الكويت تنادي.. والقلوب تلبّي: "فزعة لغزة" ليست حملة بل موقف حضاري

في ساعات لم تكن كغيرها من الأيام، ارتفعت أنفاس القلوب قبل الأيادي، وانهمر العطاء الكويتي دفعة واحدة كالسيل المبارك نحو غزة، حيث لا يُسمع سوى صوت الجوع، وصدى الألم، ونداء الأمل البعيد. هناك، حيث العتمة تخنق الأطفال، كانت الكويت النور، وكانت "فزعة لغزة – الكويت بجانبكم" النبض الذي اخترق جدار الصمت الإنساني.

ليست هذه الفزعة حدثًا عابرًا، بل هي إرث متجدد من المروءة الكويتية. إرث من الكرامة التي لا تعرف التردد حين يستغيث الضعفاء، ومن الضمير الحيّ الذي لا يخبو أمام المآسي. هي الحملة التي كشفت عن المعدن الحقيقي لشعب لا يتخلى عن القيم، ولا يتقاعس عن نصرة الإخوة، مهما بعدت المسافات أو اشتد الحصار.

"نماء الخيرية"، وكعادتها في كل محنة، لم تنتظر دعوة ولا تكليفًا. بل انخرطت من اللحظة الأولى بكل طاقاتها وإمكاناتها، وكانت حاضرة في الميدان، وفي المنصات، وفي نبض الناس. ساهمت في تسريع وتيرة العمل الإغاثي، وشاركت في تنظيم التبرعات، وتوثيقها، ومتابعة وصولها عبر الجسر الجوي الذي أقامته الكويت لأجل غزة.

ما يحدث اليوم ليس مجرد تضامن؛ هو بيان عملي لقيم الإنسانية التي تحملها الكويت في قلبها، وتصدرها للعالم كأنموذج فريد في التفاعل مع القضايا الأخلاقية والإنسانية. والأرقام لا تكذب: خمسة ملايين من الدنانير خلال يومين فقط، وأكثر من خمسين ألف مشارك، ومئات الآلاف من الدعوات الصادقة التي سبقت النقود.

ولم يكن النجاح وليد المصادفة، بل ثمرة تعاون دقيق بين وزارات الدولة، وعلى رأسها وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الخارجية، والهلال الأحمر، إلى جانب الجمعيات الخيرية المعتمدة. هذا التلاحم المؤسسي صنع تجربة إنسانية غير مسبوقة، وأعاد الأمل لمن لا صوت لهم في غزة.

هذه الحملة ليست فقط لتوفير الغذاء أو العلاج، بل هي تمهيد لمسار تنموي طويل النفس، يشمل – في مراحله القادمة – قطاعات التعليم، والإعمار، والصحة، بما يعيد للإنسان الفلسطيني كرامته، ويمنحه أدوات النهوض من تحت الركام.

في لحظة تاريخية نادرة، تتجلى الكويت كضمير الأمة. تقود حملة ليست فيها مصالح ولا شهرة، بل وفاء إنساني صرف، وتعبير نقي عن وجدان جماعي لا ينسى المظلومين.

وغزة، التي لم تتوقف عن تقديم الشهداء، تستحق منا هذا الوفاء. تستحق أن نكون جدارها الذي يحمي، وسقفها الذي يظلل، وسندها في أوقات الانهيار. ومن الكويت، بدأت هذه الرسالة.. رسالة مفادها: الإنسانية لا تموت، ما دامت هناك أوطان تُحسن أن تحيا بها.

 

 

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة