بعد عامين من 7 أكتوبر.. الكيان الصهيوني يعترف بتحقق إحدى نبوءتي السنوار

لم تكن مجرد كراسٍ فارغة تلك التي اضطر
رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو أن يخطب أمامها بالجمعية العامة للأمم
المتحدة، في 26 سبتمبر الماضي، وإنما كانت هذه الكراسي الفارغة تعبيرًا دقيقًا عن
حالة العزلة الدولية المتزايدة التي أخذت تطوّق الكيان الصهيوني، وترفض عدوانه
المستمر وما يرتكبه من إبادة جماعية بحق شعب غزة الأبيّ.
وهذه العزلة الدولية التي أصبح قادة
الكيان يعترفون بها كحقيقة واقعة وورطة كبيرة وجدوا أنفسهم قد وقعوا فيها ولم تكن
في حساباتهم وهم يطاردون توابع زلزال السابع من أكتوبر، تمثل إحدى نبوءتي يحيى السنوار، رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إبان عملية «طوفان الأقصى».
السنوار يرسم الطريق
في يوم السبت 5 يونيو 2021م، وبعد أيام
من عملية «سيف القدس»، التي كانت محطة نوعية في جولات الصراع مع الكيان الصهيوني،
ألقى يحيى السنوار كلمة بحضور أكاديميين من جامعات غزة، استعرض فيها المشهد
الفلسطيني بعد «سيف القدس»، وما يواجهه من تحديات وآمال.
السنوار أشار إلى أهمية ترتيب البيت
الداخلي الفلسطيني، لوضع إستراتيجيتنا الوطنية حول كيف سندير الصراع لتحقيق جزء من
أهداف شعبنا، موضحًا أن ذلك سيجعل الكيان أمام خيارين؛ إما أن نرغمه بتطبيق
القانون الدولي واحترام القرارات الدولية، والانسحاب من الضفة والقدس، وتسليك
المستوطنات، وإطلاق سراح الأسرى، وعودة اللاجئين، إما أن نرغمه نحن والعالم على
هذه الأمور، ونحقق إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967م بما فيها
القدس، أو أن نجعل هذا الاحتلال في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية كلها،
ونعزله عزلاً عنيفًا شديدًا، ونُنهي حالة اندماجه في المنطقة وفي العالم كله.
وكأنما كان السنوار يقرأ الغيب ويرى
ملامحه التي ستتشكل خلال 4 سنوات؛ إذ بات الكيان الصهيوني في مشهد غير مسبوق من
العزلة الدولية؛ سياسيًّا واقتصاديًّا وشعبيًّا، كما سيأتي تفصيله.
قادة الكيان يعترفون بالعزلة
وأمام رقعة العزلة الدولية التي تحاصر
الكيان، وتتسع يومًا بعد آخر؛ لم يجد قادة الكيان الصهيوني، بل حتى الرئيس
الأمريكي دونالد ترمب بدًّا من الاعتراف بها، والبحث عن كيفية مواجهتها.
ففي تصريح مهم يربط بين ما خطط له
السنوار من عزل الكيان دوليًّا، وما أصبح واقعًا ملموسًا بعد «طوفان الأقصى»، قال
رئيس قسم العمليات السابق في جيش الاحتلال يسرائيل زئيف: نبوءة السنوار تتحقق، حرب
«إسرائيل» المبررة تتحول إلى غير شرعية، وصورة «إسرائيل» في الرأي العام العالمي
في انهيار، دعم الدول الصديقة يتقلص، وها هو ينجح (السنوار) في الصعود إلى منصة
الأمم المتحدة هذا الشهر لإعلان العالم عن إقامة دولة فلسطينية، السنوار من عمق
قبره، يقف أمام نصر كبير على «إسرائيل»!
من جانبه، اعترف رئيس وزراء الكيان
بنيامين نتنياهو بأن «إسرائيل» تواجه نوعًا من العزلة قد يستمر لسنوات، وليس لديها
خيار سوى الاعتماد على نفسها، موضحاً، خلال مؤتمر لوزارة المالية، في منتصف سبتمبر
الماضي، أن اقتصاد «إسرائيل» سيحتاج إلى التكيف مع خصائص الاكتفاء الذاتي؛ أي أن
يصبح أكثر اكتفاءً ذاتيًّا وأقل اعتمادًا على التجارة الخارجية، مشيرًا إلى أن
إحدى الصناعات الرئيسة التي تواجه العزلة هي تجارة الأسلحة؛ ما قد يُجبر «إسرائيل»
على تجنب الاعتماد على واردات الأسلحة الأجنبية.
وأضاف: سنحتاج إلى تطوير صناعة الأسلحة
لدينا، سنكون أشبه بأثينا وإسبرطة العظمى معًا، ليس لدينا خيار، على الأقل في
السنوات القادمة عندما يُطلب منا التعامل مع محاولات العزل هذه.
واللافت أن تصريحات نتنياهو عن العزلة
الدولية التي يواجهها الكيان لم تكن تصريحات عابرة، بل ربما جاءت متأخرة، ورأى بعض
الكتَّاب الصهاينة أنه يحاول التخفيف من آثارها!
فقد نشرت القناة «N12» مقالاً لعاموس يادلين، وأودي أفينتال، أوضحا فيه أن «خطاب
إسبارطة» الذي ألقاه رئيس الحكومة بشأن ازدياد العزلة السياسية التي أوقع «إسرائيل»
فيها، والعوائق والقيود المفروضة على استيرادنا قطع السلاح؛ لم يأتِ من فراغ، فالمساس
بمكانة «إسرائيل» ليس محصورًا في أوروبا والصناعات الأمنية فقط، مثلما حاول رئيس
الحكومة أن يلمّح، إنه يحدث أيضًا في الشرق الأوسط وأمريكا، ويشمل مجالات مثل
التجارة العالمية والعلم والتكنولوجيا والأكاديميا والرياضة والثقافة، إن «إسرائيل»
تتحول إلى دولة منبوذة.
ولفت الكاتبان إلى خطورة هذه العزلة
الدولية؛ معتبرَيْن أن المساس السياسي بمكانة «إسرائيل» العالمية، وبشكل خاص
الدعامة الأمريكية العظمى، يشكل تهديدًا لا يقلّ خطورةً عن ذاك الذي يمثله أعداؤنا،
لقد عمل جيل المؤسسين، بقيادة بن غوريون على إخراج الشعب اليهودي من العزلة، ومن
الجيتو في أوروبا؛ نتنياهو يعمل على إعادتنا إلى هناك، بوعي، وبعيون مفتوحة.
5 تأثيرات للعزلة السياسية
وأما عن تأثيرات العزلة الدولية للكيان،
فهي تأثيرات ممتدة وتطال أوجه الحياة المختلفة، وبحسب مقال إيتمار أيخنر في «يديعوت
أحرونوت»، في 17 سبتمبر 2025م، ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فتصريحات نتنياهو
بشأن العزلة السياسية ليست مجرد إعلان سياسي؛ إنها حقيقة مريرة تنتشر كالنار في
الهشيم خارج المجال الدبلوماسي، وتؤثر في الاقتصاد والثقافة والعلوم والمجال
الأكاديمي والرياضة والسياحة، وفيما هو أبعد من ذلك.
ورصد الكاتب 5 تأثيرات لهذه العزلة
السياسية، وهي:
1- عقوبات اقتصادية:
فمفوضو الاتحاد الأوروبي دعوا لمناقشة
مقترحات بشأن تعليق بنود في اتفاقيات التجارة مع «إسرائيل»، بما في ذلك إعادة فرض
الرسوم الجمركية على السلع «الإسرائيلية»، كردّ على الحرب في غزة والانتهاكات
المستمرة في الضفة الغربية.
2- الثقافة تحت النار:
حيث وقّع 4000 من السينمائيين حول العالم
عريضة دعت إلى مقاطعة كاملة للتعاون مع «إسرائيل»؛ وفِرقٌ موسيقية «إسرائيلية»
تواجه صعوبات في المشاركة في المهرجانات الدولية، هذا جزء من مقاطعة ثقافية واسعة
تذكّر بالمقاطعات ضد جنوب أفريقيا في زمن «الأبارتهايد».
الآن أيضًا، أعلنت إسبانيا، إحدى الدول
الخمس الكبار التي تموّل مسابقة «اليوروفيجن»، أنها ستنسحب من المسابقة في عام
2026م في فيينا في حال شاركت «إسرائيل»، وبهذا تنضم إلى هولندا وأيرلندا
وسلوفينيا، التي أعلنت احتمال المقاطعة فعلياً، وكذلك في أيسلندا تتعالى أصوات
مشابهة.
3- مقاطعة رياضية وأكاديمية:
هناك فعلاً محاولات لمنع فرق «إسرائيلية»
من المشاركة في البطولات الأوروبية، وقد تبلغ الذروة إلى حد الاستبعاد الكامل من
بطولة أوروبا لكرة القدم، وصولاً إلى الألعاب الأولمبية، وهو ما يشبه العقوبات
المفروضة على روسيا عقب الحرب في أوكرانيا، (لاحقًا، أيدت اللجنة التنفيذية
للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، تعليق عضوية «إسرائيل»، بعد تحقيق أممي اتهمها
بارتكاب إبادة جماعية بغزة، وفق مجلة «التايمز»).
وفي الوقت عينه، تتسارع المقاطعة
الأكاديمية ضد «إسرائيل»، ويظهر من العرض الذي قُدّم للجنة الخارجية والأمن في
الكنيست، أن حجم المقاطعة الأكاديمية يتّسع بسرعة مُقلقة، وتستهدف المقاطعة عزل «إسرائيل»،
أكاديميًّا وعلميًّا، من خلال إبعادها من برامج بحث أوروبية؛ ومقاطعة الباحثين «الإسرائيليين»
في جمعيات أكاديمية مهنية.
4- حظر السلاح:
منذ يوليو 2025م، أوقفت مجموعة من الدول
بيع السلاح لـ«إسرائيل»، أو قلّصته، منها سلوفينيا التي كانت أول مَن فرض حظراً
كاملاً، وإيطاليا، وإسبانيا، وكندا، وهولندا، والمملكة المتحدة وبلجيكا.
واستنادًا إلى تقارير في إسبانيا، اتُّخذ
قرار هناك بشأن إلغاء صفقة كبيرة بقيمة إجمالية تبلغ 700 مليون يورو لشراء منظومات
مدفعية من طراز «PULS»
من شركة إلبيت.
5- قيود شخصية:
حتى الآن، يتمتع «الإسرائيليون» بإعفاء
من التأشيرة في 131 دولة، لكن العزلة قد تغيّر ذلك، هناك دول قد تلغي الاتفاقيات
بحجة التحقيق في تورُّط «إسرائيل» في إبادة جماعية، أو جرائم، ظهرت فعلاً بعض
القيود في أمريكا الجنوبية، الوجهة المفضلة للمسرّحين من الجيش؛ نشرُ أسماء جنود
في شبكات التواصل الاجتماعي، جعلهم يضطرون إلى المغادرة سرًّا، خوفًا من الاعتقال،
وهذا الوضع سيضرّ بالسياحة الوافدة والصادرة بشدة، وحتى بالإجازات العائلية
البسيطة، لكن دعك من التأشيرة، فهناك مَن يريد الذهاب في عطلة إلى الخارج، وهو
خائف من اكتشاف أنه «إسرائيلي»!
ومن المهم أن نشير في الختام إلى تفاوت
تأثيرات هذه العزلة الدولية للكيان من مجال لآخر، وأن ضغوط السياسة قد تخفف من بعض
تأثيراتها هنا وهناك، لكن ما حققته العزلة الدولية حتى الآن ليس باليسير، لا سيما
والمسألة تخص كيانًا يستمد وجوده أساسًا من الدعم الخارجي وليس من مقوماته الذاتية،
وحقًّا، لن يستطيع الكيان الصهيوني إخفاء وجهه القبيح ولا تبرير جرائمه وإبادته،
طوال الوقت.