بالصوت العالي: من أراد نزع سلاحنا نزعنا فؤاده
يحمل سلاحه،
بيده، ويستند على عصى طبية بعد أن بترت قدمه يحاول بها أن يحافظ على توازنه في
مواجهة جيش الاحتلال، ارتقت قدمه، لكن لم يسقط من يديه السلاح فتمسكه به كان بقوة
أشبه ما تكون تمسك يديه بطفله أي قطعة من جسده أن يقع فكلاهما غال بالنسبة له.
أما المقاوم الآخر
فاستمر في حمل السلاح رغم بساطته مقارنة لحجم الآليات والصواريخ، والأسلحة
المتطورة التي يستعملها العدو الصهيوني، واستمر في تصويب أهدافه حتى النفس الأخير.
ارتقت روحه
شهيدة، وارتمى جسده ملطخا بدمائه الطاهرة على أرض العزة، لكن مع ذلك لم تسقط
البندقية فسرعان ما حملها زميله المقاوم، وأكمل المسيرة حتى ارتقى.
ثمنها
غالٍ جدا:
حكاية السلاح في
غزة لم تكن مثل أي حكاية تصنيع في العالم فكل قطعة كان ثمنها دماء شهداء كانوا خلف
الإعداد والتجهيز.
كل قطعة تقابلها
أثمان باهظة على مدار سنوات طويلة توازي سنوات الاحتلال الغاصب على أرض فلسطين.
الحكاية بدأت
بالحجر والمقلاع، والسكين إلى أن وصلت اليوم إلى صواريخ تحمل حروف وأسماء قادتها
الشهداء، لتربط العلاقة الوثيقة بين السلاح المقاوم والشهادة في سبيل الله -تعالى-
تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
هذا يدل على أن
سهم البوصلة واضح في مؤشرات الجهاد، أي أنه تخطيط على منهج الحق غير قابل للعبث
مطلقا.
من
جيل إلى جيل:
صواريخ المقاومة
التي ضربت بها الاحتلال الغاصب في مدينة أم الرشراش (تل أبيب) جنوب بلدة فلسطين من
المحال أن تنتزع.
ومن المحال أن
تسقط الراية في فلسطين فهي راية الحق، وراية الإسراء والمعراج، وراية المسجد
الأقصى، وأرض الأنبياء، وهي راية جهاد الحق، الأمر الذي يجعلها دائما شامخة تنتقل
من جيل إلى جيل تنتهج ذات العقيدة بأدوات وأساليب مختلفة.
تعمل تحت منطلق
قوله -تعالى- في كتابه العزيز: (وَأَعِدُّوا لَهُم
مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ
اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ
إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال : 60)، وهذا يدلل على أنه
المطلوب من المسلمين في الجهاد في سبيل الله -تعالى- الإعداد لمواجهة الأعداء بكل
ما هو مقدور من عدد وعدة، لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء اللّه وأعدائكم
المتربصين بكم، وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن، لكن اللّه يعلمهم ويعلم
ما يضمرونه. وكل ما يبذل من مال وغيره في سبيل اللّه -تعالى- يخلفه اللّه -عزوجل- عليكم
في الدنيا، ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة، وأنتم لا تُنْقصون من أجر ذلك شيئًا.
فهذه الآية
العظيمة تجسدها اليوم المقاومة في غزة. صحيح أنها لا تملك دبابات، ولا طائرات، ولا
حتى أسلحة يمكن أن توازي ولو بالقليل أسلحة العدو الصهيوني، لكنها تلت هذه الآية،
وعملت بها وتطهرت يدها بماء الوضوء أو التيمم وبدأت "بسم الله وعلى بركة
الله" قبل أن تضربها على العدو، مستذكرة قوله -تعالى-: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ
وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال
: 17).
نزع
السلاح:
اشترط الاحتلال
في قبول هدنة أن توافق المقاومة على نزع السلاح، يقينا حينما وضع الاحتلال هذا
الشرط هو يعلم أنه خيال من الممكن أن يراه في حلم نومه فقط.
من المحال أن
تتخلى المقاومة عن سلاحها فهذا السلاح مرتبط بدماء الشهداء.. وهذا السلاح مرتبط بالدفاع
وحماية العقيدة، فمن تخلى عنه إرضاء للاحتلال فهو بذلك يتخلى عن دينه، ومن يتخلى
عن سلاح يقاوم به الاحتلال الذي يغتصب القدس فهو بذلك يتخلى عن دينه.
من يتخلى عن
السلاح ولازالت أرض الإسراء والمعراج محتلة فهو يتخلى عن دينه، ومن يتخلى عن سلاح
ولازال الكثير من الأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال الظالمة فهو يتخلى عن دينه.
ومن يتخلى عن
دينه فسوف يستبدله الله -عزوجل- كما جاء في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن
يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة : 54).
خذوا
حذركم:
استذكر في هذا
المقال قوله -تعالى- في كتابه العزيز: {وَإِذَا كُنتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ
وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ
وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ
وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ
تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم
مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن
مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ
ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) (النساء : 102) فهذه
الآية الكريمة كما في تفسير السعدي جاء بها الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-
إذا كنت -أيها النبي- في ساحة القتال، فأردت أن تصلي بهم، فلتقم جماعة منهم معك
للصلاة، وليأخذوا سلاحهم، فإذا سجد هؤلاء فلتكن الجماعة الأخرى من خلفكم في مواجهة
عدوكم، وتتم الجماعة الأولى ركعتهم الثانية ويُسلِّمون، ثم تأتي الجماعة الأخرى
التي لم تبدأ الصلاة فليأتموا بك في ركعتهم الأولى، ثم يكملوا بأنفسهم ركعتهم
الثانية، وليحذروا مِن عدوهم وليأخذوا أسلحتهم. ودَّ الجاحدون لدين اللّه أن
تغفُلوا عن سلاحكم وزادكم؛ ليحملوا عليكم حملة واحدة فيقضوا عليكم، ولا إثم عليكم حينئذ
إن كان بكم أذى من مطر، أو كنتم في حال مرض، أن تتركوا أسلحتكم، مع أخذ الحذر. إن
اللّه تعالى أعدَّ للجاحدين لدينه عذابًا يهينهم، ويخزيهم.
وعند التأمل
بذلك ستجد أن الله -عزوجل- أكد على عدم وضع السلاح حتى عند الصلاة، ونبههم إلى أخذ
الحذر في ساحة القتال.
وهذا اليوم الذي
يجدد به أهل غزة بهذه التذكرة لمقاومتها بأن يتمسكوا بالسلاح، أي أن المطالبة لم
تأت من خارج غزة، بل من أهل الشهداء والجرحى حيث يقول أحدهم للمقاومة بعد أن
استشهد معظم أفراد عائلته: "أوعوا تتنازلوا.. نحن لا نتنازل عن دماء
أبنائنا".
ومازالت كلمات
الشهيد القائد نزار ريان تردد في غزة بالصوت العالي: "من أراد أن ينزع سلاحنا
نزعنا فؤاده"، وآخر يكتب على جدران بيته: "أريد أن أبيع داري وأسلح
المقاومة".
ورغم بطش العدو
الصهيوني، وظلمه، ومجازره التي من الصعب إحصاؤها إلا أن غزة تستمد صمودها وصبرها
من قوله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ
الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ
ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا
حَكِيمًا) (النساء: 104).
وغزة تقولها
بالصوت العالي: لن تسقط الراية، ولن ينتزع السلاح، وستحمله الأيادي المتوضئة من
جيل إلى جيل.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.