القائد المتميز.. أخلاقيات وسلوك

للقيادة في الإسلام مكانة خاصة ولها آداب
وأحكام وليست متروكة لهوى أو رغبة في التسلط أو الشرف، هي أمانة وتكليف ومسؤولية تسير
وفق مبادئ الشورى والعدل والرحمة لتحقيق مصالح الناس، والإسلام دين جماعي، لا يقام
إلا في مجتمعات، فلا هو بدين لاهوتي يقام بين جدران معابد، ولا شعائره تؤدى فرادى،
ولا مبادئه تطبق إلا في مجتمعات وتجمعات.
وكي تستقيم التجمعات البشرية وتتوافق بغير
مشكلات وجودية، يجب أن يكون هناك قائد لها، يجمع كلمتها، ويحافظ عليها، وقد وردت أحاديث
نبوية كثيرة تحض على وجود قائد وتوجه الأمة إلى حسن اختياره وضرورة وجود ذلك القائد
من الأساس، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمروا أحدهم»
(أخرجه أبو داود).
أخلاقيات القائد في الإسلام
ليس كل إنسان يصلح لأن يكون قائداً ناجحاً،
فالقيادة علاوة على أنها مقومات شخصية، وإرادة قوية، واستعدادات شخصية، وهبة من الله
عز وجل في جوانب كثيرة منها، وفي جوانب أخرى هي صفات شرعية يجب أن يتحلى بها مثل العدل
والأمانة والحكمة والرحمة، وهي صفات مكتسبة يمكن غرسها في نفس المسلم وتربيته عليها،
أبرزها:
أولاً: العدل:
يقول الله تعالى فيمن يقودون الناس أو يحكمون
بينهم، أو يتحكمون في مصائرهم وأمورهم آمراً إياهم: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ
بِالْعَدْلِ) (النساء: 58)، فالقائد يتعامل مع الجميع على قدم المساواة، دون
اعتبارات مسبقة من مكانة اجتماعية، أو جنس، أو لون، وأن يكون العدل هو أساس القرار
والسلوك.
فالقائد الناجح يحسن الاستماع للجميع بنفس
القدر من الاهتمام، يحسن توزيع الموارد على الجميع، يحسن إعطاء الفرص بشكل متساو كل
في مجال تفوقه، لوضعه في المكان المناسب الذي يستطيع من خلاله أن يبدع ويعطي وينفع
مجتمعه.
وترجع أهمية العدالة والمساواة في القيادة
لأنها تقوي روابط الثقة بين الأفراد وقائدهم من ناحية، وبين الأفراد بعضهم بعضاً من
ناحية أخرى، وحين تكون معايير اختيار القائد كفاءته وقدراته وأخلاقه، فإن ذلك يدعم
معاني التنمية النابعة من الاطمئنان والشعور بالاستقرار.
ثانياً: الأمانة:
والأمانة من أهم مقومات القائد الناجح، وقد
وردت تلك الصفة في كتاب الله في وصف ابنة شعيب لموسى عليه السلام: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ
الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص: 26)، وتأتي كلمة الأمانة بمعان كثيرة منها(1):
- التكليف: مأخوذة من قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب: 72).
- الأمانة المعنويّة: التي تتمثّل في القول
الحسن، والثّناء على الآخرين وتقدير جهودهم، وتقديم العون والمساعدة قدر المستطاع.
- الضمير اليقظ: وبه يتمّ صيانة الحقوق من
الضّياع، والمحافظة عليها، التي تشمل حقوق الله في تأدية ما على الشخص من عبادةٍ وطاعةٍ،
وحقوق الناس، بصونها، وحمايتها.
- الإتقان: هو أن يحرص الإنسان على أداء الأعمال
التي كُلّف بها بشكلٍ متقنٍ ودون تقصيرٍ، وأن يبذل قُصارى جهده في إتمام هذه الأعمال،
والقيام بها بشكلٍ صحيحٍ، فإذا استهان الإنسان وفرّط بالأعمال الصغيرة التي يقوم بها،
فسيأتي يومٌ ويفرّط بما هو أكبر من ذلك.
- عدم الاستغلال: يستغلّ كثير من الأشخاص
مناصبهم أو مواقع عملهم لتحقيق مصالحهم الشخصيّة، أمّا القائد الناجح فعليه عدم استغلال
ظروف العمل لصالحهِ، أو لمكاسب دنيويّة زائلة، أو أن يُعيق مصالح العباد، ويُضيع الحقوق.
- استعمال الأصلح: فقد نبّه النبي صلّى الله
عليه وسلّم أنّ من علامات ضياع الأمانة توكيل الأمر إلى غير أهله، فعلى الإنسان إذا
وُضع في موضع قيادةٍ أن يختار الأنسب والأصلح للوظيفة، ويترك الاعتبارات الأُخرى التي
تُضيع الحقوق وتنتهك الأمانات.
ثالثاً: الحكمة:
والحكمة من الصفات اللازمة لكل مسؤول مهما
كان موقع مسؤوليته، فما يتعرض له من مواقف بحكم تلك المسؤولية قد يمثل مفاجآت وأزمات
في بعض الأحيان، وإن لم يتحلَّ بالحكمة فسوف يفشل؛ ما قد يؤدي لتوقف مشروعاته.
قال تعالى: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ
الأَلْبَابِ) (البقرة: 269)، فالحكمة عطاء ومنحة من الله تعالى لمن يتخير من
عباده.
والحكمة لا تعني الضعف واللين والهدوء غير
المبرر، وإنما تعني استخدام الأسلوب الملائم في الوقت الملائم، القوة في وقتها، والتسامح
في وقتها، والرفق واللين في وقتهما.
رابعاً: الشورى:
ومن أهم صفات القائد الناجح أنه غير مستبد
برأيه، مغتر به، لا يستأثر بالرأي دون الآخرين، فمن يعتقد أنه وحده الصواب من دون غيره
لمجرد أنه القائد أو الرئيس أو المسؤول فهو فاشل حتماً، إن لم يكن اليوم فغداً.
فليس هناك إنسان يحيط بكل شيء مهما بلغت قدراته
العقلية والبدنية، فالناجح وحده هو من يستطيع أن يلم بكل شيء، ليس عن طريقه، وإنما
بمن هم حوله كل في تخصصه وقدراته، يستشير أهل الخبرة والرأي، فحتى إن لم يكونوا على
صواب، فيتحملوا النتائج معه، والله عز وجل يبارك في الشورى، ولن يجمع الله أمته على
خطأ أو باطل.
فالقائد يحرص على مبدأ الشورى باستشارة أهل
الخبرة، والعلم والمعرفة حتى يضمن صواب الرأي الذي يتخذه، وقد كان النبي صلى الله
عليه وسلم يشاور أصحابه، وزوجاته، كما فعل ذلك الخلفاء الراشدون، وكثير من الخلفاء
المسلمين بعدهم(2).
وفي أمر مباشر من الله تعالى لنبيه الكريم
بالحرص على الشورى يقول تعالى: (فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ
مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:
159).
وعن الحسن البصري رحمه الله: «ما تشاور قوم
قط، إلا هدوا لأرشد أمورهم» (رواه ابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب المفرد).
وقال البخاري: «وكانت الأئمة بعد النبي صلى
الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها،
فإذا وضح الكتاب أو السُّنة لم يتعدوه إلى غيره، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم،
وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولاً أو شباناً، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل».
___________________
(1) طارق سويدان وفيصل باشراحيل 2003، صناعة
القائد (الطبعة الثانية)، السعودية مكتبة جرير، جـ1، ص51 - 56.
(2) بناء المجتمع الإسلامي، ص85، لنبيل السمالوطي.