كيف نستمتع بتربية أولادنا؟ (6)

8 سمات أساسية لرحلة تربوية ممتعة وناجحة

د. يحيى عثمان

21 سبتمبر 2025

42

بعد أن استعرضنا في الأجزاء السابقة جوانب متعددة من هذه الرحلة، نصل في محطتنا السادسة إلى قلب العملية التربوية نفسها لنطرح سؤالاً جوهرياً: ما طبيعة التربية؟ ففي هذا المقال، نغوص في عمق المفهوم لنتعرف على 8 سمات أساسية تجعل التربية نشاطاً فريداً ومؤثراً؛ حيث إن فهم هذه السمات هو ما يحول التربية من مجرد مجموعة أوامر ونواهٍ إلى رحلة واعية وممتعة، تملؤها الحكمة والنجاح.

سمات العملية التربوية

1- خاصة:

بناء على تعريف التربية بأنها نشاط تفاعلي بين والد وأبنائه، أو مدرس وطلابه.. فإن ثمار الموقف التربوي تتوقف على مدى التناغم بين نفسية الوالد والولد والبيئة التربوية والباعث على النشاط التربوي والهدف المراد منه؛ لذا، فليس هناك نمط يوصى باتباعه في التربية، كلها فقط قيم وأطر عامة، وعلى المربين تفهمها وإسقاطها بما يتناسب مع كل ولد على حدة، فأهم سمات التربية هي الخصوصية، وأيضاً لكل موقف تربوي خصوصية به لذات الولد.

2- مستمرة:

مسؤولية التربية لا تنتهي بعمر معين يبلغه الأولاد أو مرحلة من مراحل عمرهم فتتوقف، بل هي عملية مستمرة ما دمنا قادرين عليها، حيث إن التربية أحد مظاهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي أُمرنا به في القرآن والسُّنة، وإذا كان هذا في شأن الدعوة العامة، فما بالنا بمسؤوليتنا عن أولادنا أو طلابنا وكل من ولانا الله أمرهم؟

وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يربي ابنته فاطمة ويدعوها إلى الله الواحد الأحد ضمن دعوته لعشيرته الأقربين: «ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئاً»، وكذلك سيدنا يعقوب وهو على فراش الموت يمارس أمانة تربيته لأولاده: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 133).

3- تبادلية:

التربية نشاط تفاعلي؛ بمعنى إذا تصرف الابن تصرفاً ما، ورأى الأب أن من مقتضيات تربيته لولده أن يثبت قيمة أو يلغي سلبية، يرد الابن بتصرف ما، بناء على تصرف والده، وهكذا يجب أن يكون تصرف الوالد مناسباً لرد فعل ابنه على تصرفات أبيه، فالتربية ليست سلسلة من الأوامر والنواهي يلقنها الوالد لولده، بل يجب أن تتناغم تصرفات الوالد مع ردود فعل ولده!

بمعنى أدق، كما أنت حريص على تربية ولدك ليكون عبداً صالحاً، فإن فهمك لردود فعله، هو بمثابة توجيه لك كيف تكون مربياً له؛ بمعنى إذا كان أسلوبك يتميز بالجفاء والعصبية، وردود فعل ابنك إما العناد أو ينفذ أمرك، ولكن على وجهه علامات القهر أو أنه يبتعد نفسياً عنك.. ولم تقرأ هذه الرسائل من ابنك التي يوجهك فيها إلى الإقلاع عن هذا السلوك التربوي الخاطئ، فقد فشلت كمُربٍّ، بل عليك فهم توجيه ولدك لك وأن تعي رسائله سواء المباشرة أو الضمنية لما يمكن أن يكون مناسباً له.

4- شاملة ومتعددة الأبعاد:

حتى تؤتي التربية ثمارها على مستوى الفرد والأمة، يجب أن تشمل مكونات الإنسان من روح وقلب وعقل وجسد، والأسرة هي المسؤولة عن التربية الشاملة لكل هذه المحاور؛ أي أن تربية أي محور أو القصور فيه يؤثر تأثيراً مباشراً على باقي المحاور، كما يجب التوازن بينها، رغم أنه، كما أوضحنا، أن التربية مسؤولية كل مكونات الأمة فالمدرس مربٍّ، ورغم أنه يركز على التربية العقلية، فإنه أيضاً مسؤول عن باقي محاور التربية، وكذا الشيخ مربٍّ، ورغم أنه يركز على التربية الروحية، فإنه أيضاً مسؤول عن باقي محاور التربية.. وهكذا، لذا فمن الخطأ اهتمام الوالدين فقط بالتقدم العلمي لأولادهما.

5- مناسبة للزمان والمكان:

إن القيم التربوية من المنظور الإسلامي تنبع من القرآن الكريم والسُّنة النبوية، وهدف التربية ترسيخ القناعات بالالتزام بهذه القيم منهجاً في كل مناحي الحياة، كما أنه في المقابل، فإن لكل زمان ومكان سماته وتحدياته التي على المسلم أن يحسن التعامل معها حتى تستقيم حياته على شرع الله تعالى؛ لذا يجب أن تتناسب أساليب ومنهجيات وأدوات ومراحل التربية مع سمات الزمان والمكان حتى تؤتي ثمارها.

فقد وجب على الوالد أن يتفهم سمات الزمان والمكان الذي يعيشه ولده والتحديات التي يواجهها حتى يحسن له صياغة الأساليب والمنهجيات والأدوات التي تتناسب والمرحلة التربوية التي يتعامل معها؛ فمثلاً، أحدثت الشبكة العنكبوتية للمعلومات تغيرات عديدة في أساليب ومنهجيات وأدوات التربية، كذلك المكان، للأسف بعض الأسر التي تضطرها ظروفها للعيش في بيئة غير إسلامية، تستمر في اتباع نفس الأساليب والمنهجيات والأدوات التربوية التي كانت تطبقها في بيئتها الإسلامية، فتفشل في مهمتها، بعكس الأسر التي تتفهم سمات وخصائص البيئة الجديدة وتطور من أساليبها ومنهجياتها وأدواتها التربوية بما يتناسب والتحديات التي يواجها أولادها فبفضل الله تنجح في أداء مهمتها.

6- تراكمية:

إن المراحل الإدراكية –وليست العمرية- ومن ثم المراحل التربوية ليست منفصلة، بل متداخلة، وكل مرحلة هي ثمرة الجهود التربوية للمرحلة السابقة، فالتربية محصلة سلسلة تراكمية من المواقف التربوية بإيجابياتها وسلبياتها، نعم يمكن تدارك بعض الأخطاء التربوية في المراحل السابقة، ولكن قد يقتضي ذلك جهود مضنية، بل وقد يحتاج الأمر أطباء نفسيين واختصاصيين، كما أن المنهج التربوي في المراحل الأولى من العمر أكثر تأثيراً بإيجابياته وسلبياته من تأثيرات المنهج التربوي في المراحل اللاحقة من العمر.

7- متطورة:

إن الإدراك العقلي والنمو النفسي للولد يتطور مع كل يوم؛ لذا يجب على المربي أن يطور من الأساليب والمنهجيات والأدوات التربوية التي يتعامل بها مع ولده حتى تؤتي ثمارها، كما أن المؤثرات الخارجية بإيجابياتها وسلبياتها توجب تطور التربية لتتوافق معها.

لذا يلاحظ أن الأساليب والمنهجيات والأدوات التربوية من أكثر العلوم الإنسانية تطوراً، فما كان منذ سنوات قليلة من أكثر الأدوات التربوية نجاحاً لم يعد له قيمة الآن؛ فمثلاً، تقدير واحترام الولد لوالده، كان يعبر عنه بإظهار الخوف وعدم الجرأة بالنظر إلى وجه الوالد وخفض الصوت أو حتى التعبير عن الرأي! أما الآن فإحدى دعائم التربية الثقة، فنجاح الوالد يعتمد على عدة عناصر منها ثقة الولد بوالده فيعبر عن كل ما يجيش بخاطره دون أي تردد مهما كان خطؤه.

8- إبداعية:

نجاحك كمُربٍّ ليس فقط في دراسة وفهم ما تتمكن من الأساليب والمنهجيات والأدوات التربوية، بل الأهم هو الإبداع سواء في كيفية تطبيقها أو استحداث ما قد يتناسب مع ولدك؛ لذا كثيراً ما يتردد أن التربية تناغم منظومة من العلوم والفنون، نعم هناك العلوم الشرعية والنفسية والسلوكية وغيرها من العلوم التي يحتاجها المربي، ولكن عليه أيضاً أن يتقن فن التفكير الإبداعي وتفهم نفسية ولده وفنون الحوار الإيجابي والعديد من الفنون التي تساعده على فتح قنوات التلقي لدى ولده.

ثمار التربية الحسنة

أ- في الآخرة: أن العبد سيُسأل يوم القيامة عن الأمانات التي ابتلاه الله بها، ولعل تربية الأولاد من أعظم هذه الأمانات، وقد أمرنا الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6).

ب‌- في الدنيا: إن الولد الصالح قيمة مضافة للأمة، وما قيمة الأمة إلا بتكامل جهود الصالحين من أبنائها، كما أن من أهم أسباب سعادة الإنسان أن يجد توفيق الله لجهوده التربوية بصلاح ولده.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة