ترمب.. العنف المبكر!

«الحروب قتلت
أطفالاً وأبرياء، وبوصولي للبيت الأبيض ستنتهي الحروب»، هكذا كان يصرح دائماً
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، غير أنه لم تتوقف حروب، بل زادت «إسرائيل» الاعتداء
على غزة والضفة الغربية وسورية ولبنان ولم تلتزم بأي هدنة، وكذلك ما زالت الحرب
الأوكرانية الروسية مستمرة، ولم يفشل ترمب في ذلك وحسب، بل فتح حرباً جديدة دموية
على اليمن قتل فيها أطفالاً ونساء وأبرياء.
ليكون ذلك مساراً
مكرراً من العنف الذي بدأ أصلاً مبكراً بولايته الأولى؛ حيث وضع «صفقة القرن»،
ومعالم «الشرق الأوسط الجديد»، وكذلك «خطة الضم»، ونقل السفارة الأمريكية للقدس،
وأصدر مراسيم رئاسية تعتبر الجولان السوري المحتل أرضاً «إسرائيلية»، واليوم يفتح
نار الطائرات والاقتصاد والسياسة في كل اتجاه في إشارة إلى العنف المبكر في هذه
الولاية الجديدة له.
ترمب ناور مع
زيلينسكي بالتزامن مع مناورة نتنياهو مع الرئيس الروسي بوتين حينما أرسل وفداً
أمنياً لموسكو، وكانت الأخبار تحدثت عن ترتيبات «إسرائيلية» روسية في سورية
بالتزامن مع تعرض الرئيس الأوكراني لتوبيخ وإهانة في البيت الأبيض، وكأن المعادلة
التي أكدها لاحقاً نائب الرئيس الأمريكي حول طرق غير مباشرة لحماية الأقليات في
سورية كانت تتمثل في الفوضى الخلاقة التي ظهرت بحجة الطائفية وتأجيج الفتنة في
سورية، ويتضح لاحقاً انقلاب المواقف الأمريكية لصالح أوكرانيا مع أنها كانت ضدها
بتزامن الأحداث في سورية، وكأنها صفقة روسية «إسرائيلية» بتقسيم سورية لصالح «إسرائيل»
مقابل أن يقوم نتنياهو بإقناع ترمب بضرورة إنهاء الملف الأوكراني لصالح روسيا.
وبعد الجدل في
البيت الأبيض، وفشل الفوضى في سورية، عادت الأمور لحالتها الأولى بوقوف الأمريكيين
مع الأوكران ودعمهم وإزالة الحظر على الدعم المعلوماتي والعسكري، وكأن شيئاً لم
تستطع روسيا أن تنجزه في سورية لصالح «إسرائيل»، فانقلب السحر على الساحر.
أول حرب
ترمب دخل مجال
الصفقات، ولكنها صفقات العنف المبكر وإدارة الأزمات بعقلية الإرهاب وتشديد
الإجراءات وفتح النار، العنف المبكر لديه كان حتى في الأيام الأولى لتنصيبه؛ فترجم
ما كان دعاية إلى مراسيم طالت المهاجرين والضرائب وعلاقة أمريكا بمنظمات دولية،
وحتى مع الدول كما المكسيك وكندا والدنمارك، وما جرى في ملف تهجير الفلسطينيين
وبنما ولاحقاً مع أيرلندا، وصولاً إلى أول حرب يعلنها في اليمن، كلها إشارات تؤكد عقلية
الانتقام والعنف التي يسير وفقها دون أجندة سياسية تحترم الشعوب والدول، حتى ظهرت
معالم لعبته الأخيرة في لبنان ومحاولة اغتيال «حزب الله» سياسياً واللعب على وتر
الطائفية لعزله وربط الإعمار بتهميشه وإقصاء دوره في السياسة؛ ما يؤكد أن عقلية
الهيمنة التي يمارسها ترمب تستغل الطائفية حسب المنطقة وحسب الهدف، ولا وجود أصلاً
في قاموسه لمعادلة الاحترام والحق بقدر ما هي المصلحة.
لعبة
الترهيب
يستخدم ترمب
لعبة الترهيب، وأدخل عليها مؤخراً الخيار العسكري كما اليمن في رسالة خطيرة لإيران
وتركيا وأوروبا، وكذلك وصلت رسالته لموسكو وبكين، غير أن صداها لم يظهر بعد حتى
نستطيع أن نحكم أنه حقق أهدافاً من وراء هذه اللعبة، أم أنه أدخل العالم في تسارع
نحو حرب عالمية ثالثة في ظل تعقد الملف الروسي الأوكراني، وتوتر متصاعد في الشرق
الأوسط بسبب «إسرائيل»، بالإضافة إلى الحرب التجارية التي فتحها مبكراً مع العالم،
وحالة الخوف المستقبلي التي تداعت لها دول أوروبا لتكثيف ميزانية دفاعها وانكماش
اهتمامها للداخل الأوروبي.
نزلت الصواريخ
في اليمن وقتلت الأطفال هناك، ولكن ماذا بعد وكيف سيكون قرار ترمب مفتاح توتر أو
هدوء في المنطقة، ورسائل ستردع من أراد أن يردعهم أم ستحفزهم على اتخاذ خطوة
تصعيدية رداً عليه.
لذلك، ومن
المعطيات على الأرض، فإن الردع الأمريكي يتهشم كثيراً مؤخراً خاصة بعد هزيمة «إسرائيل»
في غزة التي حاولت أمريكا بكل قوتها أن تحقق نصراً لـ«الإسرائيلي»، فإن التوتر سيد
الموقف والمواجهة ستتصاعد ولا هدوء في الأفق طالما بقيت نظرة أمريكا للقضية
الفلسطينية نظرة أمنية لسحقها ولم تتحول إلى حل سياسي جذري مبني على الحقوق
الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
في التطورات
الأخيرة بالمنطقة، لا يستطيع ترمب أن يحسم المعادلات بحسب مقاييس الأمريكي و«الإسرائيلي»؛
لأن الحالة العربية التي نسميها حالة نهوض في الساحة الدولية وارتباط علاقات -خاصة
أنه باتت دول مثل السعودية وقطر مواقع صلح عالمي- وهذا يفتح المجال أمام القضية
الفلسطينية أن تكون محورية بعد السابع من أكتوبر.
العنف الذي يمارسه ترمب الآن لفظياً وفعلياً لن يكون في صالح «الإسرائيلي» في المرحلة المقبلة، علاوة على أن الأخير مستنزف كلياً في الداخل الفلسطيني في ملف غزة وأيضاً في المشهد السياسي «الإسرائيلي» الداخلي على صعيد الحكومة وعلى صعيد المعارضة وعلى صعيد المجتمع «الإسرائيلي» ككل، وفقدان هيبة الردع التي لم تستطع حتى اللحظة لا «إسرائيل» ولا الولايات المتحدة الأمريكية أن ترممها.
وبناء على
معطيات التطورات الدولية بالنظرة الأمريكية التي باتت نظرة مادية للدول، وهذا
سيعرض تحالفاتها للخطر، كل هذه المؤشرات تشير إلى أن العنف الذي يستخدمه ترمب
ومؤخراً مبعوثه ويتكوف الذي استخدمه ضد حركة «حماس» لن يجدي، بل على العكس سيكون
أكثر سلبية في تعزيز الثقة ما بين الدول والولايات المتحدة، وأيضاً في تهدئة
المنطقة في الشرق الأوسط.
لذلك، هذه كلها
معطيات ليست سهلة للتعاطي فيها من قبل ترمب الذي يخطئ الآن كثيراً في رسم السياسة
في المنطقة، ظناً منه أن الردع وأن العنف والقتل سيغير المشهد، وسيبني مقاسات كما
يريد، وهذا لو قام به ما قبل السابع من أكتوبر من الممكن أن ندرسه، أما بعد الفشل «الإسرائيلي»
والهزة الكبيرة للأمن «الإسرائيلي» الذي امتداده الأمن الأمريكي فمن الصعب أن
يدّعي أنه يصلح ما أفسدته الحالة «الإسرائيلية» من هيبة للأمريكي في المنطقة.
لأنه بعدم إلزام
ولجم «إسرائيل» التي تحاول تقسيم سورية لمنعها من البناء، والسيطرة على جنوب لبنان
للضغط على «حزب الله»، والاعتداء اليومي في الضفة، وبعد الإبادة التي ارتكبتها في
غزة؛ فإن المشهد سيفتح على تطورات جديدة كبيرة مفصلية لن يكون ترمب قد حسب نتيجتها
حينما استخدم الأراضي العربية وقصف اليمن، فعقلية ما قبل السابع من أكتوبر لم تعد
صالحة لما بعده.