خطر الذكاء الاصطناعي على التراث!

كاتب المدونة: وليد محمد الحمادي
لست ممن يحبون الاستغراق في نظريات
المؤامرة، ولكني لم أكن أتصور أننا سنصل إلى أيام تتغول فيها التكنولوجيا على
الأرشيف والتراث.
وقد كنت أحسب أن التشويه قد يطال الحاضر ويتعدى للمستقبل لأنه واقع ما زال
قائماً ويحتمل التغيير، ولكن أن يتم تشويه الماضي وتغييره بالتكنولوجيا وهو الذي
انتقل من خانة التغيير إلى خانة الثبات بسبب مضي الزمن فهذا والله من فظائع هذا
الزمن الكدر الذي نعيش فيه.
ما قصدته بكلامي هو تغول ما يعرف بالذكاء الاصطناعي بنوعيه الغربي ومنافسه
الصيني الجديد على أرشيف التأريخ.
بل صار فيه من الطغيان أن يتحدى أمهات كتب التأريخ مثل الكامل والبداية
والنهاية ومقدمة ابن خلدون وغيرها، وينقلنا إلى مصفوفات رقمية تنتج عنها معلومات
مشوهة، ولو أردت «التشات جي بي تي» مثلاً أن يكتب لك تاريخ الخليقة منذ آدم لفعل
وبكل ثقة وذلك بضغطة زر.
عالم مخيف تقوده التكنولوجيا الرقمية قد تأخذنا إلى حقيقة واحدة وهي قرب
قيام الساعة، مادية تعدت تشويه الحاضر والمستقبل، وعمدت إلى تغيير الماضي، بل صارت
تصدر الأحكام والآراء وتوجه العقول بناء على معلومات تراكمية تستخدمها كيفما تشاء،
حتى كدنا لا نعرف ماذا نصدق مما يصلنا من وثائق تأريخية وأفلام وثائقية قديمة أهي
من الأرشيف القديم المعتمد الذي وصلنا بالتواتر، أم هو من خزعبلات الذكاء
الاصطناعي في محاكاة ذلك الماضي.
ولعمري، إن هذا مؤشر جد خطير إن لم يكن ينذر بمصائب كبرى تفصل الناس عن
تراثهم وخصوصاً التراث الإسلامي، فيصير «فتح الباري» لا قيمة له -عياذاً بالله-
أمام الذكاء الاصطناعي الذي لا يحتاج استخراج ما فيه -أي الذكاء الاصطناعي- من خبث
ودخن ودجل إلى دراسات وتخصص واستقصاء.
بل الخطر كل الخطر من طغيان مياه هذا العالم الآسن على نبع القرآن الصافي
بالتشويه والتحريف الجاهل منه والمتعمد.
هذه دعوة استباقية لا أدري إن كانت محقة أم يعتريها شيء من المبالغة، ولكن
إحساسي بأن لغتنا وديننا وتراثنا وكل شيء كنا نركن إليه وكان قد وصلنا كابراً عن
كابر برجال تم جرح كينوناتهم وتعديلها لكي تغربل كل النقولات ولا يصلنا منها إلا
ما كان صادقاً صحيحاً ومثبتاً.
تراثنا العزيز بدءاً من كتاب ربنا المحفوظ بحفظ من أنزله له قد يقع تحت
طائلة التشويه والتحريف إن لم يكن هناك تحرك جاد ورشيد لمواجهة هذا التغول.
أرجو أن تساهم دعوتي في تحريك بعض الشعور بأن هناك استشرافاً لطامة قد تقع،
فعلى أهل العلم وأهل الاختصاص كل في موقعه التحرك السريع لمدافعة هذا الطغيان
لحماية بيضة الدين؛ لأن الله كتب علينا هذه المدافعة وهي مدافعة الحق والباطل.
وكذا أرجو أن ينتبه العقلاء لدعوة الناس ومن ولاهم الله أمرهم للتوجه للعلم
الرصين من مظانه ومصادره ونبذ استهلاكية الذكاء الاصطناعي التي لن تطور العقول ولن
تساهم في المحافظة على الموروثات إن لم تدمرها بما تجنيه أيدينا نحن إن استمرأنا
اللجوء إليه في كل أمر وكأنه الذكاء الصرف ونحن الحمقى والأغبياء.