دعم المبادرات الثقافية الهادفة.. واجب الوقت لمواجهة التحديات

حسن القباني

09 أبريل 2025

109

تتعدد المبادرات الثقافية الهادفة في العالمين العربي والإسلامي، وسط متغيرات صعبة تفرضها الأخطار الجيوسياسية في المنطقة، بعد تصاعد حرب الإبادة الجماعية الصهيونية لأهل غزة عقب انطلاق معركة «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، بجانب محاولات مستميتة لتذويب الهوية العربية الإسلامية، واختراق العقيدة الإسلامية، ولذلك يعول مراقبون على أهمية دعم هذه المبادرات لتكون درعاً تحمي الأجيال الصاعدة، ومنطلقاً لمستقبل ثقافي أفضل بالعالم الإسلامي يواجه كافة التحديات والمتغيرات.

بينما تتواصل محاولات تسجيل التراث الثقافي الفلسطيني في «يونسكو»، تستغرق سمر دويدار، منسقة مشروع «حكايات فلسطينية» للأرشيف الفلسطيني العائلي، في التفكير المتواصل في كيفية ملاحقة أعباء المرحلة الجديدة من مبادرتها الثقافية المتفردة بعد انطلاق معركة «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، وتصاعد حرب الإبادة الجماعية الصهيونية لأهل قطاع غزة.

مبادرة متفردة لتوثيق الأرشيفات الفلسطينية العائلية للحفاظ على الذاكرة الاجتماعية والحقائق

وتوضح دويدار، في حديثها لـ«المجتمع»، أن مبادرتها بدأت بجهود فردية في العام 2020م، بهدف توثيق الأرشيفات الفلسطينية العائلية منذ النكبة للحفاظ على الذاكرة الاجتماعية للفلسطينيين في أنحاء العالم والرواية الشفهية الفلسطينية، وبناء أرشيف شعبي فلسطيني، ثم تطورت إلى تدشين موقع خاص بالمبادرة في مايو 2023م، مع الذكرى الـ75 لـ«النكبة»، ليصبح بمثابة متحف تفاعلي للإنسان الفلسطيني، لكن مع بدء حرب الإبادة العام الماضي شهد العمل نقطة فارقة لتطوير المبادرة.

بدأت المصرية-الفلسطينية سمر دويدار، منذ أكتوبر الماضي، العمل مع فريق متطوعين لم يتجاوز 25  متطوعاً ومتطوعة، في توثيق اللحظة الفلسطينية التي تواجه محواً صهيونياً متعمداً، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو على الأرض، وفق وصفها، وذلك من أجل نقل أصوات الناس العادية في غزة، ولحظاتهم في مواجهة الإبادة، التي تبث لحظياً على الهواء مباشرة، وتوثيق ما ينشرون على وسائل التواصل من أجل المستقبل.

فيما تؤكد أن الأرشفة والتوثيق  في فكر المبادرة هما جزء من المقاومة وواجب تجاه أهالي غزة، في إطار تطورات علم التأريخ الشفهي والتوثيق التاريخي في مواجهة محاولات مستميتة لمحو غزة وتحويلها إلى ساحل سياحي وريفيرا جديدة، ومواجهة كذلك أي سيناريو مستقبلي محتمل بإلغاء موقع «فيسبوك» وما عليه من شهادات وقصص فلسطينية.

دويدار: مبادرة «حكايات فلسطينية» فعل مقاوم بالأرشفة ونحتاج إلى كل دعم للاستمرار

وتشدد دويدار على أهمية دعم المبادرة في الفترة المقبلة عبر تعريف العائلات الفلسطينية بالمبادرة وموقعها الإلكتروني للحصول على أرشيف عائلي أكبر، وتوثيق لحظات تاريخية خالدة للشعب الفلسطيني، أو حتى أي صورة عائلية أو لحظة اجتماعية ما قبل 7 أكتوبر 2023م، وما بعدها، بجانب تطوع المزيد من أنصار القضية الفلسطينية من عموم الناس للمشاركة في توسيع مساحات التوثيق والأرشفة والشهادات، وتبني من يهمه الأمر للمبادرة بما يكفل استمرارها.

مبادرات متنوعة

ويشهد هذا العام في الكويت العديد من المبادرات، والأنشطة والفاعليات، على مدار 235 يوماً، ضمن فعاليات الاحتفاء باختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية للعام 2025م، كبلد زاخر بإرث ثقافي وحضاري راسخ الجذور.

وعلى التوازي، هناك العديد من المبادرات الثقافية الهادفة، في كثير من البلدان العربية والإسلامية، منها مشروع تسجيل التراث الإسلامي في منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الذي تسابق الجهود فيه الزمن لتسجيل العديد من المواقع التاريخية والعناصر الثقافية على قائمتها ومنها مواقع القاهرة الإسلامية التاريخية.

مشروع لتسجيل التراث الإسلامي برعاية «إيسيسكو» مبادرة مستقلة لنشر فقه العمارة الإسلامية

وشهد ختام الدورة الـ13 لمؤتمر وزراء الثقافة في دول العالم الإسلامي، في السعودية، اتفاقاً مصرياً مع «إيسيسكو»، في فبراير الماضي، وفق بيان رسمي، على ضرورة تكثيف الجهود لتسجيل المواقع التاريخية والعناصر الثقافية المصرية على قائمة «إيسيسكو»، باعتبارها جزءاً أصيلاً من الهوية الثقافية الإسلامية، وذلك بعد جهد مصري كبير احتضنه مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بمكتبة الإسكندرية الشهيرة عبر مشروع «خريطة القاهرة الإسلامية» الذي استغرق سنوات من أعمال توثيق التراث الإسلامي، نظراً لما تمتلكه القاهرة من آثار إسلامية متنوعة من مختلف العصور الإسلامية.

وفي محاولة لاستكشاف فقه العمران والعمارة الإسلامية، لبيت العمارة والعمران بمصر (مؤسسة مستقلة) مبادرة ثقافية لافتة، تقوم على تنظيم دورة مجانية للمصريين والمقيمين في مصر يقدمها الأكاديمي خالد عزب، المتخصص في فقه العمران الإسلامي، للتعرف من خلال 8 محاضرات على القواعد التي صاغت العمران والعمارة في المجتمعات الإسلامية وعلى أنواع المنشآت في الحضارة الإسلامية.

وشهد مطلع العام مبادرة ثقافية جديدة من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، تحت عنوان «معاً لمواجهة الإلحاد»؛ للتصدي لشبهات الإلحاد والرد عليها بأسلوب علمي ومنهجي يهدف إلى تحصين المجتمع، من خلال تأهيل الوعاظ والواعظات وتزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة لمواجهة هذا الفكر المنحرف عبر برنامج أسبوعي مفتوح.

أهمية المؤسسات

وفي تعليقه، يرى الكاتب هشام الحمامي، المدير السابق للمركز الثقافي باتحاد الأطباء العرب، في حديثه لـ« المجتمع»، أن تدشين المبادرات الثقافية الهادفة سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي بمثابة القاطرة الأولى للحفاظ على الوعي والهوية في واقع مضطرب ومتغيرات شديدة الوطأة على العالمين العربي والإسلامي، مؤكداً أهمية دعم هذه المبادرات لتكون ذات وجود حي على الأرض وخلفها مؤسسة تنفيذية ترعاها من أجل الاستمرار لا الاقتصار على التدشين والجانب الاحتفالي الاحتفائي فقط.

الحمامي: المبادرات الثقافية القاطرة الأولى لتعزيز الهوية والأولوية ينبغي أن تكون للغة العربية

ويطالب الحمامي بدعم مبادرات الحفاظ على التراث الحضاري للأمة، وبخاصة التراث الفلسطيني، مؤكداً أن التراث إعلان عن الوجود في المكان والزمان، ويتطلب عناية مستمرة عبر العديد من المبادرات التي ترعاها جهات رسمية وغير رسمية، فيما يثمن استمرار الأزهر في إطلاق العديد من المبادرات الثقافية والتوعوية في ظل ظروف تحتم على المؤسسات الدينية بذل كل ما تستطيع لتعزيز الفطرة الإنسانية الحقيقية التي فطر الله عز وجل عليها الناس.

ويدعو الفاعلين في العالم العربي والأمة الإسلامية إلى اعتبار اللغة العربية على رأس أولويات المبادرات الثقافية في الفترة المقبلة، لما تشكله من ركيزة أساسية في الحياة، والتعبير عن الذات العربي الإسلامي، مؤكداً أن اللغة العربية ليست لغة تواصل فحسب، بل هي كما قال المفكر العربي إدوار سعيد: «مخزون حضاري وشاهد على التاريخ العظيم للأمة».


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة