حين يناديك الله.. الأذان دواء الاكتئاب وعلاج الروح

كثير من الناس يسمعون الأذان معتقدين أنه وسيلة للإعلام بدخول وقت الصلاة
فحسب، ولا حرج عليهم في ذلك، لأنهم يسمعونه بآذانهم، ولو سمعوه بقلوبهم لعلموا أنه
نداء ينبض بالطمأنينة، وكلمات تصب على الروح السكينة، ولعلموا أن تكبيره نصر،
وشهادته نجاة، ودعوته حب، وفلاحه فلاح، فهو يتردد في اليوم الواحد خمسًا ليذكرنا
بمعنى الوجود، والهدف الأسمى من الحياة.
ففي زمنٍ تسارعت فيه الهموم، وثقلت فيه القلوب، وضاقت فيه الصدور، يثبت
الأذان أنه من أعظم الوسائل الروحانية التي تهدّئ النفوس وتغذيها، وتزيل عنها
القلق وتداويها، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الأثر العميق الذي يتركه الأذان في
النفس، والروح؟
القرآن الكريم
من سمع الأذان بقلبه وجد به التكبير، والشهادة، والدعوة للفلاح، والاستسلام
لله تعالى؛ ولذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول كما يقول المؤذن، فإذا ما
قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح، أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نقول: «لا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، فالأذان به كثير من الأذكار، والذكر في حد ذاته
علاج للقلق والاكتئاب، وراحة وطمأنينة للقلوب، يقول تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ) (ارعد: 28).
كما أن سماع الأذان من منطلق اتباع أوامر الله تعالى، وتعظيم شعائر
الإسلام، من طرق علاج الاكتئاب، يقول تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) (طه:
123)، وهذه آية مطلقة، فلا ضلالة، ولا شقاء، ولا اكتئاب، ولا هم، ولا حزن.
وقد نصَّ جمهور الفقهاء على أنَّ شأن المسلم حال سماع الأذان أن يكون
مُنصتًا له، مُنشغلًا بترديده وراء المؤذن، وألَّا ينشغل بالكلام ولا بشيءٍ آخر
سوى الإجابة؛ ذلك لأنَّ الأذان يفوت وغيره من الأعمال باقية يمكن تداركها، وهذا
على سبيل الاستحباب، فمن فعل ذلك أذهب الله همه وحزنه.
السُّنة النبوية
وفي السُّنة النبوية نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أرحنا بالصلاة يا
بلال»، وبداية هذه الرحلة الروحية، والعلاج النفسي، يبدأ بالأذان الذي هو إعلان
بدخول وقت الصلاة، كما أن وسوسة الشيطان ومداخله تسبب الاكتئاب، وتجعل الصدر ضيقًا
حرجًا، والأذان يطرد الشيطان، ويبعد الوسواس كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث
الذي يرويه أبو هريرة: «إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا
يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس».
كما أن تكفير الذنوب والمعاصي له دور كبير في تحقيق السعادة والتخلص من
القلق والاكتئاب، وتكرار الأذان وراء المؤذن من الوسائل الأساسية التي يغفر الله
بها الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: «من قالَ حينَ يسمعُ المؤذِّنَ وأنا أشهدُ أن
لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ
ورسولُهُ رضيتُ باللَّهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمَّدٍ نبيًّا غفرَ لَهُ
ذنبُهُ»، فإذا غفر الله ذنبك فلن يجد الحزن والضيق طريقًا إلى قلبك، فمن امتلأ
قلبه بالإيمان والهداية فلن يتسع لغيرهما.
الدراسات العلمية
ومن ناحية علمية، أشارت العديد من الدراسات الحديثة إلى أن الترددات
الصوتية المنتظمة، كتلك الموجودة في الأذان، تُسهم بشكل كبير في خفض إفراز هرمون
التوتر (الكورتيزول)، وتعمل على تهدئة الجهاز العصبي المركزي، وهذا في حد ذاته
يساعد في تقليل القلق، والحد من الاكتئاب والتوتر، كما أن تكرار الأذان في أوقات
مختلفة في اليوم الواحد يسهم في تنظيم الساعة البيولوجية للإنسان؛ مما يمنحه
السعادة، ويُعزز توازنه النفسي والذهني.
تأمل ورسالة
إن الأذان يحتوي على عديد من المعاني التي تستلزم التمعن، لأنها تبعث
الراحة والطمأنينة في القلوب، ففي كل يوم يكرر المؤذن «حي على الفلاح»، فهل
تأملتها بقلبك مرة واحدة؟! أليست هذه الكلمة داعية للأمل والنجاح، أليست كاسرة
لدائرة الأفكار السلبية، أليست دعوة من الله تعالى للراحة والطمأنينة والفلاح؟
فما السبب الذي يمنعك من سماع الأذان بقلبك، لم لا تقف بين يدي الله وتقول:
يا رب أمرتني أن آتي إلى ما فيه فلاحي فجئتك سائلًا الفلاح، وذهاب الهموم
والأحزان؟