دور الشباب.. رؤية معاصرة

الشباب هم ركيزة النهضة لأي دولة تسعى للارتقاء اعتمادا
على سواعد الشباب الفتية وعقولهم اليقظة، وقد أعطى الإسلام للشباب أهمية كبيرة
وذكرهم القرآن الكريم في مواضع شتى تكريماً وتعظيماً لهم، وتوضيحا لأهمية دورهم في
أي مجتمع، فالله تبارك وتعالى يقول في وصف أهل الكهف: (إِنَّهُمْ
فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف:13).
وقد أفسح الإسلام المجال للشباب للتصدر والقيادة، حيث
أثنى القرآن الكريم على جهد وعطاء الشباب في مواضع عدة، وأعدهم النبي محمد صلى
الله عليه وسلم، ليكونوا من أعمدة بناء الدولة الإسلامية الوليدة، واختارهم
للقيادة عن قناعة تامة بدورهم وعظيم عطائهم.
وما زالت الأيام بالمسلمين حتى تغيرت أحوالهم وبدلت طرائق تفكيرهم حتى تغير
الحال..
وتدريجيا بدأ الشباب يبتعد عن الصف الأول رويدا رويدا حتى أصبح مكانه الصف الأخير،
وهذا ما أثر سلبا على المجتمع ككل.
لذا فمن الضروري أن يعود الشباب ليتصدر من جديد من خلال
الإعداد الجيد والتربية الإيمانية السليمة، وكذا الاهتمام بالتعليم ومواكبة التطور
والتكنولوجيا وتبني الموهوبين منهم، وفتح مجالات العمل والإبداع أمامهم، ومنحهم
الفرص للتصدر والقيادة، وهذا ما يضمن بناء دولة قوية تعتمد على قوة الشباب
وأفكارهم الخلاقة وروحهم المتجددة، ولكن السؤال:
كيف يشارك
الشباب في بناء الدولة؟
الإعداد الجيد:
إن إعداد الشباب المسلم لتحمل المسؤوليات الجسام في
البناء والنهضة هو دور الأسرة أولا وذلك بتربية الأبناء تربية دينية على أسس
عقائدية سليمة، ثم تتسع مسؤولية الإعداد لتشمل المجتمع الذي يتحلى بالأخلاق
الكريمة ويقدم من بين أفراده القادة والقدوة الحسنة للشباب، ثم تتسع الدائرة
لتتوجه للحكومات والمؤسسات بتوفير التعليم المتميز للشباب منذ الصغر، وكذا مراكز
البحوث والمراكز العلمية التي تتيح لهم فرص البحث والدراسة والاختراع.
تحمل المسؤولية:
لا أحد ينكر أن الشباب يمتلكون طاقة خلاقة وأفكارا مبدعة ويتحلون بالجرأة، لذا فمن المفيد استغلال تلك الخصال من خلال إشراكهم في العمل العام في سن صغيرة، وتكليفهم ببعض المهام، مع توجيههم بشكل سليم، ولعل المثال الأروع على ذلك هو علي بن أبى طالب الذي كان يذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى شعاب مكة يصليان معاً بعيدا عن أعين قريش، وكأن النبي يحرص على أصحابه معه ومشاركته له في الكثير من الأمور.
تمكينهم من القيادة:
يقول أبو الأعلى المودودي: "إن الشباب كالسيف
يستعمله المجاهد في سبيل الله، إعلاء لكلمة الله، كما يستعمله قاطع الطريق اعتداء
على حرمات الله".
تلك الصفات تمنح الشباب القدرة على النجاح حال توليه
القيادة، حيث يحرص على إثبات نفسه من خلال حسن القيادة والإبداع، ولقد نجح الشباب
على مدار التاريخ الإسلامي في القيادة والتحدي، ويعود انتصار المسلمين في غزوة بدر
لرأي ومشاركة الشباب حتى إن البعض يسمون هذه الغزوة "معركة الشباب".
ومن الجدير بالذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
اختار دار الأرقم بن أبي الأرقم ليكون مقرا للتجمع والدعوة للإسلام قبيل الجهر
بالدعوة وكان عمر الأرقم في ذلك الوقت ستة عشر عاما. وكذا اختياره لزيد بن ثابت
ليتعلم لغة اليهود، فأتمها وأتقنها في أقل من ثلاثة أسابيع وكان عمره كذلك ستة عشر
عاما، كما عقد النبي صلى الله عليه وسلم لزيد لواء بني النجار في معركة تبوك،
وعمره عشرون عاما.
وعندما أمر النبي بتجهيز جيش لغزو الروم اختار أسامة بن
زيد قائدًا للجيش وعمره ثمانية عشر عامًا، وكان الجيش به كبار الصحابة.
تبني العباقرة والموهوبين:
إن نسبة الشباب في المجتمعات الإسلامية الذين لم تتجاوز أعمارهم 25 عاما تمثل 70% وهذا ما يجعل هناك نسبة عالية من أصحاب العقول الفذة والعلماء والمبدعين من الشباب ما يؤهلهم لأن يقودوا نهضة الدولة الإسلامية حال تبنيهم، وتوفير مراكز الأبحاث والمراكز العلمية التي توفر لهم سبل البحث والابتكار والاستفادة من اختراعاتهم وأبحاثهم للحاق بركب التقدم، حيث إنهم يمثلون ثروة بشرية وعقلية هائلة تمثل كنزا استراتيجيا للدولة الوليدة
مواكبة التطور والتكنولوجيا:
من الضروري تعليم الشباب كل ما هو جديد في عالم
التكنولوجيا الحديثة ومواكبة تطور العصر، حيث يُمكن لهم أن يكونوا حلقة الوصل بين
المجتمعات المتقدمة والمجتمع الإسلامي من خلال نقل التكنولوجيا لدولهم والمساهمة
في إدخال التقنيات الحديثة في مختلف المجالات ما يُعزز الإنتاجية والكفاءة، كما
يُمكن للشباب الانفتاح على المجتمعات الأخرى ونشر الصورة الصحيحة للإسلام وكذا
الوعي الدينيّ، وتعريف المجتمعات المختلفة بقيم الإسلام العظيمة ومُحاربة الأفكار
المضللة التي تنال من عظمة الإسلام وسماحته، وتعزيز قيم التسامح والتعايش، وذلك
باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة للانفتاح على العالم.
تمويل المشاريع الصغيرة:
من الممكن أن يساهم الشباب في تقوية اقتصاد الدولة من
خلال إنشاء الدولة مشاريع صغيرة ومتوسطة يتولى إدارتها الشباب، وهذا يضمن خلق فرص
العمل لهم والقضاء على البطالة، والنهوض باقتصاد الدولة من خلال تبني تلك المشاريع
التي تعمل على تعزيز المنتج الوطني ونمو الاقتصاد وزيادة الدخل القومي، كما تضمن
تلك المشاريع استثمار طاقة الشباب وعقولهم في التنمية والبناء ومنحهم فرصا للإبداع
وتحقيق الذات.