أو عاجزًا عن
العمل والحركة.
- الحرمان من
الطعام والعلاج.
- الاستيلاء على
أموالهم: ومنعهم من التصرف في ممتلكاتهم.
- الإيذاء
النفسي: بالتوبيخ، والتحقير.
وقد ينتج عن ذلك
آثار على الضحية، تتمثل في: الاكتئاب والقلق والعزلة، وتدني احترام الذات وفقدان
الثقة بالنفس.
أسباب
الظاهرة
تعود الظاهرة
بالأساس إلى:
- غياب الوازع
الديني: وابتعاد المجتمعات العربية عن قيمها الإسلامية الأصيلة التي تعلي من شأن
الأبوين وتقدّس مكانتهما.
- انتشار
البطالة: وتأزم الأوضاع الاقتصادية، وما يستتبعه من خلافات مالية وضغوط نفسية،
تدفع الأبناء إلى ارتكاب أعمال عنف ضد الآباء.
- تعاطى
المخدرات: وما ينتج عنها من غياب القيم المجتمعية وفقدان السيطرة على النفس.
- تفشي العزوبة:
وما يتولد عنها من ضعف الإشباع العاطفي لدى الولد أو البنت، وما يستتبعه من عنف
واضطرابات في المحيط الأسري.
- قسوة الوالدين
تجاه الابن: وإهمالهما له، وحرمانه من حقوقه.
وللأسف، فمن
المتوقع استفحال الظاهرة، نظرًا لوجود عدة تحديات خاصة ببلداننا العربية، منها:
نقص الوعي بخطورتها، وعدم وجود تعريف واضح لها، وعدم اهتمام وسائل الإعلام بها.
كما أن هناك
نوعًا من الخوف من العار الاجتماعي المرتبط بالإبلاغ عن تلك الحوادث، فضلًا عن عدم
وجود قوانين أو تشريعات صريحة تعالج الجريمة، أو آليات لمساءلة الجناة، أو مراكز
–رسمية أو أهلية- كافية لتقديم الدعم والمساعدة.
توصيات
للوقاية من الظاهرة
- ضرورة إطلاق
مبادرات إسلامية لتبني الظاهرة وحلولها، وتعزيز التقاليد الإيجابية، وحماية كرامة
الوالدين، ضمن بيئة أسرية آمنة.
- الاهتمام
بالإحصاءات الرسمية المتعلقة بالظاهرة، وزيادة الوعي المجتمعي بها، من خلال
المبادرات الإعلامية والبرامج التعليمية.
- إبراز أهمية
العمل التطوعي، والتنسيق بين المؤسسات الاجتماعية المختلفة لحصار الظاهرة.
- تفعيل
القوانين والأحكام القضائية الشرعية المحققة لمبدأ العدالة واستقرار الأسر.
- إجراء دراسات
رصينة وموسعة حول حجم المشكلة، ومدى انتشارها وأسبابها، وآثارها على المدى القريب
والبعيد.
رحمة
الإسلام بالوالدين
للوالدين في
الإسلام مكانة عظيمة، فقد قرنهما الله عز وجل بنفسه، وأوصى بالإحسان إليهما عقب
الوصية بتوحيده وعدم الإشراك به، وقد نهى عما يغضبهما أو يسيء إليهما، (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (النساء: 36)، (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا
وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً {23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الإسراء)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حرّم الله عليهم
الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث الذي يقر الخبث في أهله» (الإمام أحمد).
من ثم، فلا يجوز
للابن أن يرفع صوته عليهما، أو ينهرهما، أو يؤذيهما -ولو بالإشارة- بل عليه أن
يصحبهما بالمعروف حتى لو كانا على غير دينه، وقد اعتبر الإسلام الإساءة إليهما من
الكبائر، التي يأتي على رأسها الإشراك بالله تعالى؛ (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ
عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (الأنعام:151)،
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟» (ثلاثًا)، قالوا:
بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول
الزور» (رواه البخاري، ومسلم).
والبر بالوالدين
في الإسلام ليس مقصوراً على الإحسان إليهما حال حياتهما، بل يكون ممتداً إلى ما
بعد وفاتهما، بالاستغفار لهما، والوفاء بعهودهما، وصلة رحمهما.
فعن أبي أسيد
مالك بن ربيعة قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني
سلمة فقال: يا رسول الله، أبقي من برِّ أبويَّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال:
«نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، والإيفاء بعهودهما بعد موتهما، وإكرام
صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما» (ابن ماجه).