تربية الأبناء في العصر الحديث.. مسؤولية مركبة وتحديات متسارعة

في خضم الواقع المتسارع الذي نعيشه، وجدت الأمهات أنفسهن في مواجهة معقدة
بين متغيرات العصر وثوابته، بين التكنولوجيا الحديثة، والانفتاح على الثقافات،
وصراع الأجيال، باتت مهمة تربية الأبناء أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، بل وأصبحت
تتطلب مهارات جديدة، ووعياً مضاعفاً، وتعاوناً أسرياً متيناً.
مؤثرات متعددة.. والأم في قلب المعركة
تتفق المختصات في الشأن الأسري على أن الأم اليوم لا تواجه فقط مسؤولية
التنشئة، بل تخوض معركة تربوية تتوزع أطرافها بين مؤثرات حديثة مثل وسائل التواصل
الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، والانفتاح الثقافي، ومرجعيات التربية التقليدية
التي اعتاد عليها المجتمع.
وأكد متخصصون في علم النفس أن أبرز التحديات تكمن في حجم التغيرات
المتسارعة التي يشهدها العالم، قائلين: إن العالم أصبح قرية صغيرة، وثقافات مختلفة
تدخل بيوت أبنائنا دون استئذان، عبر الشاشات ومواقع التواصل وحتى الألعاب
الإلكترونية؛ ما يجعل الأم أمام معركة وعي وتوجيه دائمة.
وأضافوا أن هذه المؤثرات باتت تخلق صراعاً في أذهان الأطفال، بين ما يرونه
وما يُطلب منهم الالتزام به، مشيرة إلى أن دور الأم لم يعد كافياً دون وجود وعي
تربوي حديث، واحتواء نفسي وفكري للأبناء.
6 مفاتيح لتربية متزنة
وفي هذا السياق، وضع المتخصصون خارطة طريق للتعامل مع التحديات، وتتمثل في:
1- الاحتواء العاطفي للأبناء.
2- تقبل اختلافاتهم الفردية دون مقارنة.
3- بناء الشعور بالأمان داخل الأسرة.
4- التعرف المستمر على أساليب التربية الحديثة.
5- فتح قنوات الحوار والنقاش دون تسلط.
6- الابتعاد عن فرض رغبات الأهل على الأبناء.
وتشير إلى أن المقارنة بين الأبناء أو مع أقرانهم، من أكثر الأخطاء التي
تهدم شخصية الطفل وثقته بنفسه.
الفريح: القلق التربوي قارب نجاة
من جهتها، ترى د. سهام الفريح، رئيسة الجمعية الوطنية لحماية حقوق الطفل،
في تصريح سابق لها على جريدة «القبس»، أن التربية عبر العصور لم تكن سهلة، لكن
التحديات الراهنة تضاعف صعوبتها، مشددة على أن هناك فجوة متنامية بين الأجيال،
نتاج صراع القيم والمفاهيم الحديثة.
وتقول: الرقابة الواعية للأبناء أصبحت ضرورة قصوى، خاصة في ظل تسارع
التطورات التقنية التي تؤثر على سلوكهم المعرفي والعاطفي، هذه المؤثرات قد تقطع
أوصال العلاقة بين الآباء وأبنائهم إن لم تكن هناك متابعة مستمرة وقرب دائم.
وتضيف الفريح أن القلق الواعي على الأبناء هو قارب النجاة الحقيقي من هذه
التحديات، وأن غياب الحوار بين الطرفين يعمق ما يسمى باختلاف الأجيال.
تجربة شخصية
وتشارك الفريح جانباً من تجربتها كأم، وتقول: لم أسمح لأبنائي بالمبيت خارج
المنزل حتى بلغوا المرحلة الجامعية، وكان لذلك أثر كبير في تقوية العلاقة الأسرية
والشعور بالمسؤولية والانتماء.
أشكناني: المرأة لم تعد تابعًا صامتًا
وفي زاوية مختلفة، تسلط الكاتبة والباحثة آمنة أشكناني، في مقال على جريدة «الأنباء»،
الضوء على التغير في بنية الأسرة الكويتية، لا سيما بعد دخول المرأة سوق العمل،
وتطور أدوارها داخل المجتمع، حيث تقول: في الماضي، كانت الأسرة ذكورية بحتة،
يتصدرها الجد أو الأب، أما المرأة فكانت هامشية، اليوم، ومع النهضة التعليمية
والتحول الاقتصادي، أصبحت المرأة شريكاً فاعلاً في تشكيل الأسرة والمجتمع.
وتوضح أشكناني أن هذا التحول، رغم إيجابيته، أفرز تحديات أخرى مثل:
- تضارب الأدوار داخل الأسرة.
- جدلية القوامة بين الزوجين.
- مشكلة الحقوق السياسية والاجتماعية للمرأة ضمن السياق الديني والثقافي.
من الأعراف إلى التشريع
وتنتقد أشكناني الخلط السائد بين العادات والتقاليد والدين، خاصة فيما
يتعلق بتعليم المرأة ومشاركتها في بناء الأسرة، قائلة: التحدي الأكبر هو التغريب
الثقافي الممنهج الذي يصادم قيم الأسرة، ويهز الثوابت الدينية تحت شعارات براقة
كالحريات والعولمة.
الحل في الداخل أولًا
وتقترح أشكناني مسارين لحل أزمة التربية:
1- فهم المشكلة من الداخل، كحالات الطلاق والتفكك، وتأثير المناهج
التعليمية والمفاهيم الحديثة على الأبناء.
2- فهم المشكلة من الخارج، كتأثير العولمة الإعلامية والفكرية على ثوابت
الأسرة.
وتختم بقولها: الأسرة هي الركيزة الأساسية لبناء المجتمع، وأي خلل فيها
سينعكس سلباً على الفرد والوطن.
الأم اليوم تقف في قلب إعصار من التغيرات، لم تعد التربية مجرد نقل للقيم
والعادات، بل أصبحت عملية متكاملة تتطلب وعيًا معرفيًا ونفسيًا واجتماعيًا،
ومشاركة فاعلة من الأب، إنها معركة تستحق كل جهد، لأنها معركة الحفاظ على مستقبل
الأجيال.