خبراء: ضعف الإيمان وراء إتيان السحرة.. والنجاة بشروط

أحمد جمال

31 يوليو 2024

2544

يعتقد البعض بقوة السحرة على فعل المستحيل وقلب الحياة رأساً على عقب، وقد يظن آخرون أن الساحر بيده النفع والضر، متناسياً قدرة الله عز وجل، وأنه هو النافع والضار، ما قد يمثل خللاً في العقيدة، وتذبذباً في الإيمان، يستوجب الحيطة والحذر، والعمل على تعزيز وترسيخ العقيدة، والأخذ بالأسباب، وتحصين النفس من الشيطان.

يقول د. أحمد ربيع، العميد الأسبق لكلية الدعوة- جامعة الأزهر: إن ضعف الإيمان والحقد والحسد أسباب رئيسة وراء تفشي ظاهرة اللجوء للسحرة والعرافين لإيذاء الآخرين؛ مما ينقل المسلم من الاعتقاد بقدرة الله على النفع والضرر من خلال القضاء والقدر إلى الإيمان بقدرة خارقة للسحرة الذين يمثلون شياطين الإنس الذين يتعاملون مع شياطين الجن.

ويضيف أن حديث القرآن الكريم والأحاديث النبوية ليست للتسلية، وإنما للتدبر والعمل بما فيها؛ وتجنب مخالفتها التي قد تصل بالمسلم -سواء بجهل أو عمد- إلى الكفر أو عدم قبول عبادته، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من السحر بعد الشرك بالله تعالى فقال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، والسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حرَّمَ اللَّه إلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وقَذفُ المُحْصنَات المُؤمِناتِ الْغَافِلات» (رواه البخاري، ومسلم)، وطالب الإسلام ولي أمر البلاد بإيقاع أكبر عقوبة رادعة لمن تسول له نفسه العمل بالسحر، فقال رسولنا الكريم: «حد الساحر ضربه بالسيف»، حتى لو كان سحره تخييلاً وخداعاً ممن قال عنهم القرآن: (قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (الأعراف: 116).

ويؤكد د. ربيع أنه لا يذهب للساحر ويؤمن بقدرته على إيذاء الغير إلا جاهل بالدين، أو ضعيف الإيمان، وقد يعود من عند الساحر بالكفر، أما المسلم الحق فهو يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه، ويرفض إيذاء الغير بل يتسامح ويعفو، ويحصن بنفسه بالأذكار، ويكثر من العبادات والدعاء لله بأن يحميه من شياطين الإنس والجن، ويؤمن بقول الله تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51)، وشعاره في الحياة قول رسولنا: «احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ» (رواه الترمذي).

موروث ذميم

وتفسر د. منال السيد يوسف، أستاذ الاجتماع بكلية التربية بجامعة دمياط، لجوء الناس، خاصة النساء، إلى السحر لإيذاء الغير باعتباره موروثاً متأصلاً دينياً ومذكوراً في الكتب السماوية الثلاثة، خاصة خلال فترة نبي الله موسى عليه السلام، حيث برع الفراعنة فيه، وما زالت آثار سحرهم مستمرة وغير مفهومة إلى الآن، فضلاً عن أنه من الموروثات الاجتماعية التي تتناقلها الأجيال منذ القدم، ونحن كشعوب عربية مغرمون بالتهويل والتضخيم لآثار السحر سواء في الضرر أو النفع، إذا كان لها نفع، كسحر المحبة بين الزوجين على سبيل المثال.

وتضيف لـ«المجتمع» أن كثرة الحديث عن التأثير الكبير والخرافي غير المعقول للسحر على عقول وسلوكيات ومشاعر الناس، وارتباطه بقوى غيبية لا يمكن السيطرة عليها، تعطيه مصداقية وقوة تأثير لدى الناس وخاصة البسطاء، إلا أن هذا لا يعفي بعض المتعلمين ذوي الثقافة العالية والمناصب الكبرى من الانخداع بقوة السحرة واستشارة العرافين في قرارات كبرى ومصيرية.

وتشير إلى أنه كلما زادت المشكلات الاجتماعية من عنوسة وطلاق ومشكلات زوجية وانتشار البطالة والفقر وغيرها كلما زاد الإقبال على السحرة؛ بحثاً عن مخرج من هذه المشكلات المعقدة، دون تفكير في اللجوء إلى الله والأخذ بالأسباب لعلاج تلك المشكلات.

خلل نفسي

ويوضح د. مصطفى خليل، أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية- جامعة المنيا، أن طابع العصر الحديث يجعل الإنسان، خاصة ضعيف الإيمان، مصاباً بالقلق والخوف من الغد، وحسد الآخرين على ما هم فيه من النعم، فتكون لديه القابلية للتلاعب بعواطفه ومشاعره وخاصة فيما يتعلق بمشكلاته الحياتية، فإذا فشل الابن أو الابنة في مسيرته الدراسية لتقصير في التحصيل الدراسي يتم إتهام الآخرين بعمل سحر، ولا بد من الانتقام منهم، وإذا فشل الزوجان ابتداء من ليلة الزفاف في التفاهم، أو اشتعلت البيوت بالنيران نتيجة عناد الزوجين، ونسيان كل منهما ما عليه من واجبات، فيكون التوصيف الجاهز للمشكلة بأنهما «مسحوران»، ولا بد من فك السحر، وعمل طلاسم وأحجبة وطقوس كفرية لا ترضي الله عز وجل.

ويحذر د. خليل من التردد على السحرة والدجالين والعرافين، أو التواصل مع القنوات الفضائية التي تروج للقدرات الخارقة للسحرة؛ لتحقيق مكاسب طائلة عن طريق الاستماع إلى قصص غريبة عن أناس فشلوا في حل مشكلاتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية، فيلجأ الواحد منهم إلى مدعي الشفاء والبركة وتحقيق المستحيل؛ بحثاً عن حل سحري لمشكلاتهم أو إيذاء الغير والانتقام منهم، حتى يصل الأمر إلى مخالفات شرعية وأخلاقية يندى لها الجبين، وربما فقدان المال والعرض والدين.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة