تقييم الذات وتعديل المسار

د. يحيى عثمان

22 أبريل 2025

149

الأخ الكريم د. يحيى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

نكتب إليكم لا لإصلاح علاقتنا الزوجية، فكل منا يرى أن الآخر قد دمّر علاقاتنا، وكان من المفترض منذ حوالي عام أن ننفصل! ولكن لدينا ثلاثة أولاد، أعمارهم الرابعة عشرة والتاسعة والخامسة، هم أغلى ما نعتز به وأهم ما وفق الله كلا منا في إنجازه عبر حياته. وبعد أن تناقشنا في إجراءات الطلاق بكل تقدير واحترام، واجهتنا مشكلة كيف نبلغ الأولاد وهم مرتبطون بنا ويرون كلًا منا نموذجًا للاقتداء. نعم، فقد حرص كل منا على أن يُظهر زوجه -المختلف معه- في أنقى صورة ممكنة، فظلت صورتنا الذهنية لدى أولادنا طيبة، بل ومطمئنة لهم، فأصبحوا مثلًا ليس فقط في الالتزام والسلوك الطيب والتفوق الدراسي والرياضي، بل والاجتماعي أيضًا. رغم أن خلافاتنا أوصلتنا لنقطة اللاعودة، إلا أن كلا منا يشهد بأن زوجه عفيف اللسان لا يتعدى التعبير عن الضيق حدود الأدب، وأقصى ما يفعله هو الصمت، ويكون حريصًا على أداء كل التزاماته تجاه زوجه وألا تطول مدة القطيعة ثلاثة أيام. كما أن كلا منا يشهد للآخر أنه يحقق احتياجات الأولاد من التربية الروحية والإشباع الوجداني والرعاية المادية والدعم الدراسي والمشاركة في الأنشطة الرياضية والاجتماعية، فكيف سيتم ذلك؟ لقد وجدنا أن هناك من يشاركوننا في أهم قرار في حياتنا وهو حياتنا الزوجية، وأننا لا نملك بمفردنا قرار الانفصال! بل وبتعبير أكثر دقة، هم من يملكون هذا القرار إن كنا حقًا نحبهم وحريصين عليهم، وحتى لا تضيع جهودنا وفضل الله فيما أنجزناه وما هم عليه الآن، وكم عانى كل منا من الآخر حتى تستمر السفينة ونؤدي الأمانة التي ابتلانا الله بها. أيقنا أن كلا منا محتاج للآخر كأب/كأم لأولاده.

نعم، بعد أن اتفقنا تقريبًا على كل إجراءات الطلاق، وجدنا أنفسنا مضطرين إلى أن نؤجله حتى ننتهي من أداء أمانة تربية أولادنا وننهي مسؤولياتنا تجاههم، وعدنا إلى المربع الأول كارهين تحت ضغط احتياج كل منا للآخر. طبعًا، من الناحية الشرعية، رفضنا فكرة أن يتم الطلاق ونعيش منفصلين في نفس البيت.

عدنا للمنزل ونحن محبطين لأن كلا منا كان قد هيأ نفسه أنه قد ارتاح من زوجه. بادر زيد: "حتى لا أزعجك، سأنتقل إلى غرفة المكتب لتكون غرفة معيشتي، وسأعلل ذلك للأولاد بأنني لا أريد أن أزعجك بشخيري. كما أنكِ غير مطالبة بأي التزامات تجاهي كزوجة، ومن جانبي سأوفي حقوقك الزوجية إن ألمحتِ لذلك! من جانبي سأرتب احتياجاتي مع المطعم والمغسلة." لم تستطع جواهر أن ترد واكتفت بقولها: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون".

لم يستطع أي منا النوم في هذه الليلة، فهي أول ليلة ينام فيها بمفرده منذ زواجه! وبدأ يسترجع مسيرة حياته! ويراجع سلوكه وسلوك زوجه، ونصدقك القول، كل منا كانت لديه القناعة الكاملة بأن زوجه هو المسؤول عما وصلنا إليه، وبرر لنفسه ردود أفعاله التي يراها أنها لم تكن مناسبة، ولكنها رد فعل خاطئ، نعم اعترف لنفسه أنها خطأ، ولكن من السبب؟ طبعًا الطرف الآخر.

من منطلق تعاهدهما على أن يحرصا على توفير الجو النفسي الطيب للأولاد، وحتى تكون تضحياتهما بالاستمرار وقبول التعايش والتراجع عن قرار الانفصال، فقد حرص كل منهما على تلبية احتياجات زوجه بشكل أفضل، فجواهر تستيقظ مبكرة كعادتها وتعد الإفطار وليتناولاه معًا بشكل يوحي للأولاد أن الأمور طبيعية، رغم أن كلا منهما يتجنب المواجهة البصرية ويتحاشى الآخر ما داما بعيدًا عن الأولاد. رغم أننا كنا في قمة التعاون لتلبية احتياجات الأولاد النفسية قبل المادية، إلا أننا نصدقك القول أن كل تصرفاتنا وكلامنا ونبرات صوتنا وحتى ملامح وجوهنا كانت تؤكد حالتنا النفسية المتردية. بدأ كل منا يقارن حالتنا والانفصال النفسي الذي نعيشه بحالتنا ونحن في قمة خلافاتنا، وكانت المفاجأة رفضنا لحالة الجمود التي نعيشها!

في مبادرة من زيد، من منطلق فهمه لمسؤوليته بالقوامة، أرسل مقالة عن كيفية تقييم كل زوج لزوجه! سبق نشرها بمجلة المجتمع الغراء لكم، تضمنت المحاور التالية:

ما هي قناعتك بجدوى الاستمرار/الانفصال؟ ولماذا؟ (الإيجابيات/السلبيات) & (90% : +90 ؟ & -10 ؟)

رتب أهم إيجابيات زوجك (الأحسن فالأقل).

رتب أهم سلبيات زوجك (الأكثر سلبية فالأقل) مع بيان:

(1) السبب:

بقصد/بدون قصد/لا أعلم

من سبب الخلاف:

زوجي: (أتجاهل/أستوعبه وأحاول التفاعل إيجابيًا/أنفعل ويتعقد الموقف أكثر)/...

أنا: سبب الخلاف رد فعل لتصرفي (يتجاهل/يستوعبني ويحاول التفاعل إيجابيًا/ينفعل ويتعقد الموقف أكثر)/...

سبب الخلاف: اختلاف القيم/بحكم العادة/المعاندة/انفعال لحظي/... أخرى ما هي؟ ....)

(2) ما هي الآثار المترتبة على هذه السلبية؟

(3) ما هي قدرته على التغيير؟

(4) ما هي رغبته في التغيير؟

(5) ما هي جهودي لمساعدته على التغيير؟

(6) معدل التكرار/فترة الخلاف/طريقة إدارة الخلاف/طريقة حل الخلاف/من يبادر/مدى استفادتنا من الخلاف؟ تأثر الآخر/......

ما هي انتقادات زوجي لي؟ (الموضوع أو السبب/مدى قناعتي بقيمة انتقاده/المعدل/الأسلوب/أثر انتقاده/رد فعلي/...)

إلى أي مدى يمكنني الالتزام بالتخلي عن سبب انتقاداته لي؟

ما هو الحد الأدنى الذي يجب أن يلتزم به زوجي حتى أسعد به؟

ما هي طلبات زوجي مني؟ ومدى قناعتي بحقه في ذلك؟ وما هو الحد الأقصى الذي يمكنني أن ألتزم به في تلبية طلباته؟

ما هي أهم سلبياتي كزوج، ودوري في علاجها؟

ما هي أهم ميزاتي كزوج؟

ما هي أحلامي لتطوير زواجنا وما هي خطتي لتحقيق ذلك؟

أود أن يعلم زوجي: ...

سؤال أود أن أوجهه لزوجي:

نصيحة لزوجي:

ما هي مزايا استمراري وما هي مساوئ استمراري، مرتبة تنازليًا.

ما هي مزايا انفصالي وما مساوئ انفصالي، مرتبة تنازليًا.

وأرفق بها إجابته، وكم أدهشني لومه لذاته، ولا أقول إنه كان موضوعيًا، بل كان متحيزًا لي!

بكيت كثيرًا، ولم أنم تلك الليلة، وآثرت ضبط انفعالي وعكفت على الإجابة عن هذه التساؤلات بموضوعية بقدر المستطاع بنية صادقة وهي الرغبة في العودة، ولكن بعد معرفة أسباب الخلافات وكيفية علاجها، وليس فقط الشوق العاطفي والحميمي لزوجي!

النتيجة لوم لذاتي وكيف كان يمكن لي تجنب الكثير من أسباب الخلاف واستيعاب الجزء الآخر وتقليل آثاره. ولكنني وجدتني في موقف صعب على نفسي، كيف أرسل له كل هذه الاعترافات بتقصيري؟ ولكنني تذكرت صراحته لي بأخطائه، وأيضًا كيف نعود ونحن لم نواجه أنفسنا بأخطائنا ولم نسعَ لعلاجها.

استعنت بالله وأرسلت له إجاباتي، فوجئت بمكالمته وصوته الحنون، وأنه قد حجز موعدًا لنا مع مركز إسلامي لرعاية الأسرة وتعديل السلوك.

تزوجنا نفسيًا، وبدأ ليلتنا بما تيسر من ركعات ودعاء لله، وكانت ليلة!

بدأنا رحلة شاقة من برامج منفردة لتعديل بعض المفاهيم والسلوكيات التي رأى الاستشاري المسؤول عن حالتنا ضرورة معالجتها، ثم عددًا من البرامج المشتركة.

لله الحمد، مع إخلاص النية والدعاء والالتزام بالتحصيل المعرفي والتدريب على اكتساب المهارات التي تدربنا عليها في ورش العمل، مما أطلق بفضل الله طاقاتنا وقدرتنا ليس فقط على فهم أنفسنا وفهم كل منا زوجه، بل والأهم هو استيعابه والتكامل معه.

هذه قصة خلافاتنا والتي بفضل الله كانت سببًا في إعادة زواجنا على أساس من التفاهم والتناغم، ونصيحتنا لكم مهما كانت درجة الخلافات، حتى لو وصل الأمر إلى الطلاق، احرصوا على:

الاحترام والتقدير، وبقاء خيط للرجوع.

احذروا الطعن في الطرف الآخر خاصة أمام أولادكم، وتذكروا أن الطرف الآخر أب/أم لأولادكم.

قيّموا الخلاف بطريقة موضوعية دون تجنٍّ على زوجكم، فأنتم لستم ملائكة كما أن زوجكم ليس شيطانًا.

تذكروا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" (رواه مسلم).

استشيروا/فكروا/استخيروا واستعينوا بالله وتوكلوا عليه جل شأنه سبحانه وتعالى.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة