حرب الإبادة في غزة تنتقل إلى الضفة الغربية.. ماذا تريد «إسرائيل»؟
في الوقت الذي ما زالت غزة تلملم جراحها من حرب إبادة مدمرة شنها الاحتلال «الإسرائيلي»، تشهد الضفة الغربية تصعيداً غير مسبوق يعكس بوضوح نية «إسرائيلية» لنقل الحرب إلى هذا الجزء المهم من الأراضي الفلسطينية، ويبدو أن الاحتلال الذي يمارس سياسة الأرض المحروقة في غزة، يسعى لتوسيع دائرة الصراع من خلال استهداف المدنيين الفلسطينيين، وارتكاب انتهاكات جسيمة تحت مظلة «الأمن».
هذا التحول في بوصلة الحرب يثير تساؤلات جوهرية: لماذا تعمل «إسرائيل» على تصعيد الأوضاع في الضفة بعد حرب إبادة ضد غزة؟ وهل تهدف إلى استكمال مشروعها الاستعماري بوسائل جديدة تركز على تفكيك النسيج الفلسطيني وفرض وقائع جديدة؟
الضفة في قلب الإستراتيجية «الإسرائيلية»
مع انتهاء العمليات العسكرية في غزة، تسعى «إسرائيل» إلى تحويل الأنظار ونقل الضغط إلى الضفة الغربية، مستغلة الوضع الإنساني الكارثي الذي خلفته حربها على القطاع، الهدف هنا يبدو متعدد الجوانب، حيث تسعى «تل أبيب» إلى توظيف ما وصفه محللون بـ«الإستراتيجية التوسعية القمعية»، التي تعتمد على القتل والتدمير لفرض هيمنة كاملة على الأرض الفلسطينية.
في هذا السياق، بات من الواضح أن الاحتلال يستهدف ضرب الروح المعنوية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، كما فعل في غزة، فالاعتقالات الجماعية، والإعدامات الميدانية، وهدم المنازل، وتوسيع الاستيطان، كلها أدوات تُستخدم لتكريس واقع الاحتلال وتقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
أهداف «إسرائيل» من تصعيد الأوضاع بالضفة الغربية
1- استكمال مشروع السيطرة على الأراضي الفلسطينية:
بعد تدمير غزة وقتل الآلاف من المدنيين، تريد «إسرائيل» تعزيز قبضتها على الضفة الغربية، التي تعتبرها جزءاً محورياً من مشروعها الاستيطاني، الخطط «الإسرائيلية» تهدف إلى السيطرة الكاملة على مناطق «ج» وفق اتفاق أوسلو، وتهجير سكانها، من خلال زيادة حدة القمع والضغط.
2- إضعاف المقاومة الفلسطينية على كافة الجبهات:
تدرك «إسرائيل» أن استمرار المقاومة في غزة والضفة معاً يشكل تهديداً وجودياً لمشروعها الاستعماري؛ لذلك، تهدف العمليات في الضفة إلى تفكيك بنية المقاومة، سواء كانت منظمة أو فردية، عبر استهداف القادة الميدانيين، وملاحقة النشطاء، وتشديد الحصار العسكري.
3- محاولة تحييد الغضب الشعبي والدولي بعد حرب غزة:
تسعى «إسرائيل» إلى تخفيف الضغط الدولي المتزايد جراء جرائمها في غزة، عبر تصعيد الأوضاع في الضفة، بحيث تُبعد التركيز عن القطاع وتحول الأنظار إلى مواجهات ميدانية جديدة.
4- توسيع الاستيطان وتهجير الفلسطينيين:
يترافق التصعيد في الضفة مع تسارع في مشاريع الاستيطان، حيث تستغل «إسرائيل» حالة الفوضى لفرض واقع ديموغرافي جديد، عمليات الهدم المتكررة والتهجير القسري للفلسطينيين في القدس ومناطق الأغوار وغيرها تهدف إلى إكمال مشروع تهويد الضفة.
استمرار جرائم الإبادة.. أدوات مختلفة وأهداف واحدة
ما يجري في الضفة ليس سوى امتداد لحرب الإبادة التي شُنت على غزة، الاحتلال الذي دمر البنية التحتية في القطاع وارتكب مجازر بحق عائلات بأكملها، ينقل أسلوبه الوحشي إلى الضفة، ولكن هذه المرة بأساليب ناعمة تركز على الاعتقالات الجماعية والمواجهات اليومية لإضعاف الفلسطينيين دون إثارة ردود فعل دولية كبيرة.
تصعيد الاحتلال في الضفة الغربية يعكس إستراتيجية متكاملة تهدف إلى كسر الإرادة الفلسطينية على كافة المستويات، فمن خلال سياسة «الضغط المتدرج»، يحاول الاحتلال ضرب المقاومة عبر استنزافها في معارك صغيرة ومستمرة.
المقاومة الفلسطينية أمام تحديات جديدة
رغم القمع المتواصل، أثبت الشعب الفلسطيني مراراً وتكراراً قدرته على التكيف مع الضغوط، وفي الضفة الغربية شهدنا تصاعداً ملحوظاً في العمليات الفردية التي تستهدف الاحتلال ومستوطنيه، هذه العمليات تُعتبر رداً مباشراً على الجرائم «الإسرائيلية»، لكنها أيضاً تعكس تصميم الفلسطينيين على الدفاع عن أرضهم.
الإستراتيجية «الإسرائيلية» التي تهدف إلى تقسيم الجبهات الفلسطينية بين غزة والضفة تواجه تحدياً حقيقياً في ظل تزايد التنسيق بين فصائل المقاومة، وسعيها إلى مواجهة الاحتلال بوحدة الصف والموقف.
الموقف الدولي والعربي.. بين التنديد والعجز
في ظل هذا التصعيد، يبقى الموقف العربي والدولي بعيداً عن الفاعلية، ورغم الإدانة الواسعة لحرب الإبادة في غزة، فإن الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع «إسرائيل» تقف عاجزة أمام الجرائم المستمرة.
أما المجتمع الدولي، فقد اكتفى بـ«التعبير عن القلق» تجاه ما يحدث في الضفة، دون اتخاذ خطوات عملية لوقف التصعيد «الإسرائيلي» أو محاسبة الاحتلال على جرائمه.
نحو مواجهة شاملة مع الاحتلال
نقل الاحتلال «الإسرائيلي» لحربه من غزة إلى الضفة الغربية يعكس نية مبيتة لفرض حل الأمر الواقع، الذي يقوم على تكريس الاستيطان وتهجير الفلسطينيين، لكن هذه السياسة، التي قد تبدو ناجحة على المدى القصير، تحمل في طياتها أخطاراً كبيرة على استقرار المنطقة بأكملها.
الشعب الفلسطيني يدرك أن معركته اليوم لم تعد محصورة بجبهة واحدة، بل هي معركة شاملة ضد الاحتلال وسياساته، الوحدة الوطنية والمقاومة الشعبية أصبحتا ضرورة ملحة لمواجهة هذا التصعيد، إلى جانب الجهود الدبلوماسية والقانونية التي تهدف إلى فضح جرائم الاحتلال أمام العالم.
الرؤية النهائية
ما تقوم به «إسرائيل» في الضفة الغربية امتداد لحرب الإبادة في غزة، ولكن بأسلوب مختلف وأدوات جديدة، الاحتلال «الإسرائيلي» يسعى إلى تفكيك القضية الفلسطينية عبر ضرب المقاومة، وتوسيع الاستيطان، وفرض وقائع جديدة على الأرض.
في مواجهة هذه السياسات، تبقى الوحدة الفلسطينية وتصعيد المقاومة الخيار الوحيد لإفشال المخططات «الإسرائيلية»، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه.