المفاهيم الأساسية حول التربية

بناء على شكوى والِدَّيْن ومعاناتهما من تربية أولادهما، وهي شكوى متكررة، كما أنه من واقع الاستشارات التربوية التي نتناولها، وجدت أنه يجب المعالجة الجذرية لهذا الموضوع المهم.

إن التربية عملية مستمرة وليست مهمة نؤديها وتنقضي منها مسؤولياتنا؛ لذا فيجب أن نؤديها ونحن نستمتع بها وسعداء بجهودنا وإبداعاتنا في البذل لتربية ولد صالح.

وقد تناولنا في الحلقة السابقة «ماهية التربية»، وسنتناول في هذه الحلقة «مفاهيم خاطئة».

ماهية التربية؟ | Mugtama

من المؤكد أنه ليس سهلاً أن نستمتع بتربية فلذات أكبادنا، ولكنه غير مستحيل، كما أنه من المفهوم الإسلامي منطقي وطبيعي

www.mugtama.com

×

أثر التربية على علاقة الوالدين

ورد في الرسالة (التي عرضناها في الحلقة السابقة): «انعكس ذلك على علاقتنا كزوجين»؛ إن من أهم مشتركات الآباء تربيتهم لأولادهم، وهي مسؤولية الوقت وكل وقت، ويجب أن تكون من أسباب التقارب والتفاهم والتنسيق لأداء هذه الأمانة العظيمة، كما أن الأولاد يشعرون لو أن هناك خلافاً بين منهجية الأب والأم ويستغلون ذلك، لا حرج، بل يجب أن يكون لكل من الوالدين أسلوبه، ولكنه يجب أن يتناغم مع الآخر في منهجية تربوية مناسبة لأولادهما.

التربية تهدف إلى تزكية النفس فهي أساس صناعة الغد وعلى أساسها تقوم نهضة الأمة

كما ورد في الرسالة «لا يعطوننا فرصة لتهدأ أعصابنا ونتبادل معاً التعبير عن حبنا لهم أو نشيد بهم لأنهم دائماً مقصرون فكيف لنا أن نجلس معاً ونتسامر؟!»، يجب ألا تتأثر علاقة الوالدين بأولادهما بمدى استجابتهم التربوية؛ حيث إن التعبير عن حبنا وتقديرنا لأولادنا يجب ألا يكون مشروطاً باستجابتهم وحسن تصرفاتهم، إننا ننقد التصرف؛ حسناً أو سيئاً، وليس ذات الولد.

هل التربية فرض أم فضل؟

التربية من أولى الفروض بعد أداء أركان الإسلام، حيث إن قيام ليلة القدر خير عظيم، ولكنه ليس فرضاً، بمعنى من كسل عنها لم يأثم، ولكنه قد فاته خير كثير، أما من قصّر في القيام بمهامه التربوية فقد أثم، يأمرنا الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6).

أهمية التربية

إن رسالة الرسل هي التربية بهدف تزكية النفس بربطها بالله عز وجل واتباع شرعه، فالتربية أساس صناعة الغد، وعلى أساسها تقوم نهضة الأمة إن صلحت، وإن أهملت ضاع مستقبل الأمة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفعُ به، وولد صالح يدعو له»، هذا الفضل من الله لا يختص به الوالدان، ولكن أيضاً المدرس عن أجر تربية وتعليم طلابه، والشيخ، وكل من علَّم وربَّى.

ولدي يكذب! | Mugtama

د. يحيى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أكتب إلي...

www.mugtama.com

×

التربية وتزكية النفس

يقول الله عز وجل: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس)؛ تُعد تزكية النفس من المقاصد الكبرى للتربية في الإسلام، بل يمكن القول: إن التربية الإسلامية لا تُؤتي ثمارها إلا إذا حققت التزكية بمعناها الشامل، فالعلاقة بين التربية وتزكية النفس علاقة جوهرية وتكاملية، حيث تسعى التربية إلى إعداد الإنسان الصالح، بينما تهدف التزكية إلى تطهير القلب والنية والسلوك، وهما معاً يُشكلان شخصية المسلم المتوازن.

.. ويجب أن تشمل الروح والعقل والبدن والنفس والوجدان بحيث تتكامل فيما بينها

فما هي تزكية النفس؟ هي تطهير النفس من الرذائل والذنوب، وتنمية الفضائل والصفات الحميدة، مثل الإخلاص، والصبر، والتواضع، والعدل، حتى تصبح النفس مطمئنة راضية مرضية.

والتربية الإسلامية هي الوسيلة، وتزكية النفس هي الغاية، ومن لم يُربَّ تربية صحيحة؛ لن يستطيع أن يُزكّي نفسه، ومن لم يُزكّ نفسه، فلن يفلح في الدنيا ولا في الآخرة.

عوائد التربية

إنه لمن فضل الله أن المربي إن أخلص النية لله تعالى وبذل كل الجهد لأداء أمانة تربية من استرعاه الله عليهم فله الأجر والثواب من الله الكريم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئاً ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئاً» (صحيح ابن ماجة، 169).

سمات التربية

- التربية تراكمية:

أي نشاط تربوي يترك أثره على المربَّى إيجاباً أو سلباً، وبناء على تأثير ما سبقه من أنشطة تربوية؛ بمعنى أنه إذا ما رُبِّيَ الطفل في مرحلة الطفولة التربية المناسبة له، فإن ذلك يهيئه لمرحلة الصبا حيث تبني التربية في مرحلة الصبا على نتاج تربية مرحلة الطفولة، وهكذا في كل مراحل النمو التربوي للإنسان، هذا ليس معناه أن النتائج السلبية لمرحلة ما لا يمكن علاجها في المراحل التربوية اللاحقة، ولكن تحتاج إلى إزالة سلبيات ما سبق، وهذا أصعب، ثم غرس القيم التربوية التي كان يجب غرسها عبر المراحل السابقة ثم البناء عليها.

- الشمول والتكامل:

من ثمار التربية الشخصية السوية والمتوازنة، يقول الله عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162)، ولكن هذا ليس معناه الرهبنة، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم نصيحة سلمان الفارسي لأبي الدرداء: «إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَ ذلكَ له، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمانُ» (صحيح البخاري، 6139).

.. وهي ليست مسؤولية الوالدين والمدرس والشيخ فقط ولكنْ كلٌّ في موقعه يمارس دوره فيها

فالتربية يجب أن تشمل الروح والعقل والبدن والنفس (الوجدان)، وبحيث تتكامل فيما بينها، ولأن تنمية ورعاية كل منها يؤثر في تنمية المحاور الأخرى.

- التربية تبادلية:

إن الوالد الكيّس الفطن يدرك أن التربية تبادلية بينه وبين ابنه! نعم إن ابنك يرسل لك الرسائل لتطوّر أداءك التربوي معه! فإذا تصرفت تصرفاً تربوياً لا يتناسب وسمات ابنك، فكان رد فعله عكس ما كنت تستهدفه من تصرفك التربوي، ما معنى ذلك؟ هي رسالة ضمنية من ابنك: «يا أبتاه، تصرفك هذا لا يتناسب معي، وعليك أن تعدل تصرفك التربوي هذا وتبحث عن آخر يناسبني»، فإن لم يفهم الأب هذه الرسالة ولم يتطور فقد فشلت محاولة الابن لتربية أبيه كأب!

- التربية عمل متصل:

التربية رسالة ومنهج الأنبياء والصالحين، فهي مستمرة ما استمرت الحياة فينا، هذا يعقوب عليه السلام وهو على فراش الموت يتابع التربية الروحية لأولاده: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 133).

- فرض عين على كل مسلم في موقعه:

التربية ليست فقط مسؤولية الوالدين والمدرس والشيخ.. فقط، ولكن كل مسلم في موقعه يمارس دوراً من أدوار التربية، فالمدير يربي من بإدارته ليكونوا مديرين أكفأ منه، وكذلك النجار والطبيب.. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتحقق من خلال تكافل المسلمين لأداء أماناتهم التربوية، فمسؤولية الجار إن وجد ابن جاره يعمل خطأ أن يربيه، وهكذا.