الإسلام في فيتنام.. ماضٍ عريق ومستقبل ينتظر الأمل

فيتنام، ذلك البلد البعيد، الذي عانى ويلات الحروب والظلم، وضرب أبناؤه المثل في الشجاعة والصبر والجلد في مواجهة الغزاة والمحتلين، كان للإسلام والمسلمين فيه دولة عريقة، عانت كما عانى الشعب الفيتنامي من الظلم والقهر، حتى تبدلت حالها، وتاهت في مجاهل التاريخ، وصارت اليوم أقلية محدودة العدد والموارد والمؤسسات.

في هذا التقرير، سنتعرف على تاريخ الإسلام في فيتنام، وحاضره ونستشرف مستقبله.

تقع فيتنام في جنوب شرق آسيا، في شبه جزيرة الهند الصينية، وأرضها عبارة عن شريط ضيق ممتد من الشمال إلى الجنوب، يتسع في الشمال ويضيق كلما اتجهنا جنوباً، مساحتها 334.332 كم، وتحدها شمالاً جمهورية الصين الشعبية، ومن الجنوب والشرق بحر الصين الجنوبي، ومن الغرب لاوس وكمبوديا، ويبلغ عدد سكانها طبقاً لآخر إحصاء عام 2022م حوالي 98 مليون نسمة.

يتكلم الشعب الفيتنامي اللغة الفيتنامية، وهي من لغات منطقة شبه القارة الهندية الصينية، أما المسلمون فيتكلمون لغة تشامبا وهي لغة ملايوية.

كانت فيتنام في الماضي إحدى ممالك شبه القارة الهندية الصينية، وقد احتلها الفرنسيون في القرن التاسع عشر، وفي عام 1942م غزاها اليابانيون واستطاعوا طرد الفرنسيين، لكن بعد هزيمة اليابان عام 1945م عاد الفرنسيون للسيطرة عليها، لكنهم واجهوا مقاومة شرسة من الحزب اليساري (فيت منه) وأعضاؤه الوطنيين والشيوعيين، فانقسمت فيتنام إلى دولتين شمالية وجنوبية، ودخلت الولايات المتحدة كخصم آخر في الصراع الذي استمر أكثر من عقدين، استطاع الفيتناميون تكبيد أمريكا خسائر كبيرة، اضطرت على إثرها إلى سحب قواتها من فيتنام عام 1975م، فتوحدت البلاد مرة أخرى.

الإسلام في فيتنام

لا خلاف بين المؤرخين على أن الإسلام وصل فيتنام عن طريق التجار العرب والمسلمين الذين انطلقوا منذ وقت مبكر بتجارتهم نحو بلدان شرق آسيا، وكانت فيتنام إحدى المحطات التي كانت تتوقف عندها سفن التجار، وتسجل وثائق من عصر أسرة سونغ الصينية (907 - 1271م) أن شعب تشام بدأ اعتناق الإسلام في أواخر القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر، وشهدت هذه الفترة أيضاً وصول الأتراك والفرس المسلمين إلى فيتنام خلال الغزوات المغولية؛ ما ساهم في انتشار الإسلام بالمنطقة.

وقد توسعت مناطق المسلمين حتى صارت لهم مملكة خاصة عرفت باسم «مملكة تشامبا» في جنوب فيتنام، وكانت ذات صبغة ملايوية، وقد اختلف المؤرخون حول ما إذا كان أهل تشامبا هم في الأصل جماعات من شعوب الملايو، انتقلوا إلى هذه المنطقة فأسسوا مملكة تشامبا، أم أن العكس هو الصحيح.

وقد أدى التوسع والانتشار الذي شهدته ملكة تشامبا إلى جلب الحقد والحسد عليها من البوذيين وغيرهم من سكان فيتنام، كانت نتيجتُه صداماً حتمياً بين الفريقين، بدا عام 1407م وانتهى بسقوط مملكة تشامبا عام 1802م، حيث فر آخر ملوكها بوتشون إلى كمبوديا، وتبعه آلاف من مسلمي تشامبا، فكانوا هم نواة المسلمين في كمبوديا.

غالبية المسلمين اليوم من أصل «تشامبا»؛ وهم السكان الأصليون لفيتنام الجنوبية، والباقي من أصول عربية وهندية وفيتنامية، اندمجت طبقات المسلمين من أصل فيتنامي مع الأجيال الجديدة الناتجة من زواج فيتناميين بالتجار المسلمين من أصول عربية وباكستانية وهندية وماليزية وإندونيسية، بالإضافة إلى المسلمين الجدد الذين أسلموا، وكل ذلك يمثل مكونات المجتمع الإسلامي في فيتنام.

وطبقاً للتعداد الرسمي، فإن عدد المسلمين في فيتنام يبلغ 90 ألف نسمة (1%)، وقد كافحوا كثيراً وبذلوا من الصبر والثبات جهوداً كبيرة للبقاء، حتى استقر لهم الأمر.

المساجد

تضم فيتنام حوالي 62 مسجداً، إلى جانب بعض المساجد الصغيرة التي لم يجر حصرها، من أشهرها مسجد «جامع المسلمين» بمدينة هوشي، وهو مسجد ضخم يضم مدرسة ذات 3 طوابق ويجتمع فيه أعداد كبيرة في الأعياد، ومسجد «نور الإسلام»، ومسجد «الجامع» في شارع نجابين ترال، وكان قديماً مقراً لجمعية مسلمي هوشي منه.

أما مقاطعة آن جيانغ، فتضم عدداً من المساجد الشهيرة، مثل مسجد «مبارك»؛ وهو من أقدم المساجد الباقية في تشامبا، حيث تم بناؤه عام 1750م ولا يزال باقياً إلى اليوم، وقد اعتبرته الدولة أثراً ثقافياً وطنياً عام 1989م، ومسجد «جامويل أزهر»؛ وهو المسجد الأكثر شهرة لشعب تشام في آن جيانغ، وهو مسجد مهيب يحظى بشهرة واسعة، وقد تم بناؤه عام 1959م، وكان قبل ذلك عبارة عن بناء بسيط من الخشب والقش يعود تاريخه لعام 1700م، وقد جرى عليه تجديد أخير عام 2012م، ثم مسجد «جميل المؤمنين» في قرية تشافا، ويتميز بألوانه الزاهية التي تختلف عن بقية مساجد آن جيانغ إذ يغلب عليها اللون الأبيض مع القباب الزرقاء، ويمتد على رقعة واسعة من الأرض، ويتميز بكثرة ممراته وأعمدته وعقوده المعلقة.

أما مسجد «النعمة»، فهو من أقدم المساجد في آن جيانغ، تم بناؤه عام 1930م، ويقع في قرية قوم سواي بلدة تشاو قونغ، ويبعد 300 متر عن مقر بلدية تشاو قونغ، واليوم لا تقتصر مهام مسجد النعمة على العبادة فقط، بل يعد مقراً رئيساً لمجتمع المسلمين في آن جيانغ، ويضم مدرسة إسلامية كبيرة لأبناء المسلمين في المقاطعة.

الشيخ قوسالي أحمد، إمام مسجد «النعمة»، أحد كبار المسلمين بمقاطعة آن جيانغ، قال لـ«المجتمع»: تعود أصول المسلمين في فيتنام إلى شعب تشامبا، وقد حافظوا على إسلامهم وعرقهم لقرون، فكانوا يتزاوجون معاً ويعيشون داخل مملكتهم، ولم يحدث بينهم وبين أهل فيتنام تواصل سياسي أو ديني إلا نادراً، حتى إن عدد المسلمين من فيتنام كان يعد على الأصابع، وقد استمر هذا الوضع إلى أن قامت الفتن والصراعات بين الفريقين؛ وهو ما جر على مسلمي تشامبا الدمار حتى اضطر بعضهم للهرب وقتل الكثير منهم ولم يبق اليوم إلا عدد قليل.

أما اليوم، فقد اندمج الإسلام والمسلمون داخل المجتمع الفيتنامي، وصاروا جزءاً منه؛ لذا فإن أعداد المسلمين من غير التشامبيين أصبح كبيراً، يتوزع السكان المسلمون على قرى ومحافظات المنطقة الجنوبية لفيتنام، والغالبية العظمى منهم في محافظة آن يان، ويمتلك المسلمون في 8 مدن 62 مسجداً؛ 17 منها في مدينة «هو شي منه» أكبر المدن اقتصادياً.

وأضاف أحمد: يعاني قطاع كبير من مسلمي فيتنام من الفقر، وتبذل المؤسسات الإسلامية قدر استطاعتها، ونحاول نحن أئمة المسلمين بقدر من نستطيع جمع التبرعات والصدقات من المحسنين وميسوري الحال وتوزيعيها على الفقراء في المدن والقرى حسب الحاجة.

وعن التحديات التي تواجه الإسلام في فيتنام قال: يظل التعليم الديني المشكلة الأساسية لمسلمي فيتنام، فبسبب قلة عدد المساجد والمدارس الدينية، وضعف المستوى الاقتصادي للكثير من الأسر المسلمة، يواجه التعليم الديني نقصاً شديداً في عدد الطلاب، حتى من تسمح لهم ظروفهم بالالتحاق بالمدارس الدينية لبعض الوقت، قد لا يستطيع مواصلة دراسته بعد مرحلة أو أكثر، أما الطلاب التي تمكنوا من الوصول للجامعة فإن بعضهم يفتقد الوعي الديني؛ لعدم توفر مؤسسات وهيئات تعتني بهم؛ لذلك فهم يسيرون وفق الثقافة الغالبة في فيتنام، خاصة وأن دور أغلب المساجد يقتصر على الاحتفالات بالأعياد والمناسبات الدينية.

وختم الشيخ أحمد كلامه قائلاً: لقد عانى المسلمون في فيتنام لسنوات طويلة، وتحملوا من المشاق والصعاب ما لا يتحمله بشر، حتى انقضت تلك الفترة الصعبة وذهبت بلا رجعة، وما استطاعوا عبور هذه المحنة إلا بفضل الله أولاً، ثم بفضل إيمانهم وحبهم لدينهم وثباتهم عليه، وهم اليوم يفخرون بكونهم مسلمين وينتمون لهذه الأمة العظيمة، ويحرصون على تعليم أبنائهم علوم الدين، وتنشئتهم على حب كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة