الهزيمة النفسية والمعنوية للجيش «الإسرائيلي»!

تتنوّع الهزائم التي تَلحق الجيوش العسكرية بحسب الظروف والقدرات التي تمتلكها الدول!

والهزائم قد تكون على شكل اندحار عسكري ميداني، وقد تكون سياسية خلال مراحل مفاوضات الحرب والسلم، والأخطر أن تكون تلك الهزائم نفسية ومعنوية تَنْشُر الخوار والهوان والضعف والإرباك في صفوف العسكر!

ومعلوم في الأدبيات الحربية والعسكرية أن الجيوش المنتصرة لا تعاني، غالباً، من الآفات النفسية في صفوفها، وعلى خلاف الجيوش المنهزمة فهي تعاني من الآفات النفسية والعقلية بين ضباطها وجنودها.

والحرب النفسية هي منظومة تدابير وفعاليات يقوم بها طرف ما ضد طرف آخر، سواء في أوقات السلم، أو الحرب، وهذه التدابير قد تكون شخصية ومؤسساتية، أو بين الدول، وتهدف لإضعاف، أو لتحطيم الحالة النفسية والمعنوية للقوات المسلحة والكابينة الحكومية وعموم الشعب.

وهذه المنظومة، غالباً، ما تكون على شكل عمليات عسكرية مباغتة ومفاجئة ودقيقة من حيث الأسلوب والمكان والزمان، كما في هجمات «طوفان الأقصى» الفلسطينية، في 7 أكتوبر2023م.

وقد تكون على شكل دعاية إعلامية، أو بث الشائعات ضد الطرف الآخر، ولكن أثقلها وأشدها تلك التي تُتَرجم بعمليات نوعية ضد الطرف الآخر، وهذا ما جرى، ويجري، في غزة منذ «الطوفان الأقصى» وحتى اللحظة.

والحرب النفسية ليست حديثة النشأة، بل قديمة قدم الحروب على الأرض، وعليه هي أداة أصيلة ومُتجدّدة تُستخدم لتدمير العدوّ والخصم نفسياً معنوياً، وبالتالي ميدانياً.

وعند متابعة تاريخ النضال الفلسطيني ضد القوّات «الإسرائيلية» المحتلة، نلاحظ أن قوات الاحتلال عَمَدت إلى استخدام الحرب النفسية في كافة معاركها وهجماتها ضد المدن والقرى الفلسطينية، ومع ذلك فهي لم تحقق أهدافها بسبب التمسك الفلسطيني بالحقوق التاريخية والقانونية في الأرض والحياة!

وتحاول آلة «إسرائيل» الإعلامية، ومَن يساندها من أدوات إعلامية عالمية وغيرها، بث روح الرعب لدى الشعب الفلسطيني، وتمثيل جيش «إسرائيل» بأنه الجيش الذي لا يُهزم، ولكن المواجهات المتنوعة مع الجيش «الإسرائيلي» أكدت بأن هذه الدعاية لا تصمد أمام البطولات النادرة للمقاومة الفلسطينية.

هذا الصمود الفلسطيني سبَّب حالة من الذعر بين صفوف جنود الجيش «الإسرائيلي» وقادته، ولهذا، ومنذ سنوات، نسمع، بين حين وآخر، بانتحار فرد من الجيش بسبب عدم تحمله لكابوس القتل، أو الأسْر في أي لحظة، وهذه الظاهرة برزت بشكل واضح بعد «طوفان الأقصى»!

ومقابل ذلك لم نسمع بشخص واحد فقط من المقاومة الفلسطينية أقدم على الانتحار رغم رجحان كفة الحرب الصهيونية!

وذكرت صحيفة «هاآرتس» العبرية، في 18 مايو 2025م، أن 35 جندياً «إسرائيلياً» انتحروا منذ بداية حرب غزة حتى نهاية عام 2024م، وأن الجيش يرفض الكشف عن أعداد الجنود الذين انتحروا خلال العام الحالي، لكنها نقلت عن مصادر أن 7 جنود انتحروا منذ بداية العام.

ويحاول قادة الجيش، وفقاً للصحيفة العبرية، التعتيم على حالات الانتحار، ولهذا دَفَن الجيش منذ بدء الحرب جنوداً كثراً بسبب الانتحار دون جنائز عسكرية، أو إعلان!

والانهيار النفسي والمعنوي لم يتوقف عند حالات الانتحار، بل وصل ذلك الانهيار لدرجة أنه أصبح ظاهرة بين العسكر، بحيث هنالك أكثر من 9 آلاف عسكري «يتلقون العلاج من حالات نفسية»!

وذكر الجيش «الإسرائيلي»، بداية العام 2024م، أن نحو 30 ألف جندي اتصلوا بالخط الساخن للصحة النفسية التابع له منذ بداية «طوفان الأقصى»، وأنه تمّ تسريح نحو 200 عسكري من الجيش بسبب المشكلات النفسية التي لحقت بهم!

وينبغي هنا تسجيل ملاحظة مهمة، وهي أن الهزيمة النفسية كانت بسبب صلابة المقاومة الفلسطينية وقدراتها على تجديد أساليبها القتالية، ولهذا فإن الجندي «الإسرائيلي» صار يتوقع الموت والإعاقة في كل زمان ومكان، ومن هنا بدأت نقطة الانهيار الواضح في معنويات الجيش «الإسرائيلي».

والانتصار بالحرب النفسية للمقاومة لم يتوقف عند حدود غزة، بل شَمِل، أحياناً، غالبية الأراضي المحتلة، وتسبب بزرع الربكة في أعمال الحكومة وقطاعاتها المختلفة، وخصوصاً في التعامل مع ملف الأسرى «الإسرائيليين»، والضربات الصاروخية المتجدّدة على مناطق غلاف غزة!

إذن هي المواجهة الفلسطينية العسكرية والمصيرية والوجودية القائمة على الحقوق التاريخية الثابتة، ولهذا ستبقى صلابة أصحاب الحق أكبر وأقوى وأشد من المحتلين «الإسرائيليين» الغاصبين مهما برزت قوتهم المادية الظاهرية.

الهزيمة النفسية هي بداية الهزيمة الشاملة للاحتلال «الإسرائيلي» المغتصب لفلسطين العربية الإسلامية.





___________________

@dr_jasemj67


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة