القضايا التي يثيرها فوز عمر ياغي بـ«نوبل في الكيمياء» 2025

منذ أن تم الإعلان، صباح الأربعاء 8 أكتوبر
2025م، عن قائمة أسماء الفائزين بجائزة «نوبل في الكيمياء» التي ضمت اسم العالم د.
عمر ياغي، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا- بيركلي، اشتعلت صفحات وسائل التواصل
الاجتماعي في العالم العربي بجدل وأخذ ورد، وهو الجدل الذي يثير عدداً من القضايا
التي تستحق التوقف عندها:
تساؤلات حول فوز عمر ياغي بـ«نوبل»
الأمر الذي لا جدال فيه في هذه الجائزة
هو الجدارة العلمية المستحقة للابتكار الذي حققه د. عمر ياغي في تسعينيات القرن
العشرين بابتكاره الذي ساهم في ثبات ما يعرف بـ«الأطر المعدنية العضوية» التي تعرف
اختصاراً باسم «MOFs»،
وهي، بحسب بيان «نوبل»: هياكل جزيئية ذات مساحات واسعة تتدفق خلالها الغازات
والمواد الكيميائية الأخرى، يمكن استخدامها لتحقيق وظائف عدة، تشمل جمع المياه من
هواء الصحراء، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون، وتخزين الغازات السامة، أو تحفيز
التفاعلات الكيميائية.
الأمر الآخر المتعلق بتلك الجائزة هو أن د.
ياغي كان العالم الثالث من ذوي الأصول العربية الذي يفوز بـ«نوبل في الكيمياء» بعد
المصري د. أحمد زويل عام 1999م، والتونسي منجي الباوندي عام 2023م، ثم أخيراً د.
عمر ياغي الذي تعود أصول أسرته إلى فلسطين الحبيبة، لكنه يحمل الجنسية الأردنية
بالميلاد، والسعودية بالمنح، وهنا يثور السؤال: إلى أي حد ينبغي لنا أن نفرح كعرب
بتلك الجوائز؟
السؤال يعيدني إلى السنوات الأولى من
القرن الحادي والعشرين، حينما كنت أعمل محرراً علمياً بأحد المواقع الإلكترونية،
وعرض عليَّ مقال يتناول سيرة اللبناني حسن كامل الصباح، أحد أهم المخترعين العرب
في النصف الأول من القرن العشرين، الذي حقق جل إنجازاته في مجال الهندسة
الكهربائية في الولايات المتحدة، حتى لقبته إحدى المجلات العربية بلقب «أديسون
الشرق»، وهو اللقب الذي أثار شجوني وجعلني أعنون المقال باسم «أديسون الشرق الذي
أضاء في بلاد الغرب».
والأمر فيما يخص المنجز العلمي لكل من
زويل، والباوندي، وياغي لا يختلف، فجميعهم حققوا إنجازاتهم في الولايات المتحدة أو
أوروبا، فكان لنا جميعاً الفخر الأجوف بأصولهم العربية، وللغرب جني ثمار منجزاتهم
علمياً وعملياً، فليس هناك من عروبة في منجزاتهم التي حصلوا بسببها على الجوائز.
وهنا يجدر بنا أن نسأل: لماذا عجزت
المؤسسات الأكاديمية والبحثية في العالم العربي عن أن تكون موطناً لتحقيق مثل تلك
المنجزات العلمية؟ وهل إذا حدث وتحقق إنجاز كإنجازاتهم في أي منها، هل كانت هيئة
جوائز «نوبل» سوف تمنحهم جوائزها؟ ولماذا ننتظر اعتراف الغرب عبر جائزة «نوبل» بأن
لدينا من الباحثين والعلماء العرب من يستطيعون تحقيق مثل تلك المنجزات؟ ولماذا لا
تكون هناك جوائز علمية مرموقة تستبق بلداننا العربية وتقدمها لأبنائها من أصحاب
المنجزات؟ خاصة وأن المنجز العلمي للدكتور ياغي، على سبيل المثال، تأخر في نيل
جائزة «نوبل» كثيراً، ولماذا لا نحتفي نفس هذا القدر من الاحتفاء إذا حدث ونال
أحدهم جائزة علمية عربية –على قلتها– مثلما نحتفي بجائزة «نوبل»؟ هل لقلة قيمة
الجوائز العربية من الناحية العلمية، أو المالية؟ أم لأننا ما زلنا أولئك
المدهوشين فاغري الأفواه تجاه كل ما يأتينا من غرب؟
الأمر المتيقن الذي كشفت عنه تلك
الجوائز، أن بلادنا ما زالت تنزف عقولها النيرة التي تقتطفها بلاد الغرب، ولا
تستطيع أن توفر البيئة والدعم المناسبين لهم لينجزوا في معامل جامعات ومراكز أبحاث
بلادهم، أو ليجنوا ثمار تلك الإنجازات فيما يحقق نهضة علمية وتكنولوجية طال
انتظارها في بلادنا؟
ماذا تعرف عن د. عمر ياغي؟
وعودة إلى د. عمر ياغي نقول: إن الرجل
المولد عام 1965م في عمَّان، كانت أسرته قد هجرت عام 1948م من إحدى قرى فلسطين،
وقد ولد ونشأ في أسرة رقيقة الحال في عمَّان، وكان والداه يستطيعان بالكاد القراءة
والكتابة، لكنهما كانا حريصين على أن ينال ابنهما قدراً عالياً من التعليم أهله
بعد ذلك لنيل ما يزيد على 17 جائزة خلال مسيرته العلمية، منها جائزة علمية عربية
وحيدة، وهي «جائز الملك فيصل في العلوم» عام 2015م، لكن مما لا شك فيه أنه حصل
أيضاً على جائزة «وولف في الكيمياء» التي تمنحها مؤسسة «وولف الإسرائيلية» عام
2018م، وهي نفس الجائزة التي حصل عليها د. أحمد زويل عام 1993م.
وإذا كانت تلك الجوائز لا تجعلنا نضفي
عليهما صفات عصبية تطعن في انتمائهما لبلديهما وأمتهما، إلا أن قبولهما لتلك
الجائزة يعد بلا شك سقطة كبيرة، إذ كان بإمكان كل منهما رفضها.
وإذا كان د. زويل قد حرص على أن يعطي
بلاده بعد فوزه عبر إنشائه لمدينة زويل في مصر، فإن ما ينتظر من د. ياغي أن يعطي
بلاده أيضاً ما يمحو بعضاً من آثار تلك السقطة، خاصة وأنه ابن فلسطين التي تتعرض
من قبل تهجير أسرته لمآسٍ متتالية، ربما ليس آخرها ما يجري منذ عامين على مرأى
ومسمع من العالم من إبادة جماعية حركت ضمائر الناس في العالم شرقه وغربه، ومنهم
نخب في بلاد الغرب التي يعيش فيها د. ياغي، الذي لم نسمع له –رغم فلسطينيته-
تصريحاً واحداً يعبر عن إدانته لما يجري، فلم نكن نريد منه –وهو العالم الباحث،
المجاهد بعلمه في معمله- مشاركة في مظاهرة، أو احتجاج، أو أسطول لكسر الحصار، ولكن
إعلان موقف على الأقل، لذلك فإننا ننتظر منه أن يعبر بشكل عملي من خلال مشروع علمي
عن بعض من حقوق وطنه وأمته عليه.
اقرأ
أيضاً:
الجوائز أوسمة فخار لا وصمة شنار
لماذا تبتسم «نوبل» لمجرمي الحرب؟!
___________________
لمصدر المعلومات والمزيد منها طالع:
1- إعلان نوبل في الكيمياء 2025:
2- https://www.nobelprize.org/prizes/chemistry/2025/press-release/
3- التعريف بالدكتور عمر ياغي على موقع جامعة
كاليفورنيا، بيركلي:
4- https://chemistry.berkeley.edu/people/omar-yaghi
5- - التعريف بجائزة وولف والحاصلين عليها:
https://en.wikipedia.org/wiki/Wolf_Prize_in_Chemistry
6- التعريف بحسن كامل الصباح:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D8%AD