تحديد الموقف العقائدي لسورية
مما نقلته الصحافة عن مداولات «التقرير
السياسي» لحزب البعث السوري إضافة نقطتين، تقول الأولى منهما: إن الإسلام عقيدة
وتراث وجزء من حياتنا السياسية.. وحسبنا الآن أن نتوقف عند هذه النقطة
الاستراتيجية.
من غير تهويل ولا مجاملة نستعجل فنقول:
إن هذه النقطة تشكل منعطفًا في فكر حزب البعث وموقفه من الإسلام.
النظام الداخلي للحزب أو دستور الحزب ينص
صراحة على أنه حزب علماني، ولقد عرفنا كيف ترجمت العلمانية عند العرب والمحسوبين
على الإسلام في هذا العصر.. «العلمانية ضد الإسلام وحده»
كما أن أدبيات حزب البعث والعلمانيين
الآخرين، تصف الإسلام بأنه تراث والتراث مهما عظم يظل غير العقيدة، فالتراث مثله
مثل الشعر الجاهلي والأدب أي صنع بشر، يؤخذ منه ويترك حتى الرسول محمد صلى الله
عليه وسلم على عظمته، يظل عندهم- عبقريًا عربيًا، وليس نبيًا، وفي رأي بعضهم ذهب
عصر النبوات والأديان، ولو كان دين الإسلام الذي هو عقيدة وشريعة وحضارة وقوام
العرب ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.
التعديل الجديد يعترف بعقيدة الإسلام،
وعقيدة الإسلام معروفة من إيمان بالله تعالى إلى إيمان بملائكته وكتبه ورسله
والقضاء والقدر، وما يستتبع ذلك من تصور شامل للإنسان والكون والحياة ولخالق
الإنسان والكون والحياة، وعلاقات الكائنات ببعضها، وبالجنة والنار والحساب والعقاب
في الآخرة.
أما أن الإسلام جزء من حياتنا السياسية،
فهو أبرز مظهر من مظاهر هذا الانعطاف الجديد في الموقف العقائدي لحزب البعث
السوري، صحيح أن الإيمان بالإسلام، وعقيدة الإسلام يقتضي الإيمان بكل المفردات
التي تندرج تحت هذه العقيدة كالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للإسلام، أما تخصيص
البعد السياسي وحياتنا السياسية فأمر ذو بال، وهو مؤشر يستدعي كثيرًا من التوقف
والتحليل والاستنتاج.
تعني هذه العبارة فيما تعني:
1- الاعتراف بعلاقة الإسلام بالسياسة
الدين والدولة.
2- الاعتراف بعلاقة الإسلام بالحياة، وهي
أوسع من السياسة.
3- الاعتراف بدور الإسلام في السياسة
الحالية للحياة التي نعيشها اليوم، لا سيما السياسة السورية.
وهذا يعني أشياء أخرى:
1- التخلي عن هذا الجزء سيخل بحياتنا
السياسية لأنه جزء منها.
2- ضرورة السماح لمن يعبر عن هذا الجزء
أو يهتم به أن يأخذ دوره في الساحة السياسية.
هذا الدور ما هو؟ هل روح الجهاد التي
تحرر الأراضي المغتصبة؟ أم الهوية التي تحفظ شخصية الأمة وتحصنها في زمن العولمة؟
أم الرسالة الخالدة التي حملتها الأمة في الماضي وتستمر في الحاضر لهداية البشرية
وقيادتها؟ أم الخير والنور والحضارة؟ أم هي أيضًا السماح للتيار الإسلامي بأن يسهم
في صنع الحياة السياسية مع بقية التيارات كالقومية والماركسية والليبرالية؟، أم هي
جماع ذلك أيًا كان التفسير، وأيًا كان التطبيق العملي لهذه العبارة والسياق الذي
حملها وجاءت معه، فإن انعطافًا كبيرًا حصل أو سوف يحصل في فكر حزب البعث السوري
العربي.
لعل القارئ يتذكر الآن أن مؤسس حزب
البعث- حسبما أعلن- قد انحاز إلى الإسلام وأوصى بأن يسمى أحمد ميشيل عفلق، وأن حزب
البعث في العراق يشهد تحولًا مماثلًا.
لكل من البعثين السوري والعراقي أسبابه
وظروفه التي اقتضت هذا التحول نحو الإسلام فالإسلام اليوم هو حصن الأمة العربية،
وجامع أمجادها وتراثها، وهو المستهدف عالميًا وصهيونيًا.
«لقد كان محمد كل العرب، فليكن اليوم كل
عربي محمدًا»، هذه كلمة ميشيل عفلق في شبابه وهي اليوم عقيدة وجزء من حياتنا
السياسية.
من أقوال عفلق: إن العرب لا يستطيعون أن
ينافسوا الصهيونية في النفوذ إلى شعوب إفريقيا بالمال أو التقنية، ولكن الإسلام
يستطيع أن يجعل إفريقية سندًا قويًا للعرب ببساطة وبسهولة إذا دخلت في الإسلام.
فإذا كان الإسلام فعل ويفعل بإفريقيا هذا
الفعل، فماذا يفعل في سورية العربية سورية الأمويين والأيوبيين سورية المفجوعة
بالجولان المهددة بأحقاد الأتاتوركية؟
لقد أخطأ من ظن يومًا أن الإسلام ملك
للإخوان المسلمين أو حكر عليهم، وأخطأ من ظن أن التحرر والتقدم والوحدة أعداء
للإسلام، إنه بالنسبة للمسلم عقيدة، ولغير المسلم تراث عظيم، وللناس جميعًا دستور
حياة وسعادة.
إن الذين أسهموا في إضافة النقطة الفكرية
على الموقف العقائدي للدولة للمرحلة المقبلة، لا ينطلقون من فراغ، ولا يريدون
العبث بالكلام، لأن هذا الكلام ذو معنى، وهو في الوقت نفسه ترجمة حقيقية للواقع
السوري، وليس هناك من أجبرهم على إضافته للتقرير السياسي، ولكن هل تكفي القناعة
وحدها لتحويل الشعار إلى برنامج عمل، وتحويل برنامج العمل إلى ممارسة يومية وبناء
مستقبلي.
إن الاعتراف بدور الإسلام يلغي الحرب
المفتعلة بين العروبة والإسلام، كما يطوي صفحة من الاحتقان في الساحة السورية، كما
يصلب الجبهة الوطنية الداخلية، ويوجه الحراب كلها للاستحقاقات الخارجية، كل ذلك
على المدى القريب، أما على المدى البعيد، فإن صياغة الإنسان السوري على ضوء ذلك
سوف ترتفع به من وهدة الفساد والانحلال والسلبية والانسحاق أمام جيوش العولمة
الفكرية والإعلامية والسياسية، وسوف تؤهله لحمل رسالة الاعتزاز والكرامة والأخوة
الإنسانية الحضارية المستعلية.
ومع ذلك، هناك مسافة بين القول والعمل
بين القناعة والسلوك، ثم هناك النفس الأمارة في الفرد وهناك رواسب عهود الانحطاط
والفرقة والتفرقة والفهوم المتخلفة للإسلام من جهة، وهناك أيضًا السياسات الدولية
والصهيونية التي جعلت من الإسلام عدوًا بعد سقوط الشيوعية فالإسلام الحقيقي له
تكاليفه على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، فهل خفي ذلك على من أضافوا هذه
النقطة التعديل على برنامج البعث السوري- السياسي؟
وإذا أصبحت هذه التكاليف واضحة كلها أو
بعضها، فلا بد من اتخاذ الأهبة والاستعداد لذلك وهذا الاستعداد المطلوب ليس وصفة
جاهزة، بل هو خطط وبرامج وسياسات تشمل الفرد والأسرة والمجتمع والإعلام والتعليم
ومرافق الدولة جميعًا وإن الدرب الذي طوله ألف ميل يبدأ بالخطوة الأولى.
نحن لا نحب أن نكون متفائلين أكثر من
اللازم ويمنعنا حبنا لوطننا أن نكون مشككين أو مخذلين فكل ما قلناه عقيدة نعتقدها،
ونتوقع أن يعتقدها كل مواطن شريف(1).
__________________
(1) نُشر في العدد (1407)، 2 ربيع الآخر
1407هـ/ 4 يوليو 2000م، ص 27.