انتصارات المسلمين الأمريكيين 2025م تعيد تشكيل السياسة

شكلت انتخابات عام 2025م نقطة تحول فاصلة في تاريخ النفوذ السياسي للمسلمين الأمريكيين، فلم تكن هذه الدورة مجرد زيادة عددية في المقاعد، بل مثلت قفزة نوعية نحو «السلطة التنفيذية»، مؤكدة نضجاً سياسياً إستراتيجياً جديداً، فبينما واجه المجتمع عاصفتين متزامنتين من «الإسلاموفوبيا» المتصاعدة وخيبة الأمل من الحلفاء السياسيين التقليديين، جاء الرد عبر صناديق الاقتراع، ليس بالانسحاب، بل بمضاعفة المشاركة المنظمة والانتقال بشكل حاسم من هامش السياسة إلى مركز صناعة القرار.

طفرة 2025م.. تأكيد التيار السياسي المستدام

في 5 نوفمبر 2025م، وثّق مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) فوز ما لا يقل عن 38 مرشحاً مسلماً في 9 ولايات، من بين 76 مرشحاً تم تتبعهم، بنسبة نجاح لافتة بلغت 50%، قد يبدو هذا الرقم متواضعاً مقارنة بـ 82 فوزاً في انتخابات عام 2022م النصفية، لكن هذا التباين هو بالضبط ما يبرز الأهمية الإستراتيجية لعام 2025م.

كانت انتخابات عام 2022م نصفية (Midterm) ذات فرص واسعة، أما عام 2025م فكانت خارج العام (Off-year) بفرص أقل بكثير، إن تحقيق 38 فوزاً في دورة صغيرة يُعد رقماً قياسياً لهذا النوع من الدورات، ويكشف أن المشاركة السياسية للمسلمين لم تعد موجة رد فعل مؤقتة، بل تطورت لتصبح تياراً مستداماً ومدعوماً ببنية تحتية ناضجة.

الأهم من ذلك نوعية الانتصارات، حيث شهد عام 2025م انتقالاً حاسماً من السعي للتمثيل في الهيئات التشريعية إلى تحقيق السلطة التنفيذية (Executive Power)، هذا التحول هو السمة المميزة لانتخابات عام 2025م، ممثلاً في فوزين تاريخيين:

  • سلطة تنفيذية بلدية: فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك.
  • سلطة تنفيذية على مستوى الولاية: فوز غزالة هاشمي بمنصب نائبة حاكم ولاية فرجينيا.

نموذج ممداني.. كيف تغلبت العدالة الاقتصادية على «الإسلاموفوبيا»

يُعد فوز زهران ممداني (34 عاماً) بمنصب عمدة نيويورك زلزالاً سياسياً، هذا الاشتراكي الديمقراطي، وهو أمريكي مسلم من أصل هندي-أوغندي، لم يهزم خصومه أندرو كومو وكورتيس سليوا فحسب، بل هزم أيضاً حملة تشويه ممنهجة.

واجه ممداني هجمات شرسة، حيث كشفت التقارير عن زيادة بنسبة 450% في خطاب الكراهية ضده، ووُصف بـ«الإرهابي» و«داعم الجهاد العالمي»، كما هوجم بضراوة بسبب موقفه الصريح من العدوان الإسرائيلي على غزة، واستخدامه العلني لمصطلح إبادة جماعية.

الرواية التقليدية تفترض أن مثل هذه المواقف هي انتحار سياسي، لكن فوز ممداني دحض هذه النظرية، مقدماً نموذجاً سياسياً جديداً، لم يفز ممداني على الرغم من هذه الهجمات، بل فاز لأن رسالته الاقتصادية المحلية حول القدرة على تحمل التكاليف (تجميد الإيجارات، مجانية الحافلات، رعاية الأطفال الشاملة) كانت أكثر إلحاحاً للناخبين.

لقد أثبت نموذج ممداني أن تبني مواقف صريحة بشأن حقوق الإنسان للفلسطينيين لا يؤدي بالضرورة إلى الهزيمة، بل يمكن أن يكون جزءاً لا يتجزأ من رسالة تقدمية أوسع تنجح في بناء ائتلاف اقتصادي قوي ومتنوع.

غزالة هاشمي.. تحطيم السقف الزجاجي بمسار مختلف

في الليلة ذاتها، حطمت غزالة هاشمي سقفاً زجاجياً تاريخياً في فرجينيا، بفوزها بمنصب نائبة الحاكم، هذا الإنجاز جعلها أول امرأة مسلمة وأول أمريكية من جنوب آسيا تُنتخب لمنصب تنفيذي على مستوى ولاية في تاريخ الولايات المتحدة.

يمثل مسار هاشمي، الأستاذة الجامعية والديمقراطية المعتدلة، نموذجاً مختلفاً تماماً عن ممداني، لقد فازت كجزء من تذكرة ديمقراطية تقليدية ركزت على قضايا الخبز والزبدة لناخبي الضواحي في ولاية متأرجحة.

إن تزامن فوز ممداني الثوري، وهاشمي المعتدلة، في ليلة واحدة الدليل الأقوى على النضج السياسي للجالية، إنه يثبت أن المرشح المسلم ليس نمطاً واحداً، بل يمكنه الفوز عبر برامج متنوعة تمتد من أقصى اليسار إلى تيار الوسط؛ ما يوسع بشكل هائل من رقعة النفوذ السياسي الإسلامي.

بناء العمق الإستراتيجي وصعود الهوية الفلسطينية

بعيداً عن العناوين الرئيسة، شهد عام 2025م تعزيزاً للعمق الإستراتيجي في الهيئات التشريعية للولايات، برز في هذا السياق فوز أمريكيين فلسطينيين بارزين: آل عبدالعزيز (أول أمريكي فلسطيني في المجلس التشريعي لنيوجيرسي)، وسام رسول (أعيد انتخابه في فرجينيا).

فوز سام رسول كان دلالة قوية، فعلى الرغم من الهجمات الشرسة عليه بسبب استخدامه مصطلح إبادة جماعية ووصفه للصهيونية بـ«أيديولوجية تفوقية»، فاز رسول بإعادة انتخابه بنسبة كاسحة بلغت 70%.

يؤكد فوز رسول نموذج ممداني على المستوى المحلي؛ التنظيم الجيد والعلاقات العميقة الموثوقة تتفوق على حملات التشويه الخارجية، لقد أثبت الناخبون قدرتهم على التمييز بين النقد المشروع لسياسات دولة أجنبية، والتعصب.

الناخب المسلم.. من الكتلة إلى التصويت الإستراتيجي

هذه الانتصارات مدعومة بكتلة ناخبين مسلمين متطورة وذات معدلات مشاركة عالية، لكن انتخابات عام 2025م كشفت عن نضج لافت في سلوك التصويت.

يظهر تناقض ظاهري مثير للاهتمام: فبينما دعم 77% من مسلمي نيوجيرسي الحاكمة الديمقراطية المحلية ميكي شيريل، أظهر استطلاع وطني انقساماً حاداً تجاه الحزب الديمقراطي على المستوى الرئاسي (29.4% لكامالا هاريس، مقابل 29.1% لجذور شتاين)، بسبب خيبة الأمل من السياسة الخارجية تجاه غزة.

هذا ليس ارتباكاً، بل هو تصويت إستراتيجي متطور، لم يعد الناخب المسلم في جيب أي حزب، إنه يمارس تقسيم التذكرة (Split-ticket voting)؛ يكافئ الديمقراطيين المحليين على قضايا العدالة الداخلية، ويعاقب الحزب الوطني على مواقفه في السياسة الخارجية.

الصمود السياسي والانتقال إلى المركز

تكمن الأهمية الحقيقية لانتصارات عام 2025م في أنها تحققت في مواجهة عاصفتين؛ تصاعد قياسي لـ«الإسلاموفوبيا»، وخيبة أمل سياسية عميقة من الحلفاء التقليديين.

إنها قصة صمود سياسي لمجتمع قرر، بدلاً من الانسحاب، مضاعفة مشاركته المنظمة، مطبقاً مبدأ إذا لم تكن على الطاولة، فأنت على القائمة، لقد أثبتت الجالية الإسلامية الأمريكية في عام 2025م أنها انتقلت بشكل لا رجعة فيه من كونها هامشية أو كبش فداء، إلى قوة مركزية، وصانعة قرار، ولاعباً أساسياً يمتلك سلطة تنفيذية في قلب السياسة الأمريكية.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة