حين يسأل الطفل المسلم.. ماذا نقول له؟

في زاوية صغيرة من البيت، أو وسط ضجيج السيارة، قد يلتفت إلينا طفل صغير بعينين واسعتين ليسأل: «من هو الله؟»، أو «ليش ما نشوفه؟»، أو «هل أنا بدخل الجنة؟»،
في لحظة كهذه، لا يُمتحَن الطفل، بل نحن،
فالسؤال في عقل الطفل المسلم ليس عبثًا، بل هو نداء فطرة حيّة، تبحث عن اليقين، وتتشبث
بالأمان، وتتلمس نورًا في هذا العالم الكبير.
إن ما يدور في عقل الطفل المسلم من تساؤلات
لا يُعدّ خطرًا، بل هو فرصة عظيمة لغرس الإيمان في التربة الطريّة لروحه، وحين نُحسن
التعامل مع هذه الأسئلة، فإننا لا نغرس إجابة واحدة، بل نغرس طريقة تفكير، ومشاعر محبة
تجاه الدين، وثقة لا تزول مع السنين، أما حين نهرب، أو نقمع، أو نُخيف، فإننا نغلق
بابًا قد لا يُفتح ثانية بسهولة.
ليس المطلوب من الوالد أو المعلم أن يكون
عالمًا في العقيدة أو التفسير، بل أن يكون قلبه حيًّا وعقله حاضرًا، أن يكون صادقًا
حين لا يعرف، وأن يربّي أبناءه على أن السؤال لا يعني الشك، بل هو طريق المعرفة، فكم
من بالغ اليوم يعيش في خواء روحي لأنه حين سأل صغيرًا، قيل له: «حرام تسأل!»، أو «عيب
تقول جذي!»، فانطفأت فيه جذوة الفضول، واستقر في قلبه خوف من الدين بدل محبته.
الأسئلة الكبرى التي يطرحها الطفل مثل: لماذا
خلقنا الله؟ أين نذهب بعد الموت؟ لماذا نصلي؟ لماذا لا يرى غير المسلم ما نراه؟ كلّها
تحتاج إلى من يجيب بلغة الأطفال، لا بلغة الكتب، تحتاج إلى حكاية، إلى تشبيه من واقع
الطفل، إلى حضن قبل الجواب، وابتسامة تشعره أن الله رحيم، قريب، محب، وأن ديننا ليس
عبئًا عليه، بل مصدر دفء لحياته كلها.
وإذا لم نعرف الجواب، فهنا يأتي الجواب الأجمل:
سؤالك عجيب! خلني أبحث وأرجع لك، ثم نعود بالفعل، ونقرأ، ونسأل أهل العلم، ونفتح للطفل
نافذة على قيمة العلم نفسه، هكذا نبني إيمانًا حيًّا، لا جامدًا؛ لأن الإيمان ليس فقط
في المساجد، بل في كل حوار صادق يُنبت يقينًا صغيرًا في صدر صغير.
أما ترك هذه الأسئلة دون جواب، فهو كترك البذور
في العراء دون ماء، ستنبت أعشابًا أخرى، وأحيانًا شوكًا، فالسؤال إن لم نُجب عنه، أجاب
عنه الإنترنت، أو زميلٌ مشكك، أو خيالٌ مشوّه، وحينها نندم، وقد لا يُجدي الندم.
تربية الطفل المسلم اليوم لا تحتاج إلى أوامر
فقط، بل إلى حوار حي، إلى إيمان يُقدَّم بروح محبة، لا بصيغة الخوف، وكل سؤال يطرحه
الطفل هو نعمة من الله، فرصة لنكون له عونًا في رحلته الإيمانية، لا عقبة في طريقه.