المكملات الغذائية.. حاجة حقيقية أم خدعة تجارية؟

في زمن الاستسهال والبحث عن الحلول
السريعة، أصبحت المكملات الغذائية تُعامل كحل سحري لكل مشكلة، من التعب إلى نقص
الفيتامينات، بل وتحوّلت إلى «موضة» يروج لها البعض دون وعي كافٍ، وكأن أجسادنا لم
تعد قادرة على الحصول على غذائها إلا من كبسولات مصنعة!
لكن لو تأملنا نِعَم الله تعالى علينا
لوجدنا أن كل فيتامين ومعدن نحتاجه موجود في أصناف الطعام التي خلقها الله لنا،
وكما أمرنا الله في كتابه: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا
لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة: 172)، وكما في قوله
تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا
رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ
مُؤْمِنُونَ) (المائدة: 88).
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن أكثر من
50% من البالغين في الدول المتقدمة (أمريكا وأوروبا)، بينما تصل النسبة في بعض
الدول العربية إلى 30-50%، وأحياناً إلى 70% من المستخدمين يعتمدون على نصائح غير
طبية (مدربين، مواقع التواصل، إعلانات).
في الماضي، كان الطعام الطبيعي المصدر
الأساسي للتغذية، بينما اليوم نلجأ للمكملات كبديل سريع، أحيانًا دون استشارة
طبية، وكأنها حلوى! لكن الحقيقة العلمية تؤكد أن أجسامنا مصممة لامتصاص العناصر
الغذائية من الأطعمة الكاملة بكفاءة أعلى، وأن الإفراط في المكملات دون حاجة
حقيقية قد يحمل أخطاراً صحية غير متوقعة.
ما المكملات الغذائية؟ ومن يحتاجها حقًا؟
المكملات الغذائية منتجات تُستخدم لتعويض
النقص في العناصر الغذائية التي قد لا يحصل عليها الشخص من نظامه الغذائي اليومي، لكن
ليست كل المكملات ضرورية للجميع، بل تختلف الحاجة إليها حسب الحالة الصحية ونمط
الحياة.
وتختلف احتياجات الجسم من العناصر
الغذائية في مراحل الحياة المختلفة، فمع التقدم في العمر، تقل قدرة الجسم على
امتصاص بعض الفيتامينات والمعادن؛ ما يعني أن كبار السن قد يحتاجون إلى كميات أكبر
من العناصر مثل فيتامين «د»، وفيتامين «ب12»، والكالسيوم لدعم صحتهم.
كما أن الأشخاص الذين يتبعون أنظمة
غذائية محددة مثل النباتيين قد يعانون من نقص بعض المغذيات، على سبيل المثال،
فيتامين «ب12» يتوفر بشكل أساسي في المنتجات الحيوانية؛ لذا يحتاج النباتيون إلى
تعويضه عبر المكملات أو الأطعمة المدعمة.
أما الحوامل أو النساء اللاتي يخططن
للحمل، فيحتجن إلى كمية كافية من حمض الفوليك (الفولات) للوقاية من التشوهات
والعيوب الخلقية لدى الأجنة، كذلك، قد لا يوفر حليب الأم كمية كافية من فيتامين «د»
للرضع؛ ما يستلزم استشارة الطبيب لتحديد المكملات المناسبة.
متى تكون المكملات غير ضرورية؟
إذا كنت تتبع نظامًا غذائيًا متوازنًا
يحتوي على اللحوم، والخضراوات، والفواكه، والحبوب الكاملة، فقد لا تحتاج إلى
المكملات.
مصادر المكملات الغذائية
تنقسم مصادر المكملات الغذائية لنوعين من
الفيتامينات:
الأول: الفيتامينات القابلة للذوبان في
الدهون:
تشمل فيتامينات «أ»، «د»، «هـ»، «ك»، وهي
تُمتص مع الدهون الغذائية وتُخزن في الأنسجة الدهنية والكبد.
المصادر الغذائية:
- فيتامين «أ»: الكبد، صفار البيض،
منتجات الألبان، الخضراوات البرتقالية (مثل الجزر والبطاطا الحلوة).
- فيتامين «د»: زيت السمك (السلمون،
التونة)، صفار البيض، الأطعمة المدعمة (مثل الحليب والعصائر).
- فيتامين «هـ»: الزيوت النباتية (زيت
الزيتون، دوار الشمس)، المكسرات (مثل اللوز)، الخضراوات الورقية.
- فيتامين «ك»: الخضراوات الورقية
(السبانخ، اللفت)، البروكلي، الزيوت النباتية.
ولتحسين امتصاص هذه الفيتامينات، يُفضل
تناولها مع مصادر دهون صحية (مثل زيت الزيتون أو الأفوكادو)، لكن الإفراط في
تناولها عبر المكملات قد يؤدي إلى التسمم، بينما يندر حدوث ذلك عبر الغذاء
الطبيعي.
الثاني: الفيتامينات القابلة للذوبان في
الماء:
تشمل مجموعة فيتامينات «ب» (مثل B1,
B6, B12) وفيتامين «ج»، التي لا تُخزن في الجسم
وتُفرز عبر البول.
المصادر الغذائية:
- فيتامينات «ب»: الحبوب الكاملة،
اللحوم، البيض، البقوليات، الخضراوات الورقية.
- فيتامين «ج»: الحمضيات (البرتقال،
الليمون)، الفراولة، الفلفل الرومي، البروكلي.
ويُفضل تناول هذه الأطعمة يوميًا لتعويض
النقص، خاصة أن الجسم لا يخزنها.
خطورة الإفراط في المكملات
قد يؤدي الإفراط في تناول المكملات الغذائية إلى آثار جانبية، على سبيل المثال:
- تُخزَّن الفيتامينات التي تذوب في
الدهون (أ، د، هـ، ك) في الجسم، وقد تصل إلى مستويات سامة إذا أُفرط في تناولها.
- كما أن تناول كميات كبيرة من فيتامين «أ»
يتراكم في الجسم ويخزن ما لا يحتاجه وقد يُسبب الدوخة والغثيان والصداع، وفي حالات
نادرة، قد يُسبب الوفاة.
- ربط تناول الكالسيوم بكثرة بزيادة خطر
الإصابة بسرطان البروستاتا.
- هناك عناصر غذائية، إذا أُخذت كمكملات
غذائية رغم الحصول عليها من خلال نظام غذائي سليم، تُطرح مع البول دون أي فائدة
إضافية.
العلامات التجارية والمكملات الغذائية
تستغل بعض العلامات التجارية رغبة الناس
في تحقيق الصحة المثالية عبر ما يلي:
- إقناع الأصحاء بأنهم بحاجة إلى مكملات
لتعزيز طاقتهم أو مناعتهم.
- استخدام المؤثرين للترويج لمنتجات قد
لا يحتاجونها أساسًا.
- تضخيم فوائدها دون ذكر الآثار الجانبية
أو التفاعلات الدوائية المحتملة.
المشكلة ليست في المكملات نفسها، بل في
جعلها تبدو كحل سحري للجميع، بينما الحقيقة أن الغذاء المتوازن هو الأساس.
كيف تتعامل مع المكملات بحكمة؟
1- استشر طبيبًا أو اختصاصي تغذية قبل
تناول أي مكمل، خاصة إذا كنت تعاني من أمراض مزمنة.
2- ركز على الغذاء أولًا؛ فلا ينبغي
أبدًا أن تحل المكملات الغذائية محل النظام الغذائي الصحي.
المكملات الغذائية ليست شرًا مطلقًا ولا
حلًا سحريًا، بل أداة قد تكون مفيدة في حالات محددة، والأهم هو الوعي والاعتدال،
وعدم الانجرار وراء كل موضة صحية دون فهم حاجاتك الحقيقية.