24 فبراير 2025

|

النهي عن سَبِّ المذنبين

أورد الأصبهاني في «حلية الأولياء»، وابن الجوزي في «صفة الصفوة»، أن الصحابي الجليل أبا الدرداء مرّ على رجل قد أصاب ذنباً، فكان الناس يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، فقال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي، 

فالمسلم لا ينبغي له أن يَسُبَّ غيره، والسب يطلق على الشم واللعن، وكل كلام يُقصَدُ به الانتِقاصُ والاستِخفاف بالناس، وقد ربى الإسلام أتباعه على التخلي عن هذا، ويظهر السبب في النهي عن سب المذنبين فيما يأتي: 

1- تحذير الإسلام من سبّ المذنبين:

نهى الإسلام عن سب المذنبين، حتى وإن كانوا على غير ملة الإسلام، حيث قال الله تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام: 108)، ففي هذا تحذير من السب واللعن، لأنه قد يفضي إلى ما هو أشر مما يفعله هذا المشتوم، أما إذا كان مسلماً، لكنه أتى ذنباً –ولو كبيراً- فإن الواجب في حقه النصح والإرشاد، لا الطعن واللعن، فالمسلم ليس بالطعان ولا باللعان. 

روى أحمد في «مسنده»، والترمذي في «السنن»، عَنْ عَبْدِاللهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ، وَلَا الطَّعَّانِ، ‌وَلَا ‌الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ».

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب المذنبين، مؤكداً أن هذا الذي وقع في الذنب قد يكون محباً لله ورسوله، لكنه أتى الذنب حين غلبته نفسه أو شيطانه، ففي صحيح البخاري عَنْ ‌عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَاللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‌«لَا ‌تَلْعَنُوهُ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ».

2- كلنا خطاؤون:

لا يوجد إنسان على وجه الأرض معصوم من الخطأ إلا من عصمه الله عز وجل، فإذا أبيح للناس أن يسبوا كل من أخطأ؛ فإن حياتنا ستتحول إلى مسرح للشتائم والتعدي على الآخرين، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، في سنن ابن ماجه، والترمذي، بسند حسنه الألباني، عَنْ أَنَس بن مالك، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، ‌وَخَيْرُ ‌الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»، فكلنا يخطئ، ولا يرضى أحدنا لنفسه إذا أخطأ أن يكون محلاً للسب واللعن.

3- السبّ ذنب قد يصل إلى الكبيرة:

لقد أكد الإسلام أن سبّ الناس ذنب، ففي الحديث الذي سبق ذكره أن المؤمن ليس بطعان ولا لعان، كما صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي يسب المسلم إنما يرتكب فعلاً من أفعال الفاسقين الخارجين عن أوامر الله ورسوله. 

في صحيح البخاري، ومسلم، عَنْ ‌عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌سِبَابُ ‌الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»، وفي حديث آخر يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن السب قد يصل بصاحبه إلى ارتكاب كبيرة من الكبائر، بل هي من أكبر الكبائر، ففي صحيح البخاري عَنْ ‌عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «‌يَسُبُّ ‌الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ».

4- وجوب الستر على الناس:

رفض الإسلام منطق السب واللعن، وحث أتباعه حين يجدوا ما يكرهون من أفعال الناس أو ما يفعلونه من المعاصي أن ينصحوهم في السر لا في العلانية، ثم يستروا عليهم، ما دام العاصي حريصاً على ستر نفسه، أما إذا أعلن العاصي عن معصيته وجاهر بها؛ فإن المسلم لا يسبه أو يعلنه، بل يرفع أمره إلى الحاكم. 

وفي إطار ترغيب الإسلام في الستر على الناس، روى الإمام أحمد، وابن ماجه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌مَنْ ‌سَتَرَ ‌مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».

معينات على تجنب سبّ المذنبين

1- تصوّر النفس مكان الآخرين: 

إذا كان الإنسان لا يحب لنفسه السبّ واللعن؛ فكذلك يجب ألا يحب ذلك للناس، ففي صحيح البخاري، ومسلم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى ‌يُحِبَّ ‌لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».

2- التفكير في عواقب الأمور:

يولد سب الناس العداوة والبغضاء بينهم، فتتقطع بسبب ذلك العلاقات، وقد يؤدي الأمر إلى الصراعات والنزاعات، وقد نهى الإسلام عن ذلك وحذر منه.

3- التعود على الكلمة الطيبة:

دعا الإسلام أتباعه إلى حسن القول للناس جميعاً، حيث قال تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة: 83)، فالحسن من القول هو الكلمة الطيبة التي يجب أن تشيع في الناس، حتى يكون المجتمع طيباً.


كلمات دلاليه

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة