«بروفة» للمسجد الأقصى..
المستوطنون اليهود يتولون الإشراف على المسجد الإبراهيمي رسمياً!

هناك قرار
صهيوني بالاستيلاء بالكامل على الحرم الإبراهيمي (المسجد الإبراهيمي) في مدينة
الخليل، كي يكون بروفة لما سيتم تطبيقه على المسجد الأقصى في القدس، وهو ما بدأ
تنفيذه على أرض الواقع بقرار يمنح المستوطنين سلطة إدارة المسجد بدلاً من المسلمين
والأوقاف.
فماذا يعني سحب «إسرائيل»
صلاحيات الحرم الإبراهيمي؟ وهل ينجحون في تطبيق هذه البروفة على المسجد الأقصى؟
الخطة الصهيونية
بدأت عام 1994م، حين تعرض المصلون في المسجد الإبراهيمي لجريمة وحشية، بقيام أحد
أتباع الحاخام كاهانا؛ باروخ جولدشتاين، وهو أمريكي من مواليد نيويورك، بدخول
الحرم في رمضان، بسلاح آلي، وقتل 30 مصليًا مسلمًا وأصاب 125.
وبدلًا من حل
المشكلة، تدخل الاحتلال ليكافئ المستوطنين القتلة ويعطيهم السيطرة على 63% من
الحرم، مقابل 37% فقط من مساحته للمسلمين، بخلاف التضييق على الصلاة ومنع الأذان
وحظر دخولهم مسجدهم في أعياد اليهود، ثم قرر إعطاء المستوطنين الذين يحتلون الخليل
حق إدارة المسجد وإبعاد الأوقاف؛ ما يعني سهولة منع المسلمين من دخول المسجد
نهائيًا والسيطرة عليه كليًا الآن وتحويله بالكامل لمعبد يهودي بعدما نجحوا في
تطبيق خطة تقسيم الصلاة داخله مكانيًا وزمانيًا بين المسلمين واليهود.
وهي نفس الخطة
التي يطبقونها حاليًا في المسجد الأقصى؛ حيث نجحوا في فرض التقسيم زمانيًا؛ أي
تخصيص أوقات لصلاة اليهود في باحة «الأقصى» ومنع المسلمين، ويخططون الآن لتقسيمه مكانيًا
بالسماح لليهود بتخصيص مكان لهم داخل المسجد ليصلوا فيه!
والآن، بعد قرار
حظر الأوقاف من الإشراف على الحرم الإبراهيمي، سيكون لليهود حق السيطرة على 100%
من المسجد، ومنع المسلمين من دخوله مطلقاً؛ أي مخالفة قراراتهم السابقة في لجنة
شمغار عام 1994م، وإلغائها، كما يعني القرار «الإسرائيلي» أيضاً مخالفة صريحة
لاتفاق الخليل؛ وهو بروتوكول إعادة الانتشار عام 1997م، الذي نص على أن تكون
الخدمات المقدمة في الحرم من قبل بلدية الخليل، وأن الأوقاف الإسلامية هي الجهة
المشرفة على الشق الإسلامي فيه.
ويخالف قرار
الاحتلال الخاص بنقل الإشراف على الإبراهيمي لمجلس المستوطنات بدلاً من أوقاف
وبلدية الخليل، اتفاقية الخليل الموقعة عام 1998م، بين رئيس الوزراء «الإسرائيلي»
الحالي بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، التي نصت على أن
الحرم الإبراهيمي يخضع لإشراف بلدية الخليل؛ ما يجعل القرار «الإسرائيلي» الأخير
انتهاكاً مباشراً للاتفاقيات الدولية.
كما أن منظمة «يونسكو»
أدرجت الحرم الإبراهيمي على قائمة التراث العالمي الإسلامي؛ ما يعني أن ما يفعله
الاحتلال مخالف للقوانين ولهذا انسحبت «إسرائيل» من المنظمة في عام 2019م، لتتنصل
من التزاماتها الدولية، وتواصل سياستها أحادية الجانب تجاه المواقع المقدسة.
كيف
استولوا على الإبراهيمي؟
يقع المسجد
الإبراهيمي في البلدة القديمة من مدينة الخليل، التي تخضع لسيطرة الاحتلال، ويقيم
فيها نحو 400 مستوطن تحت حماية نحو 1500 جندي «إسرائيلي»، ولهم مجلس ديني سيكون هو
المسؤول عن الإبراهيمي، وفق القرار الصادر يوم 15 يوليو 2025م.
ففي هذا اليوم
قامت قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، المسؤولة عن الضفة الغربية، بسحب
صلاحيات الإشراف على الحرم الإبراهيمي من بلدية الخليل الفلسطينية والأوقاف.
وقرر الاحتلال
نقل صلاحيات الإشراف على المسجد إلى المجلس الديني (اليهودي) في مستوطنة كريات
أربع، في خطوة غير مسبوقة منذ عام 1994م، تعمق تهويد الحرم الإبراهيمي وتجعله
أمرًا واقعًا.
حتى إن حنان
غرينوود، مراسل صحيفة «إسرائيل اليوم» لشؤون الاستيطان، وصف القرار الأخير بشأن
الحرم الإبراهيمي بأنه دراماتيكي ويأتي في سياق عملية التهويد المتواصلة في
الأراضي الفلسطينية، وقال: إن هذه الخطوة تُشكّل امتدادًا مباشرًا لتحركات الإدارة
المدنية التابعة لوزارة الحرب «الإسرائيلية»، التي يشرف عليها وزير المالية
المتطرف بتسلئيل سموتريتش، في إطار سعيه المستمر لإحداث تغييرات جذرية في الحرم
الإبراهيمي.
ومن بين هذه
التغييرات، مشروع لإعادة تسقيف الحرم، يتضمن إنشاء سقف مخصص للمستوطنين اليهود
فيما يسمى «ساحة يعقوب»، بخلاف بناء حمامات خاصة باليهود داخل الحرم الإبراهيمي،
وهي المبررات التي دعتهم لانتزاع سلطة الإشراف على المسجد من الأوقاف لتنفيذ ما
يحلو لهم وبناء معبد داخل صحن المسجد.
وقد كشف موقع «القناة
السابعة» التابعة للمستوطنين أن اجتماعاً عُقد مؤخراً برئاسة وزير الحرب يسرائيل
كاتس، ناقش سحب الصلاحيات من بلدية الخليل الفلسطينية والأوقاف الإسلامية، وتمخض
الاجتماع عن قرار رسمي يقضي بمنح صلاحيات الإشراف على الحرم الإبراهيمي إلى المجلس
الديني لمستوطنة كريات أربع؛ ما يمثّل سابقة في تحويل المسؤولية من الجهات
الفلسطينية إلى مؤسسة استيطانية لأول مرة.
تاريخ
السيطرة على المسجد
في دراسة سابقة،
قال الباحث «الإسرائيلي» في شؤون الاستيطان موشيه أوريئيل: إن محاولات السيطرة على
الحرم الإبراهيمي تعود إلى ما بعد احتلال الخليل عام 1967م، حين سعى الحاخام شلومو
غورين، الحاخام العسكري الرئيس آنذاك، إلى تغيير وضع الحرم وتحويل جزء منه إلى
كنيس يهودي.
لكن وزير الحرب
حينها، موشيه ديان، رفض الأمر، وأزال المعدات التي جلبها غورين، مقرراً إبقاء
السيطرة على الحرم بيد المسلمين كي لا تحدث مواجهات دينية.
لكن بعد شهرين
فقط من احتلال المدينة، سُمح لليهود بدخول الحرم لأول مرة، ضمن ساعات محددة، كزوار
لموقع أثري، لا كمصلين، وهو نفس ما حدث في المسجد الأقصى.
وفي عام 1979م،
قررت الحكومة «الإسرائيلية» السماح للمستوطنين بالصلاة في جميع قاعات الحرم
الإبراهيمي، وإدخال مقتنيات دينية يهودية، لتبدأ بذلك سياسة تقسم المسجد دينيًا
بين المسلمين واليهود.
وانتهي الأمر
يوم 15 يوليو 2025م، بقرار من سلطات الاحتلال بسحب صلاحيات إدارة المسجد
الإبراهيمي من بلدية الخليل، رسمياً، ونقلها إلى المجلس الديني (اليهودي) التابع
لمستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي المدينة، الذي بدأ بالفعل إجراء تغييرات في
الحرم الإبراهيمي تتيح مساحة أكبر للطقوس اليهودية، ولاحقا بدأ المستوطنون يحاولون
بناء سقف فوق «ساحة يعقوب» التي يستخدمها المستوطنون في صلواتهم.
وقد سحب
الاحتلال في فبراير 2025م، اختصاص الإشراف على الإبراهيمي من الأوقاف الفلسطينية،
وأسنده إلى هيئة التخطيط المدني «الإسرائيلي»، ضمن مخطط توسيع سيطرتها على الحرم
الإبراهيمي.
وكانت جرت
محاولة سابقة لفرض أمر واقع من جانب المستوطنين عام 2024م، للاستيلاء على صحن
المسجد، ليصبح لهم قرابة 80% من الحرم، تمهيدًا للسيطرة الكاملة عليه وتحويله
لمعبد يهودي ومنع المسلمين من دخوله.
وبدأت هذه
المحاولات مبكرًا عام 2005م، حين قام مستوطنون بوضع خيمة في صحن المسجد وزعموا أنها
مكان للعبادة، ومع الوقت بدؤوا يوسعون من مساحة هذه الخيمة ويحولونها لمعبد داخل
صحن المسجد، والآن يقومون بتسقيفها.
بروفة
لـ«الأقصى»
يبدو أن ما فعله
الاحتلال في الحرم الإبراهيمي هو بروفة واختبار «إسرائيلي» لرد فعل الفلسطينيين
والعالم العربي والإسلامي كي تطبقه على المسجد الأقصى، وتتخلص نهائيًا من الوضع
الراهن.
وقد حذرت هيئة
علماء فلسطين من تداعيات وأهداف القرار الصهيوني، حيث أكدت أن السيطرة على الحرم
الإبراهيمي مقدمة للسيطرة على «الأقصى».
وبدأت جماعات
الهيكل المزعوم تدعو بالفعل حكومة الاحتلال إلى اتخاذ خطورة مماثلة في المسجد
الأقصى المبارك، وتجريد دائرة الأوقاف الإسلامية من صلاحياتها ونقلها إلى الاحتلال
والمقتحمين لـ«الأقصى»، ويتعرض المسجد لسلسلة عمليات تستهدف فرض السيادة «الإسرائيلية»
عليه، مثل غلقه في أوقات معينة ومنع الصلاة بالكامل.