جرائم الاحتلال الصهيوني في مستشفى «الشفاء» بغزة

د. أشرف عيد

02 أبريل 2024

1168

تحظى المستشفيات بحماية خاصة في الاتفاقيات الدولية على نحو ما نجد في اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على: «لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية حيث يوجب القانون الدولي احترامها وحمايتها»، وقد اعتمدت اتفاقيات جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949م، ونصت المادة (18) منها: «لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات».

ومنذ الأشهر الستة الأخيرة، قتل الاحتلال مئات الأطباء واعتقل مئات آخرين نتيجة الاعتداءات المنظمة على المستشفيات في غزة، وهذه الجرائم التي يشاهدها العالم ويصمت عنها المجتمع الدولي الذي يكتفي بالمشاهدة وإبداء الأسف لما تتعرض له مستشفيات غزة من قصف وتدمير وقتل واعتقال للكوادر الطبية، وحرمان المرضى من العلاج؛ أمر مشين للغاية؛ حيث أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن موافقة العالم على استمرار القصف «الإسرائيلي» لمستشفيات غزة أمر يخالف الضمير ولا يصدق.

وقد قامت قوات الاحتلال بالاقتحام الأول لمجمع الشفاء الطبي بغزة في منتصف نوفمبر الماضي، واعتقلت الكوادر الطبية به يوم 23/ 11/ 2023م، ومنهم مدير المستشفى د. محمد أبو سلمية الذي تعرض للتعذيب الإهانة؛ فكسروا يديه ورجليه بسبب رفضه الإذعان لمزاعم الاحتلال باستخدام المستشفى لأغراض عسكرية بما يمثل جريمة ضد الإنسانية والأعراف الدولية التي تجرم الاعتداء على المؤسسات المدنية في حالة الحرب، وقد أتاح للاحتلال له القيام بذلك ما وجده من صمت المجتمع الدولي عن جرائمه بحق المؤسسات المدنية والأبرياء في غزة.

وعادت قوات الاحتلال باستهداف مجمع الشفاء الطبي للمرة الثانية فجر الإثنين 18/ 3/ 2024م الذي يضم أكثر من 7 آلاف مريض ونازح وسط إطلاق نار كثيف من الدبابات والمسيرات والجنود، وقتل ودهس المرضى والنازحين، وقصف المنازل المحيطة بالمستشفى التي تجاوزت 1000 منزل، وفرض عليهم حصارًا محكمًا، ومنع طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إلى الجرحى وإسعافهم أو انتشال الجثث ودفنهم.

الإعدامات المتنوعة للمحاصرين في مستشفى الشفاء

قام الاحتلال بإعدامات بوسائل متنوعة للمحاصرين في المستشفى، وتلك هي السياسة المعهودة دائمًا للاحتلال بالتعامل غير الإنساني مع المدنيين، حيث قامت بدهس بعضهم أثناء الاقتحام بالجرافات والدبابات، والقتل العمد بإطلاق الرصاص مباشرة عليهم من قبل الجنود والقناصة، وقد توالت الاعترافات المتتالية لجيش الاحتلال بمقتل 90 فلسطينيًا يوم الأربعاء 20 مارس 2024م، وقتل 50 مدنيًاً في اليوم التالي، واعتقال قرابة 200 آخرين في المجمع ومحيطه.

وأشار مدير مكتب الإعلام الحكومي بغزة إلى أن الاحتلال قام بإعدامات خلال الأسبوعين الماضيين داخل مجمع الشفاء الطبي؛ فأعدم 5 أطباء وممرضين، وقتل أكثر من 400 مدني داخل مجمع الشفاء ومحيطه، وقتل 13 مريضًاً بمنع عنهم الدواء والمحاليل والكهرباء والغيارات والأكسجين؛ مما تسبب في وفاتهم، في مخالفة واضحة وصريحة للقانون الدولي ولاتفاقيات حقوق الإنسان.

وكشف المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان عن توثيقه إعدام جيش الاحتلال الصهيوني لـ13 طفلاً في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه خلال الأسبوع الأخير، ويروي الشهود الناجون من المذابح التي قامت بها سلطات الاحتلال في مجمع الشفاء الطبي أنهم طالبوا منهم -تحت تهديد السلاح- خلع ملابسهم، ثم قالوا لهم: أنتم في أمان؛ اذهبوا إلى رفح، وعند ابتعادهم قاموا بإطلاق النار عليهم كأنهم يصطادون طيراً! إضافة إلى تمركز قناصة الاحتلال في المستشفى ومحيطه الذين يقومون بإطلاق النار العشوائي علي كل من يتواجد أمامهم حتى غدت جثامين الشهداء منتشرة في جميع طرق المستشفى ومحيطه ملقاه على الأرض أياماً طويلة.

الاعتقال والتعذيب

قامت قوات الاحتلال باعتقال وتعذيب المرضى والنازحين والطواقم الطبية داخل ومحيط مجمع الشفاء الطبي شملت النساء والأطفال؛ وأجبرتهم على افتراش الأرض وخلع ملابسهم وتفتيشهم، واستخدم بعضهم دروعًا بشرية في ظروف غير إنسانية، وقد بلغ عدد من اعتقلوا من مجمع الشفاء نحو 1000 من المدنيين، تم نقل منهم 160 شخصًا إلى «إسرائيل» للتحقيق معهم.

وشمل الاعتقال التنكيل والتعذيب والإهانة والمنع من الطعام والماء، ومنع الدواء والعلاج عن المرضي، حتى تعفنت جروحهم بسبب انعدام الغيارات والأطباء والممرضين والمستلزمات الطبية حتى توفي بعضهم، وينتظر الآخرون منهم الموت، وكان 107 من المرضى محاصرين داخل أحد مباني مجمع الشفاء في ظروف غير إنسانية، منهم 30 مريضًا مُقعداً، وقرابة 60 من الطواقم الطبية، ولا يستجيب الاحتلال لأي نداء من المؤسسات الدولية لإجلائهم.

إن جرائم الإبادة والتعذيب التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق مستشفى الشفاء لا توصف، ولا يتصورها عقل إنسان، فمن لم يمت بالرصاص سيموت جوعًا وعطشًا أو يقتله جرحه أو مرضه عندما يمنع عنه العلاج؛ فالجوع والمرض يمكن أن يقتلا عددًا أكبر ممن تقتلهم الأسلحة.

ويحاول الاحتلال ترويج أكاذيبه وتبرير جرائمه التي يشاهدها العالم مدعيًا أن المستشفى يحتوي على عناصر من المقاومة، ويستخدم لأغراض عسكرية، وأن مهمته بالمستشفى لم تنته بعد، ويزعم أنه اعتقل عدداً من أفراد المقاومة في المستشفى.. إلى آخر تلك الأكاذيب التي يحاول من خلالها تبرير جرائمه.

وقد وجه كريستوفر لوكيير، الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود، سؤالاً إلى مجلس الأمن قائلاً: كيف يمكننا الحفاظ على أي نوع من الاستجابة عندما يتم استهداف العاملين في المجال الطبي ومهاجمتهم وتشويه سمعتهم بسبب مساعدتهم للجرحى؟ لا يوجد نظام صحي يمكن الحديث عنه في غزة؛ حيث قام الجيش «الإسرائيلي» بتفكيك المستشفيات الواحد تلو الآخر!


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة