حرب التجويع في غزة!

سمعنا كثيرًا بالمجاعة في عصرنا الحاضر،
وخصوصًا في القارة الأفريقية، التي تقتات أوروبا على خيراتها وتركت غالبية أهلها
في ظلمات الجهل والفقر والجوع!
والجوع لم يعد مسألة إنسانية بحتة، بل
أُدخل ضمن السياسات الداخلية والخارجية، وهكذا صرنا أمام سياسات منع الطعام
والشراب عن شعب ما لتحقيق أهداف سياسية، وربما، يكون الجوع نتيجة لظروف إنسانية
قاهرة، أو لسياسات همجية تسعى لإبقاء الشعوب أسرى لرغيف الخبز.
واستخدمت سياسة التجويع في الحروب من
الأنظمة المتعطشة للدماء، ومن هنا يقال: «أجاع الأسرى: منعهم الطَّعامَ
والشَّرابَ، سبَّب لهم الجوعَ»، وكذلك يقال: «حاصر المدينة حتَّى يُجيع أهلها».
ولقد وقعت في التاريخ الإنساني القديم
والحديث العديد من المجاعات، وربما من أبرزها: مجاعة الشام في العام 1915م،
والمجاعة السوفييتية في العام 1932م، والمجاعة الصينية الكبرى في العام 1932م،
والمغرب في العام 1944م، وفيتنام في العام 1945م، والعراق بعد العام 1990م،
والسودان في العام 1998م، واليمن في العام 2016م، وغزة في العام 2025م!
وتأكيدًا لسياساتها السوداء، تستمر
السلطات «الإسرائيلية» بمنع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في
الشرق الأدنى (الأونروا) من إدخال الطعام إلى غزة لأكثر من 4 أشهر، وهذا تجويعٌ
مُتعمد وذو دوافع سياسية.
وحصار غزة وصل لمرحلة مخيفة، وهنالك نسبة
ليست قليلة من سكانها وصلوا إلى المرحلة الخامسة من المجاعة، وهي التي لا يمكن
علاجها حتى لو توفر الطعام في المستقبل!
وكشفت د. هديل القزّاز، المتحدثة باسم
منظمة «أوكسفام»، وهو اتحاد دولي للمنظمات الخيرية التي تركز على تخفيف حدة الفقر
في العالم، اليوم 21 يوليو 2025م، عن دخول غزة رسميًا في المرحلة الخامسة من تصنيف
الأمن الغذائي؛ وهي المرحلة القصوى التي تعني إعلان المجاعة؛ ما يستدعي عادة إعلان
حالة طوارئ دولية وتجندًا عالميًا للإغاثة.
قالت «صحة غزة»، في 19 يوليو 2025م: إن
المجاعة في القطاع وصلت إلى مستويات كارثية، وأكثر من مليوني إنسان يواجهون الجوع،
والعالم صم آذانه عن صرخات الأطفال المجوّعين، فقد استشهد 71 طفلًا بسبب الجوع
وسوء التغذية!
إن من أشد المعارك هي معركة الأمعاء
الخاوية؛ لأن الإنسان لا يمكنه أن يحيا حياة مستقرة، ولا نقول: مطمئنة، دون تناول
على الأقل ما يسد رمقه من الطعام!
والمؤلم أن سلاح التجويع مفاتيح تفكيكه
في أرض عربية، ويمكن عبر معبر رفح المصري أن يجهض هذا السلاح وترسل المعونات التي
تنقذ الناس من الموت المحقق!
مأساة الموت الجماعي في غزة بسبب المجاعة
صار واقعًا لا يمكن القفز عليه، فكيف يمكن القبول بهذا العار الذي سيلاحقنا إلى
عشرات السنين ونحن نتابع موت أهل غزة هاشم أمام أعيننا ونحن لا نملك إلا الدعاء
والحوقلة؟
وقد شاهدنا كيف أن الناس يتساقطون في
شوارع القطاع من هول المجاعة القاتلة التي يعانون منها، بينما تلتزم الدول العربية
المجاورة الصمت التام المطبق!
ومن هنا جاءت صرخة أبو عبيدة، الناطق
العسكري باسم «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)،
قبل 3 أيام، الذي صارح الدول العربية بكلام لم يتناوله من قبل، وأكد بأن «رقاب
قادة الأمة الإسلامية والعربية ونخبها وعلمائها مثقلة بدماء عشرات آلاف الأبرياء
ممن خُذلوا بصمتهم، أما تستطيع أمة كبيرة عظيمة مجيدة أن تدخل طعامًا وماء ودواء
للمجوّعين والمحاصرين وأن توقف شلال دمائهم الذي يُهدر من أجل إقامة إمبراطورية
صهيونية على أرض العروبة والإسلام؟!».
وهذه المجاعة تأتي في وقت أكدت فيه «الأونروا»
بأن لديها ما يكفي من الغذاء لسكان غزة لأكثر من ثلاثة أشهر، وأن هذه المواد مخزنة
في المستودعات، بما في ذلك هذا المستودع في العريش بمصر، وهي جاهزة للدخول، وأن
الإمدادات متوفرة، والأنظمة جاهزة.
وطالبت «الأونروا» بفتح المعابر ورفع
الحصار، والسماح لفرقها لأداء عملهم ومساعدة من هم بأمسّ الحاجة، ومن بينهم مليون
طفل.
وقد أكدت «الأونروا» أن العائلات لا
يمكنها العثور على الطحين، والناس يعيشون بدون وجبات لأيام، وأن الأسعار ارتفعت
بأكثر من 500%.
وقبل ساعات، ذكرت «وكالة الصحافة
الفرنسية»، نقلًا عن مسؤول أممي، أن قوات «إسرائيلية» أطلقت النار على حشود بغزة
حاولت أخذ طعام من قافلة لبرنامج الأغذية العالمي!
فأي استخفاف بالإنسان والقوانين
الإنسانية هذا الذي نراه في غزة؟!
إن جريمة العصر التي ترتكبها «إسرائيل»
سيسجلها التاريخ كواحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسان والأحياء في غزة، وفي ذات
الموقف سيسجل التاريخ أن الغالبية العظمى من دول العالم وخصوصًا العربية
والإسلامية منها قد خذلت غزة، وبقيت تتفرج على الموت البطيء لأهلها عبر القنوات
التي تنقل المأساة أولاً بأول!