بين علم النحو وعلوم الشريعة (3 - 6)

علم النحو وعلوم السُّنة

د. رمضان فوزي

22 سبتمبر 2025

90

لا تختلف علاقة النحو بالحديث النبوي الشريف كثيراً عن علاقته بالقرآن الكريم؛ من حيث التأثير والتأثر المتبادلين، كما ذكرنا في المقال السابق؛ فالحديث النبوي الشريف يعد من مصادر الاحتجاج عند كثير من النحاة، وكذلك فإن النحو وقواعده ضروري في فهم الحديث النبوي واستنباط الأحكام منه.

وقد أدرك شرّاح الحديث والسُّنة النبوية هذه العلاقة؛ فخصصوا مؤلفات في إعراب الحديث؛ فنجد «إعراب الحديث» للعكبري، و«إعراب الأربعين النووية».. وغيرهما من كتب الحديث وشروحه التي ترتكز في كثير منها على اللغة ودلالاتها، والنحو وقواعده.

وتأكيداً على هذه العلاقة، جعل أبو البركات الأنباري العدالة شرطاً في ناقل اللغة؛ نظراً لتأثيرها على معرفة تأويل الحديث؛ حيث يقول: «اعلم أنه يُشترط أن يكون ناقل اللغة عدلاً، رجلاً كان أو امرأة، حراً كان أو عبداً، كما يُشترط في نقل الحديث؛ لأن بها معرفة تفسيره وتأويله» (لمع الأدلة في أصول النحو، ص85).

النحاة.. والاحتجاج بالحديث النبوي

إذا كان موقف النحاة تجاه الاحتجاج بالقرآن الكريم كان الإذعان والإجماع على ذلك؛ فإن موقفهم من الحديث النبوي لم يكن بنفس القدر من القبول المطلق للاحتجاج به؛ حيث انقسموا تجاه الاحتجاج بالحديث النبوي إلى أكثر من فريق؛ فمنهم من رفض هذا الاحتجاج مطلقاً، ومنهم من أيده ودافع عنه، ومنهم من وضع ضوابط لهذا الاحتجاج تحدده وتقيده.

ومرد هذا الاختلاف ليس طعناً في لغة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ولكنه راجع إلى تحري الاطمئنان والثقة في أن هذه الأحاديث صدرت بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحدث تغيير في لفظها ولم تُروَ بالمعنى.

ولأن المجال هنا لا يتسع لإفراد الحديث عن كل فريق وحججه؛ فسنكتفي هنا بالرأي الوسطي بين المانعين والمجيزين، وهو رأي الشيخ محمد الخضر حسين؛ حيث يمكن تلخيص موقفه في أن من الأحاديث ما لا ينبغي الاختلاف في الاحتجاج به في اللغة، وهو ستة أنواع ملخصة فيما يلي:

1- ما يروى بقصد الاستدلال على كمال فصاحته صلى الله عليه وسلم، كقوله عليه الصلاة والسلام: «الظلم ظلمات يوم القيامة» (أخرجه البخاري).

2- ما يروى من الأقوال التي يتعبد بها، أو أمر بالتعبد بها؛ كألفاظ القنوت والتحيات، وكثير من الأذكار والأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها في أوقات خاصة.

3- ما يروى شاهداً على أنه كان صلى الله عليه وسلم يخاطب كل قوم من العرب بلغتهم.

ومما هو ظاهر، فإن الرواة يعمدون في هذه الأنواع الثلاثة إلى رواية الحديث بلفظه.

4- الأحاديث التي وردت من طرق متعددة، واتحدت ألفاظها؛ فاتحاد الألفاظ مع تعدد الطرق دليل على أن الرواة لم يتصرفوا في ألفاظها، والمراد أن تتعدد طرقها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الصحابة، أو إلى التابعين الذين ينطقون الكلام العربي فصيحاً.

5- الأحاديث التي دوَّنها من نشأ في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللغة كمالك بن أنس، وعبدالملك بن جريج، والإمام الشافعي.

6- ما عرف من حال رواته أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى، مثل: ابن سيرين، والقاسم بن محمد، ورجاء بن حيوة، وعلي بن المديني.

ومن الأحاديث أيضاً التي لا يصح أن تختلف الأنظار في الاستشهاد بألفاظها؛ الأحاديث التي دُوِّنت في الصدر الأول، حتى ولو لم تكن من الأنواع الستة المبينة آنفاً.

أمثلة مما احتج فيه النحاة بالحديث النبوي

هناك بعض القواعد النحوية التي احتج فيها النحاة بأحاديث نبوية، نكتفي منها بهاتين القاعدتين:

الأولى: وقوع خبر «كاد» مقروناً بـ«أن»:

المشهور أن خبر «كاد» لا يأتي مقروناً بـ«أن» كما في قوله تعالى: (وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) (البقرة: 71)، وغيره من الشواهد القرآنية، إلا أنه ورد عن ابن عمر قوله: «ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب»، وهو ما احتج به ابن مالك وبغيره من أقوال الصحابة على مجيء خبرها مقترناً بـ«أن»، حتى لو لم يرد في القرآن مثله.

الثانية: العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار:

واحتجوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً..»؛ حيث عطف «اليهود» على الضمير المجرور بالإضافة في «مثلكم»، دون تكرار المضاف وهو «مثل»؛ بحيث يكون السياق «إنما مثلكم ومثل اليهود..»، يقول ابن مالك: «تضمن الحديث العطف على ضمير الجر بغير إعادة الجار، وهو ممنوع عند البصريين إلا يونس، وقطرب، والأخفش، والجواز أصح من المنع لضعف احتجاج المانعين، وصحة استعماله نظماً ونثراً» (شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، ص107، 108).



اقرأ أيضاً:
- دور النحو في فهم النص الديني

- بين علم النحو وعلوم القرآن

 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة