د. محمد عبدالوهاب زاهد الحق مفتي عام مسلمي كوريا الجنوبية لـ«المجتمع»:

الكوريون يُقبلون على الإسلام إذا وجدوا الدعاة

د. أسامة منصور

10 أبريل 2025

924

خرج من بلاده حاملاً هَمَّ دعوته يطوف البلاد دارساً ومتعلماً إلى أن استقر به المقام في دولة كوريا الجنوبية داعياً إلى الله تعالى؛ فدخل في الإسلام على يديه خَلْقٌ كثير، إنه الداعية السوري الأصل محمد عبدالوهاب زاهد الحق، المفتي العام لمسلمي كوريا الجنوبية، وقد أجرت معه «المجتمع» هذا الحوار.

في البداية، نود أن تعرف نفسك للقراء؟

- اسمي محمد عبدالوهاب زاهد الحق، سوري، ولدت عام 1941م في مدينة حلب، تعلمت علوم الشريعة، ثم سافرت إلى الهند للدراسة على يد الداعية الهندي الكبير أبي الحسن الندوي في لوكناو، وكنت أحد أهم تلامذته، توجهت بعدها إلى باكستان، وأخذت الإجازة في الفقه والحديث عن كبار علمائها، كما حصلت على الماجستير بالرتبة الأولى من جامعة كراتشي، ثم الدكتوراة في الفقه المقارن من جامعة السند في حيدر آباد، وهناك أتممت كتاب «فقه الأئمة الأربعة»، ثم توجهت إلى مصر وتخرجت في كلية أصول الدين بالأزهر.

بعدها عملت إماماً وخطيباً لجامع البختي في حلب، ثم مدرساً بدائرة الإفتاء في المدينة نفسها، ثم مديراً للمدرسة الشرعية في عفرين، ثم أستاذاً للفقه الإسلامي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة وكلية الشريعة في الطائف، ثم رئيساً لقسم الدراسات العليا في الجامعة الفاروقية في كراتشي بباكستان.

لماذا اخترتم كوريا بالتحديد؟

- أثناء العمل بالمملكة العربية السعودية في مكة المكرمة، عرضت عليَّ وزارة الأوقاف في الكويت المشاركة في «الموسوعة الفقهية»، وبالفعل سافرت إلى الكويت عام 1982م، وتصادف وأنا هناك، أن زار الكويت وزير من كوريا الجنوبية، وأثناء زيارته قال للإخوة الكويتيين: الناس في كوريا يموتون على الكفر، لماذا لا تأتون لدعوة الكوريين للإسلام؟ فنقل لنا وزير الأوقاف الكويتي هذا الخبر، فتحمست وقلت: أنا مستعد لهذه المهمة.

لكن للأسف، قوبل طلبي بالرفض، ومع إصراري وحماستي تمت الموافقة على سفري، ولكن بعد إنهاء كل الملفات التي كنت مكلفاً بها، وبالفعل سافرت إلى كوريا بعد عامين وبالتحديد عام 1984م، وهناك بدأت مهمتي في دعوة الكوريين إلى الإسلام.

كيف بدأت الدعوة هناك؟

- فور وصولي، لم يكن في كوريا سوى 3 مساجد؛ مسجد في العاصمة سيئول بناه اتحاد المسلمين الكوريين، ومسجد في مدينة قوانجو بناه معاون وزير أوقاف الكويت، ومسجد ثالث في مدينة بوسان بنته جمعية الدعوة في ليبيا.

ثم كلفت جمعية اتحاد المسلمين الكوريين شخصين بمرافقتي في الدعوة، أحدهما يتكلم العربية واسمه قمر الدين مون سي جو، والآخر يتكلم الإنجليزية، هذان الشخصان كانا زميليَّ في بداية الدعوة، وقد وضعت برنامجاً معهما للتجوال في كل مناطق كوريا، كنا نسافر 5 أيام في الأسبوع، وقد هدى الله تعالى بمنه وكرمه الكثير من الكوريين، كنت أشرح لهم باللغة العربية وهما يترجمان للكورية.

وكثيراً ما كان اتحاد المسلمين الكوريين يقوم بدعوة الأسر الكورية لحضور جلسات للدعوة إلى الإسلام، حتى إنه ذات مرة بعد إحدى الجلسات، تقدم لي طفل عمره 12 عاماً وأراد الدخول في الإسلام، فطلبت منه أن توافق والدته أولاً على إسلامه، فقالت والدته: هو حر فيما يريد، فأسلم ثم أسلمت والدته ثم تبعهما عدد من الأسر الكورية في ذلك اليوم، وكان فضل كبير من الله تعالى.

وفي عام 1985م، كنت في طريقي من البيت للمسجد، التقيت 3 أشخاص عرب، ولما تحدثت معهم، كان أحدهم هو الحاج عبداللطيف الشريف، رجل الأعمال المصري صاحب مصانع الشريف للبلاستيك، فطلبت منه المساعدة في بناء مسجد في مدينة جانجو، حيث لم يكن بها مسجد، وقد رحب كثيراً، وفور عودته إلى مصر اتصل بي وقام بتحويل مبلغ 267 ألف دولار، تكلفة بناء المسجد، فبنينا المسجد وأسميته «مسجد أبو بكر الصديق»، وقد طلب مني أن يبقى الأمر سراً، لكن بعد وفاته قررت البوح بهذا الأمر حتى يدعو الناس له بالرحمة والمغفرة، جزاه الله خيراً.


مظاهرات في كوريا الجنوبية واليابان تضامناً مع فلسطين |  مجلة المجتمع الكويتية
مظاهرات في كوريا الجنوبية واليابان تضامناً مع فلسطين | مجلة المجتمع الكويتية
شهدت كل من كوريا الجنوبية واليابان، أمس الأربعاء،...
mugtama.com
×


هل واجهت فضيلتكم صعوبات في سبيل نشر الإسلام في كوريا؟

- بالطبع، لا بد من وجود صعوبات وعقبات، لكن الإسلام علمنا الصبر والتحمل في سبيل نشر كلمة التوحيد، فهذا كان دأب الصحابة والتابعين، أما من جانب الجهات الرسمية، فلم نواجه أي تضييق، بل كان يُسمح لنا التجول بحرية كبيرة ولقاء الكوريين ودعوتهم للإسلام.

هل كان هناك من العرب من يشارككم الدعوة للإسلام في كوريا؟

- للأسف، لا يوجد، كان هناك شخص من ليبيا، وآخر من السعودية، لكنهما لم يمكثا طويلاً وعادا إلى بلديهما، والدول العربية مقصرة في هذا الأمر كثيراً.

كيف تم اختياركم مفتياً عاماً لكوريا؟

- تم انتخابي من قبل الأئمة المسلمين في كوريا، ثم صدق اتحاد المسلمين في كوريا على هذا الاختيار، وهو في الحقيقة ليس شغلي الشاغل، وإنما هدفي الحقيقي دعوة الناس للإسلام، وللإيمان بالله الواحد الأحد.

هل هناك جهة تتحمل راتبكم؟

- نعم، تكفلت وزارة الأوقاف بالكويت راتبي لسنوات، ثم تكفلت بعد ذلك رابطة العالم الإسلامي راتبي إلى اليوم.

هلا حدثتنا قليلاً عن اتحاد المسلمين في كوريا؟

- نعم، تأسس هذا الاتحاد عام 1976م، وذلك بعد تأسيس أول مسجد في كوريا في ذلك العام، حيث تبرعت الدولة بالأرض، وتبرع عدد من الضباط الأتراك الذين شاركوا في الحرب الكورية في الخمسينيات، مع بعض الكوريين الذين دخلوا الإسلام، وتم بناء المسجد، ثم جرى بعده إعلان تأسيس الاتحاد، وهو مسؤول عن المسلمين في كوريا وعن أنشطتهم، وينظم بين الحين والآخر ندوات لدعوة الكوريين للإسلام.

كم عدد المساجد اليوم في كوريا؟

- يزيد عدد المساجد في كوريا على 150 مسجداً ومصلى، وتنتشر في كثير من المدن الكورية، لكن معظمها يتركز في العاصمة سيئول ومدينتي قوانجو وجانجو.

هل هناك شخصيات كورية مسلمة شهيرة؟

- نعم، كثير، منهم: د. أبو بكر كيم، رئيس اتحاد المسلمين الكوريين، ود. حامد شين، مترجم القرآن الكريم للغة الكورية، ومصطفى نا صو يانغ، وهو أحد كبار رجال الأعمال وصاحب العديد من الشركات والمصانع في كوريا، وله أياد بيضاء في مساعدة المسلمين هنا، ود. سمية صوا ميرا، وهي أستاذة بجامعة جامبوك إحدى أكبر الجامعات في كوريا، وهي من مشاهير المسلمين في كوريا، ود. محمد تشون يانغ تشول، الذي أسلم وعمره 70 عاماً، وصار من الدعاة إلى الإسلام، والشيخ عبدالوهاب جو وزوجته، وهما من أشهر وأقدم الدعاة للإسلام في كوريا، أسلما عام 1985م، ومن يومها وهما يدعوان الكوريين للإسلام.

هل لديكم مؤلفات تم إنجازها في كوريا؟

- نعم، لديَّ أكثر من 30 مؤلفاً في الفقه والحديث والدعوة والسيرة، بعضها بالعربية والبعض الآخر بالإنجليزية والكورية، منها: «أحكام الصيام»، «أحكام الحج»، «نظرة إلى ما قبل الإسلام»، «نظرة الإسلام لغير المسلمين»، «الإسلام دين السلام»، «لقاء مع الفطرة»، «سلسلة الأنبياء والمرسلين»، «سلسلة خطب الجمعة».. وغيرها.

هل هناك أنشطة اجتماعية تمارس في كوريا؟

- لا، فقط يقوم اتحاد المسلمين الكوريين بعمل بعض الندوات واللقاءات دورياً، لكن في المناسبات الدينية كشهر رمضان يتم عقد لقاءات وندوات للدعوة، ذات مرة عقدت ندوة عن اللغة العربية، فقام إليَّ رجل كوري مسن ونطق بالشهادتين، فتبعه عدد كبير من الجالسين، فكانت جلسة مباركة والحمد لله رب العالمين.


مسلمو كوريا الجنوبية يناشدون الأمم المتحدة بالتدخل لتنفيذ أمر بناء مسجد |  مجلة المجتمع الكويتية
مسلمو كوريا الجنوبية يناشدون الأمم المتحدة بالتدخل لتنفيذ أمر بناء مسجد | مجلة المجتمع الكويتية
ناشدت الجالية المسلمة في كوريا الجنوبية، الأمم الم...
mugtama.com
×


هل هناك مشكلات تواجه الإسلام في كوريا؟

- لا أحب أن أتحدث في هذه النقطة، لكن أحب أن أقول: إنه لا خلاف بين المسلمين الكوريين، وفي حال حدوث أي خلاف فقهي، فأنا مرجع لهم ولا أتأخر عن إجابة أحد، لكننا نحتاج دائماً للدعم والمساعدة من الدول العربية.

كوريا الجنوبية من البلاد التي لها نشاط تجاري مع الدول العربية، هل للتجار العرب أي نشاط دعوي أو دعم مادي للمساجد أو لاتحاد المسلمين في كوريا؟

- لا للأسف، لا نحس بهم، بعضهم يأتي للصلاة أو لزيارة المساجد، لكن لا نشاط لهم على الإطلاق.

هل ثمة تواصل بينكم وبين مؤسسات عربية أو إسلامية؟

- لا، للأسف، لا يوجد تواصل.

هل هناك أئمة عرب في كوريا؟

- يوجد بعض الأئمة من مصر وتركيا، وفي رمضان يأتي البعض من السعودية، لكن للأسف لا يوجد من ينفق على هؤلاء الأئمة، بل يتلقون مساعدات من المسلمين هنا.

هل أنت مقيم دائماً في كوريا، أم أنك تزور سورية أو الدول العربية بين الحين والآخر؟

- لا، لم أخرج من كوريا منذ أن وصلتها عام 1984م، منذ 40 عاماً وأنا هنا لم أخرج، مؤخراً تلقيت دعوة لزيارة الكويت بعد رمضان، وإذا تحققت هذا الزيارة سأتحدث مع وزارة الأوقاف في الكويت عن الدعوة للإسلام في كوريا.

كيف حال اللغة العربية في كوريا؟ وهل لها علاقة بنشر الإسلام؟

- هنا جامعات تدرس اللغة العربية في مدينة سيئول وفي قوانجو، وقد طلبوني من قبل لتدريس اللغة العربية، ولما رأوا نشاطي الدعوي، لم يسمحوا لي وتركت الجامعة، حتى طلبتني جامعة نصرانية لتدريس العربية، فلما رأوا منهجي في الدعوة للإسلام، استوقفوني ولم أعمل معهم بعدها ولا في أي جامعة أخرى.

هل هناك كلمة تود أن توجهها إلى إخوانك في العالم الإسلامي؟

- نعم، أود أن أدعوهم لمساعدة إخوانهم هنا في كوريا، وذلك بإرسال الدعاة لنشر الإسلام، فدولة كوريا ما زالت أرضاً بكراً، والكوريون ودودون للغاية، ويقبلون على الإسلام إذا ما وجدوا من يدعونهم إليه، وأنا هنا منذ 40 عاماً لم تفتر عزيمتي في نشر التوحيد في هذه البلاد، وأسلم على يدي المئات من الكوريين، لكنني أخشى على مستقبل الإسلام في كوريا إذا انقضى الجيل ولم يكن هنا من يستطيع مواصلة المسيرة.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة