حتى الأغاني اليهودية غيرتها "غزة".. !!

محمود سلطان

17 نوفمبر 2025

410


 

في 1 أغسطس 2025م، كتب القس جرايلان سكوت هاجلر، في الموقع اليساري الأمريكي «counterpunch»، قائلاً: «نحن بحاجة إلى هاري بيلافونتي الآن!»، مشيرًا إلى أنه في عام 1985م، أطلق المغني والناشط السياسي الشهير هاري بيلافونتي مبادرة «الولايات المتحدة الأمريكية من أجل أفريقيا»، وجمع بعضًا من أبرز المطربين في ذلك الوقت للتركيز على المجاعة في إثيوبيا والسودان.

استلهم بيلافونتي فكرة إنشاء استجابة أمريكية للمجاعة، بعد أن استلهم من المبادرة البريطانية/الأيرلندية «باند إيد» أغنيتها الإغاثية «هل يعرفون أنها عيد الميلاد؟».

كتب مايكل جاكسون، وليونيل ريتشي أغنية «نحن العالم»، وأنتجها كوينسي جونز، وارتفعت جماهيرية الأغنية، وحصلت على البلاتين الرباعي، وجمعت من الترويج والبضائع أكثر من 80 مليون دولار، للجهود الإنسانية وجهود الإغاثة في أفريقيا.

كانت البلاد تستمع وتدندن وتشاهد فنانها المفضل، في مقاطع فيديو وهو يغني «نحن العالم»، بينما كانت طائرات الشحن المحملة بإمدادات الإغاثة تقلع إلى السودان وإثيوبيا لإطعام الأطفال الجائعين.

سعت حملة «نحن العالم» إلى توعية الناس بأن الأطفال السود في أفريقيا لا يقلون أهمية عن الأطفال البيض، في أبالاتشيا أو في مناطق أخرى من أمريكا.

كان الأطفال الأفارقة الجياع أيضًا «وجه الله» -على حد تعبير هاجلر- تمامًا مثل أي طفل أو حياة أخرى، وأي قلب بارد بما يكفي، ليتجاهل صور الجوع، كان قلبًا قاسيًا لا ينبض، وشخصًا ميتًا، كان ذلك عام 1985م.

تطلّب الأمر هذا النوع من الترويج لإثارة تعاطف الجمهور، مع ضحايا الجوع والمجاعة، ولكي يرى العالم ويسمع ويتعاطف، ويسعى جاهدًا لتخفيف المعاناة في أفريقيا.

واليوم يتساءل القس جرايلان سكوت هاجلر: أين الفنانون والمغنون، ومغنو الراب وكتَّاب الكلمات والمؤثرون الثقافيون، لرفع مستوى إلحاح المجاعة في غزة وتذكيرنا بأننا «نحن العالم»، وأننا مرتبطون بطفل جائع في غزة، كما نحن مرتبطون بأطفالنا؟

نحن بحاجة إلى رؤية ظهور جماعي من الفنانين والشعراء والمؤثرين من جميع الأنواع، الذين يلهموننا نحو إطعام أطفال غزة، ولكن أيضًا للمطالبة بإنهاء الحرب، ووقف الإبادة الجماعية ووقف الاحتلال.

أطفال غزة

«نحن العالم»، غنوا في عام 1985م على المجاعة والحرب في أفريقيا، دعونا نجد الكلمات الآن وفي هذه اللحظة للغناء والمطالبة، وتحدي الولايات المتحدة والعالم، عندما يتعلق الأمر بغزة لإظهار أن هناك من يهتم، وستكون حياتهم أقوى وحرة، كما أظهر لنا الله بتحويل الحجر إلى خبز، ولذا يجب علينا جميعًا، تقديم يد المساعدة، دعونا نطعم أطفال غزة ونحرر فلسطين!

كانت أغنية مغني الراب الأمريكي ماكليمور، التي تُجسّد قضية غزة، تُعرف سابقًا باسم «متجر التوفير»، لكنها الآن تُعرف باسم «قاعة هيند»، وقد أثارت ضجة كبيرة، لكونه من أوائل الفنانين الموسيقيين البارزين، الذين أدانوا صراحةً استمرار الحكومة الأمريكية في تقديم المساعدات لـ«إسرائيل».

سُمّي الفيديو تكريمًا لطفلة، في السادسة من عمرها، قُتلت في غزة بعد انتظارها أيامًا للحصول على المساعدات، ويُظهر مقتطفات من غزة واحتجاجات عالمية، كما بثّت إذاعة «فلاي إف إم» الماليزية الأغنية لمدة 24 ساعة متواصلة مؤخرًا تضامنًا مع فلسطين، كما أعلن ماكليمور أن جميع عائدات بث الأغنية سيُتبرع بها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

أغنية كيهلاني

فنانة أخرى نادرة من الفنانين المشهورين، عبّرت عن موقفها من الحرب من خلال الموسيقى، وقد دأبت مغنية «الآر آند بي» الأمريكية كيهلاني على دعم الفلسطينيين الصريح، حتى إنها شاركت في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في لوس أنجلوس.

يتضمن الفيديو مشهدًا راقصًا حيويًا، وملابس مستوحاة من الكوفية، ورفعًا للأعلام الفلسطينية، وفي نهاية الفيديو، يقول النص: «حاولنا صنع مخطوطةٍ تُخلّد أسماء آلاف الأطفال المتوفين، كانت القائمة طويلةً جدًا لدرجة أن أسرع مخطوطةٍ لدينا، التي استغرقت 3 دقائق، كانت غير قابلةٍ للقراءة».

كيهلاني، التي وصل ألبوماها الأول، إلى قائمة أفضل 3 ألبومات في الولايات المتحدة عامي 2017 و2020م، أعلنت دعمها لفلسطين علنًا عدة مرات، وظهرت أمام أعلام فلسطين في فيديو أغنيتها «Next 2 U» الصادرة عام 2024م، مرتدية بدلة مطرزة بكوفية فلسطينية، كما يتضمن الفيديو عبارة «عاشت الانتفاضة» في البداية، وهي عبارة رُددت في الاحتجاجات على حرب «إسرائيل» على غزة.

وساهمت إيزابيل فراي، المغنية اليهودية وخبيرة الموسيقى العرقية، بمحاكاة ساخرة للنشيد الوطني «الإسرائيلي» «هاتيكفا» في مجموعة من الأغاني اليديشية تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة، وإدانة القومية العرقية اليهودية، ومن بين كلمات الأغنية: «لا نحتاج جيوشًا، لا نريد دولة، قوتنا لا تأتي من المدفعية».

والمثير للدهشة أن الألبوم، المكون من 17 أغنية لا يتضمن أي رثاء للرهائن «الإسرائيليين»، ولا إشارة صريحة إلى هجوم «حماس»، في 7 أكتوبر 2023م، الذي بدأت بعده الحرب، وورد فيها كلمة «إبادة جماعية» أكثر من 12 مرة.

والمنتجون جميعهم شخصيات معروفة، في المجتمع اليديشي العلماني العالمي: دوبكين (42 عاماً)، هو منتج صوتي وشاعر مقيم في بروكلين يؤدي ويدرس في المهرجانات اليديشية، وفراي (30 عاماً)، وهي مغنية وخبيرة في الموسيقى العرقية تكتب وتسجل أغاني الاحتجاج اليديشية في موطنها فيينا، والتزكي (77 عامًا)، وهو مؤلف غزير الإنتاج لأغنية يديشية جديدة بعنوان «Lider mit Palestine» التي نشأت جزئيًا من ورشة عمل لكتابة الأغاني أدارها في مهرجان نيويورك اليديشي في ديسمبر 2023م.

كان ذلك بعد بضعة أشهر فقط من بدء العملية العسكرية «الإسرائيلية» على غزة، وتدفقت الأغاني اليديشية المكتوبة حديثًا، واللغة اليديشية لغة يهود أوروبا الشرقية وجميع الأماكن التي انتشروا فيها.

إنها لغة الاشتراكيين والرأسماليين، والثوار الذين حاربوا النازيين، ومعظم الملايين الذين قُتلوا في المحرقة، إنها لغة عشرات الآلاف من اليهود الأرثوذكس الحريديم، ولغة «ما بعد العامية» التي تُغذّى في البرامج الأكاديمية والمهرجانات الثقافية، وفي مجتمع صغير ولكنه نشيط من الناطقين باليديشية والكتَّاب والمترجمين والموسيقيين، وذلك بحسب ما كتبه أندرو سيلو-كارول في موقع «times of israel»، في يوليو 2025م.

وفي السياق، يعرف نادي واشنطن العاصمة بحفلاته الموسيقية المتنوعة، ولكن من النادر أن ترى القاعة مُزينة بالأعلام والكوفيات الفلسطينية، ففي أول يوليو 2024م قدّم الفنان سانت ليفانت عرضًا أمام حشد كامل العدد في ليلة احتفالية وتأملية بشأن غزة.

أوقفوا الرعب

وفي 3 أغسطس 2025م، كشفت «القناة 12» الإخبارية العبرية عن عريضة بعنوان «أوقفوا الرعب في غزة»، وقع عليها نحو ألف موسيقي وكاتب وممثل وآخرون، تتهم قادة «إسرائيل» بتجويع سكان غزة عمداً، وقتل الفلسطينيين الأبرياء، وجاء فيها: «خلافاً لقيمنا وإرادتنا، نجد أنفسنا متواطئين في الأعمال المروعة التي تنفذها حكومتنا في غزة؛ قتل الأطفال والمدنيين، وسياسات التجويع، والنزوح الجماعي، والتدمير غير المبرر لمدن بأكملها»، كما كتب الموقعون.

وحث البيان المشاركين في الحرب على عصيان الأوامر غير القانونية، وعدم ارتكاب جرائم حرب، داعيًا إلى إنهاء الحرب وإعادة جميع الرهائن.

وكان من بين الموقعين على العريضة المغنيتان حافا ألبرشتاين، وجيدي جوف، وفنان الجاز أفيشاي كوهين، والكاتبان ديفيد جروسمان، وإتجار كيريت، والكاتب المسرحي يهوشوا سوبول، والممثلة هانا لازلو، والرسام المتحرك ديفيد بولونسكي، ومصمم الرقصات أوهاد نهارين.

والحال أن غزة لم تعد هذا الشريط الصغير على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإنما باتت بحجم الكرة الأرضية، ولم يبقَ على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا قد دخلته غزة، ولعله قد صدق من قال: إن كلَّ هذا الدم البريء لن يذهب هدرًا، بل شارة إلى أنَّ الأرض تتهيأ لأمر جلل.



اقرأ أيضاً:

كليب أنشودة اسلمي غزة

الفن الفلسطيني المقاوم.. تمسُّك بالهوية وصناعة وعي للأجيال

أبطال من «طوفان الأقصى».. حكايات الصمود من جبهات الطب والقلم والصورة

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة