تعتيم إعلامي.. لماذا غابت الكاميرا عن حرب السودان؟
لم تكن الحرب السودانية يومًا مجرد نزاع داخلي عابر، بل كانت –وما زالت– عاصفة إنسانية تستدعي إثارة بركان الضمير الإقليمي والعالمي، ملايين من البشر تركوا منازلهم، مدن بأكملها تحولت إلى أطلال، أطفال فقدوا الأمان، طلاب حرموا من المدارس، شعب بأكمله يصارع المجاعة والمرض في عزلة وصمت مفجعين، ورغم الصرخات المتتالية من جوف السودان، فإنها غابت عن الأخبار والشاشات؛ الأمر الذي يثير التساؤل: لماذا لم تجد حرب السودان نصيبها من التغطية الإعلامية؟!
تعتيمٌ متعمّد.. أم تجاهلٌ ممنهج؟
رغم صعوبة الإجابة عن هذا السؤال، فإن الإعلام العالمي أثبت أجمع أنه لا يتحرك وفق معيار الحدث –القوة والبشاعة ومستوى الدمار– بل وفق الأهمية الإستراتيجية والقابلية التجارية للخبر، فقبل أن تهمّ الكاميرات باتخاذ خطوة واحدة تجاه خبر أو حدث معين، لا بد أن تفحص الثمار التي ستجنيها من التغطية، فإن لم يكن لها فائدة سوى نقل الحقيقة، والإشهار بالمجرمين، ونصرة المظلومين؛ لم تتخط الكاميرات حاجز أغمادها.
والسودان رغم عمقه التاريخي، وثقله الإقليمي، فإنه لا يمثل في نظر المؤسسات الإعلامية الكبرى ملفًا يجلب الأرباح والمشاهدات، أما الثلة القليلة من المراسلين الذين حركهم ضميرهم الإنساني للتغطية ونقل الحقيقة، كانوا يُمنعون من الدخول تارة، ويُستهدفون تارة أخرى، ومن ثم غابت الكاميرات عن حرب السودان.
الزحام الإعلامي.. حين يُزاح السودان من العناوين
في زمن «الترندات»، أصبح الإعلام ينافس على الصخب لا على الحقيقة، حيث تتصدر الحروب الأكثر صدى مثل أوكرانيا، بينما تُهمش الأزمات التي لا تمتلك أدوات سياسية أو تكنولوجية أو حتى مادية للضغط، أو بمعنى آخر فإن السودان لا يمتلك ما يساوم به الرأي العالمي أو القوى الكبرى المتحكمة، فغابت حرب السودان عن خريطة المتابعة، وكانت النتيجة مأساة إنسانية تُدار بصمت، وأرواح تغادر المشهد كل لحظة دون أثر يذكر على الساحة الإعلامية العالمية.
غياب الرواية السودانية.. فراغ في الخطاب الإعلامي العربي
رغم خيانة الإعلام العالمي للحرب السودانية، فإن الإعلام المحلي السوداني لم ينجُ من الاتهام، ذلك لأن الأخير لم ينجح في تقديم رواية موحدة لهذه الصرخات، فضاعت القصة الأصيلة بين الانقسام السياسي وضعف الإمكانات وضجيج البيانات العسكرية والاتهامات المتبادلة.
وحينما تتسع الدائرة لتشمل الإعلام العربي نجده تعامل مع الحرب السودانية من زاوية الخبر الخارجي، لا من زاوية القضايا الإنسانية التي تمس وجدان الأمة، هكذا توالت الصرخات من السودان بلا صوت، وبلا منبر يترجم معاناتها إلى العالم.
السودان.. نداء إلى من تبقّى في الضمير
ما زال في السودان قصص لم تُروَ، وروايات قيد المعاناة والألم؛ أطباء يعملون في ظلام كاحل، وأمهات يحمين أطفالهن من القصف المستمر، وشباب يوثقون بكاميراتهم البدائية ما عجزت عنه أحدث أجهزة القنوات الفضائية، هؤلاء هم صوت الحق، والإعلام الحقيقي في زمن الصمت.
السودان لا يطلب تعاطفًا عابرًا، وإنما حق إنساني، وقانون دستوري في أن ترُى معاناته، وتُسمع صرخاته، حتى وإن لم توقف الكلمة الحرب، لأنها حتمًا ستفتح نافذة في جدار النسيان.
_______________