ثقافة الفضيحة.. كيف أثرت على مجتمعاتنا؟

مصطفى عاشور

20 نوفمبر 2025

268

الفضيحة هي الثقافة السامة، فهي تؤدي إلى تفسخ المجتمعات؛ لأنها تدمر الثقة تلك المادة التي تحقق تماسك المجتمع، وفي ظل العصر الحالي، تحولت الفضائحية إلى مادة أساسية في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت الألسنة تتداول الفضائح والتسريبات الجنسية على سبيل المتعة والتسلية والتشفي، لكن لتلك الثقافة ثمنها القاسي، فهي تهون ارتكاب الرذائل وتخلق التقبل الاجتماعي لها.

الرقمية وروح الفضائحية

ساهمت الرقمية بدور فعال في خلق بيئة لنشر الفضائح وتداولها الواسع، وتحميل الفضيحة بالكثير من الخيالات والمادة التشويقية التي تجعل منها مادة للتسلية والمتعة، وتحويلها لثقافة مقبولة، فقبل عقدين من الآن لم يكن يتصور أحد استطاعة شخص عادي أن يكون عنصراً أساسياً في نشر فضيحة ما، إذ كان نشر الفضائح صناعة إعلامية يقوم عليها صحفيون وإعلاميون متخصصون فيما سمي بـ«الصحافة الصفراء» التي ركزت على الإثارة والفضيحة والشائعة لتحقيق نسب مبيعات عالية للصحف، أو ممارسة الابتزاز، لكن في الوقت الراهن أصبح بمقدور أحد الناشطين أو ما يسمى بـ«المؤثرين» أن يكون فاعلاً في إنشاء الفضيحة ونشرها.

تشير دراسة نشرها موقع (Statistica) المختص في الدراسات الإعلامية، نشرت في مايو 2025 عن المجتمع الأمريكي، أن أكثر من 86% من البالغين الأمريكيين، و54% من عموم الأمريكيين، يحصلون على أخبارهم من البيئة الرقمية وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني أن المصادر التقليدية كالتلفاز والإذاعة والصحف تراجعت كمصادر للحصول على الخبر والمعلومة.

هذا التغير في مصدرية الأخبار، جعل الشائعة والمعلومة المضللة والفضيحة حاضرة في كثير من الأخبار المتداولة، لكن الأكثر خطورة هو اتساع التداول وسرعة الانتشار، كما أن التقنيات الرقمية تؤثر في الإقناع من خلال استخدام الفيديوهات المُعدلة، والصور المفبركة باستخدام البرمجيات الحديثة والذكاء الاصطناعي.

في دراسة أجراها باحثو معهد ماساتشوستس الشهير، في مارس 2018، ونشرها موقع "ساسنس"، خلص الباحثون إلى أن الأخبار الكاذبة تنتشر أسرع بعشر مرات من الأخبار الحقيقية على وسائل التواصل الاجتماعي، فالفضيحة تنتشر بسرعة فائقة في العالم الرقمي، وتستطيع أن تحصل مئات الألوف من المشاهدات في ساعات قليلة، أما تكذيبها فلا يحظى بمثل هذا الانتشار والسرعة، فللفضيحة جاذبيتها وتشويقها الذي يغري بمتابعتها، أما الحقيقة فلا تتمتع بمثل تلك الميزات.

ثقافة الفضيحة في العالم الرقمي لم تعد معنية بالأفراد أو المشاهير، ولكن طالت كذلك عالم الاقتصاد وبخاصة الشركات، إذ تشكل سمعة الشركة، وفق دراسة نشرها معهد MDPI المتخصص في الإعلام الرقمي، ما بين 3% - 7.5% من إيراد الشركة، ولهذا تتعرض بعض الشركات الناجحة، أو حتى التي وقعت في أخطاء لاستغلال من خلال تلك الروح الفضائحية، وهنا يتداخل الأخلاقي مع الرقمي والربحي في تسويق تلك الفضيحة وتسريع انتشارها بما يضر بالشركات إضراراً كبيراً، وقد يؤدي إلى إفلاسها وإغلاقها.

نشير إلى دراسة إحصائية نشرها موقع (statista) في سبتمبر الماضي، إلى أن 67% من الأمريكيين يصادفون أخباراً كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الأسوأ الذي كشفت عنه الدراسة أن 10% من البالغين الأمريكيين شاركوا في صناعة هذه الأخبار الكاذبة عن عمد، وتؤكد الإحصاءات أنه يتم تداول 500 مليون تغريدة يومية على موقع «إكس» معظمها عبارة عن أخبار، كما تُنشر يومياً 95 مليون صورة ومقطع فيديو، ومعنى هذا أن الشخص أمام طوفان من الأخبار، لكن تبقى الفضيحة لها جاذبيتها الخاصة.

نشير هنا إلى فضيحة تعرضت لها الإعلامية الأمريكية كاثرين بوسلي، وكانت مذيعة تلفزيونية ناجحة، وأدت الفضيحة إلى فصلها من محطة التلفزيون التي كانت تعمل فيها، فدونت تجربتها في كتاب صدر عام 2023م بعنوان «إلى الأبد وللجميع أن يروه.. كيفية تجنب فضيحة وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية النجاة منها»، تحدث عن دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الثقافة الفضائحية، وقالت: «صورة وسائل التواصل الاجتماعي هي كل شيء»، فالصورة على تلك المواقع لها تأثيرها المؤذي بسبب الإغراء الشديد بمشاركتها وتداولها، فضغطة زر قد تسبب فوضى ودماراً كبيراً لسمعة شخص ما.

لكن ما لفتت الانتباه إليه هو أن الرقمية وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي قد تغذي بعض الأشياء السلبية في الإنسان، حيث يوجد ميل لمتابعة الفضائح والاستماع إليها، كما أن التواصل الذي تتيحه الرقمية يؤدي إلى أن تكون خصوصيات الشخص مكشوفة أمام الكثير من الناس على تلك المواقع؛ وهو ما يسهل استغلال ذلك في الجانب الفضائحي، وليس هناك شخص أو مؤسسة بمنأى عن إمكانية التعرض للفضيحة في العالم الرقمي.

لماذا تستهوينا الفضائح؟

الحقيقة أن الكثير من الأشخاص يهتمون بمتابعة الفضائح بشغف، أو ترديدها، أو حتى المشاركة في صنعها، وهذه مشكلة أخلاقية كبيرة، لها مضارها الاجتماعية، ولكن السؤال هنا: لمَ تستهوينا متابعة الفضائح؟

الأخلاقيون وعلماء النفس والاجتماع أشاروا إلى أن الفضائح تحولت لثقافة للكثيرين يغذون بها أوقات فراغهم، ويتحصلون من خلالها على متعة زائفة، ويمكن إجمال دوافع متابعة الفضائح على النحو التالي:

1- العاطفة: الكثير من الفضائح ليست أوهاماً، ولكنها أخطاء وقعت بالفعل، ومن ثم فتؤدي العاطفة دوراً في متابعة الفضيحة بروح الغضب أو التشفي أو الفضول، فالفضيحة دوماً مشحونة بالعاطفة.

2- روح النميمة: هناك مجتمعات تعد بيئة خصبة لانتشار النميمة، خاصة المجتمعات المغلقة والريفية ومجتمعات العمل، وهذه تجد في الفضيحة مادة مسلية، حيث تشير دراسات نفسية إلى أن النميمة تؤدي إلى نوع من الترابط الاجتماعي، لكن هذا الترابط ضار، ويشبه الترابط بين متعاطي المخدرات.

3- تغذية الشعور بالتفوق الأخلاقي: الفضيحة تغذي شعور الشخص بأنه متفوق أخلاقياً على غيره الذي وقع في بئر الفضيحة؛ ولذا فهو يتحدث عن الفضيحة وكأنه يمدح نفسه وقوته الأخلاقية إذ لم ينجرف إلى تلك الخطيئة.

4- الإحساس بالعدل: انتشار الفضيحة بين الناس يغذي شعورهم بأن هناك ميزاناً للعدل يتحقق أمامهم، وهذا يجعلهم يخوضون في الفضيحة وكأنهم يؤدون واجباً مقدساً أو تكليفاً دينياً.

5- جاذبية الفضيحة أو المحظور: في أغلب الأحيان، تؤشر الفضيحة على أن هناك انتهاكاً كبيراً لمحظور، وهذا يغري بمتابعتها.

6- الهروب من الأزمات: البعض يتابع الفضيحة لأنها تشغله عن أزماته، وقد تلجأ بعض الأنظمة لخلق فضائح معينة لصرف انتباه الناس عن متابعة قضاياهم الأساسية.

7- الرغبة في الشماتة: وقد تحدث علماء النفس عما أسموه «شادنفرويد» (Schadenfreude)؛ وهي كلمة ألمانية تعني «المتعة المستمدة من مصيبة شخص آخر»، وهذه المتعة تسمى في العربية الشماتة، وهو شعور يغذيه الحقد والحسد والغيرة والرغبة في الانتقام.



اقرأ أيضاً:

قراءة الغزالي في فضيحة «إبستاين»

التسريبات الإباحية.. الآثار وطرق المواجهة

زمن «الفضيحة الحلال».. من همس الإفك إلى فوضى التسريبات!

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة