العنف المجتمعي.. حين يتحوّل الصمت إلى شراكة!

 العنف المجتمعي.. حين يتحوّل الصمت إلى شراكة!

في كل مجتمع، سواء كان كبيراً أو صغيراً، تظهر لحظات نواجه فيها سؤالاً حساساً: لماذا نرى العنف حولنا.. ونمر؟!

السؤال ليس بسيطاً، لكنه يفتح باباً مهماً: ليس كل عنف يكون ضربة أو شتيمة، أحياناً يكون كلمة، تجاهلاً، نظرة، أو حتى صمتاً في مكان كان المفترض أن نقف فيه مع الحق.

العنف.. صورة أوسع مما نتصوّر

عندما نقول عنفاً، أول ما يخطر على بال الناس الضرب أو الإيذاء الجسدي، لكن الحقيقة أن العنف اليوم يرتدي آلاف الوجوه، منها:

  • عنف نفسي: كلمة تذلّ، تعليق يجرح، أو ضغط يولّد خوفاً.
  • عنف اجتماعي: تهميش، تنمّر، إقصاء، أو نظرة تُسقط قيمة إنسان.
  • عنف أسري: قسوة ما ترى بالعين لكن تترك ندبة لا تنمحي بالقلب.
  • عنف رقمي: سخرية، تشويه، أو تهديد يسقط ثقة إنسان بنفسه من وراء شاشة.

ما المشكلة؟

إن أغلب هذا العنف يحدث «عيني عينك»، والناس تعتبره عادياً، وجزءاً من الحياة، أو «مزحة ثقيلة».. لكن الحقيقة، أن كل كلمة مؤذية، وكل فعل جارح، وكل تخويف؛ هو بذرة عنف تكبر إذا ما وقف أحد بوجهها.

لماذا المجتمع يطمئن للسكوت؟

نحن نعيش في مجتمع طيب وكريم، لكن عنده نقطة ضعف واحدة؛ السكوت عن الخطأ، خصوصاً لو كان الذي يقوم به شخص أكبر، أو أقوى، أو له مكانة.

السكوت أحياناً لا يكون جبناً، بل يكون خوفاً من التصادم، أو شعوراً بـ«أنا شكو؟»، أو اعتقاداً بأن التدخل لا يفيد.

لكن الحقيقة أن العنف لا يكبر إلا عندما يعطيه أحد مساحة، وينتشر عندما يتوقف الناس عن ردعه.

مجتمعات العالم كلها مرّت بهذه المرحلة، لحين ما اكتشفت أن مواجهة العنف ليست مسؤولية الحكومة فقط، ولا الشرطة فقط، ولا المؤسسات، فمواجهة العنف تبدأ من كل شخص؛ من البيت، ومن المدرسة، ومن الديوانية، ومن مكان العمل، وحتى من «السوشيال ميديا».

آثار العنف لا تقف عند الشخص

العنف ليس مشكلة فرد، بل مشكلة مجتمع بأكمله؛ لأنه يخلق سلسلة من التدمير الصامت، منها:

1- يكسر الثقة: الطفل الذي يكبر وسط عنف؛ يكبر مرتبكاً، خائفاً، ومع الوقت يصبح عنيفاً مثل الذين آذوه.

2- يدمّر العلاقات: الزوجة التي تتعرض لعنف تفقد الأمان، والزوج العنيف يخسر احترام الناس قبل احترام نفسه.

3- يخفض قيمة المجتمع: المجتمع الذي يسمح بالعنف؛ يصبح به الخوف أكثر من الأمان، والعداوة أكثر من الاحترام.

4- ينقل العنف عبر الأجيال: مثل العدوى ينتقل، ويتكرر، ويتحوّل إلى أسلوب حياة.

كيف نواجه العنف؟

المواجهة لا تحتاج قوانين غليظة أو شعارات كبيرة، تحتاج وعياً وإدراكاً ومواقف صغيرة لكن تأثيرها كبير، مثل:

  • نغيّر طريقة كلامنا: الكلمة ترفع إنساناً، وتهدمه، كل شخص يستطيع أن يبدأ بنفسه؛ اترك السخرية، خفّف القسوة، واحترم اختلاف الناس.. ليس صعبًا.

  • نتعلم قول: هذا خطأ: ليس كل مواجهة تحتاج شجاراً، أحياناً كلمة بسيطة، مثل «لو سمحت»، لا تكلّم الولد بهذه الطريقة»؛ كافية أن توقف شخصاً عن الاستمرار في الخطأ.

  • نسمع قبل أن نحكم: أغلب الناس الذين يتعرضون للعنف لا يريدون حلاً، بل يريدون أحداً يسمعهم دون أن يقلّل من وجعهم.

  • نعلّم أولادنا معنى الاحترام: الطفل الذي يتربى على التعاطف؛ يصبح رجلاً يحمي، لا يؤذي.

  • نقف مع الضحية، وليس مع القوي: عندما يرى الناس أن المجتمع كله ضد العنف؛ فالشخص العنيف يفقد قوته.. نحن ندرك أن العنف لا ينتهي، لكن المجتمع يستطيع وقف تمدده، فمجتمع واعٍ، وشجاع، ويعرف قيمة الكلمة؛ يستطيع أن يحمي نفسه.

والمجتمع الكويتي طوال عمره معروف بروح التكافل، والتعاون، والإخاء، واليوم، مسؤوليتنا أن هذه القيم تصبح خط الدفاع الأول ضد العنف.

العنف ليس قضية اجتماعية فقط، بل قصة كل بيت، وقرار كل شخص؛ هل أكون جزءاً من الحل، أم جزءاً من الصمت؟

الفرق الحقيقي يصنعه شخص واحد، في لحظة واحدة، يقول فيها: هنا توقف، هذا خطأ.

هذا الكلام ليس تنظيراً، هذه دعوة.. دعوة لمجتمع أقوى، وأكثر رحمة ووعياً، مجتمع لا يسمح للعنف أن يعيش بين أفراده، ولا يرضى أن يكون شريكاً في الصمت.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة