رمضان طارد للرذائل

جعل الله تعالى فريضة الصيام أحد أساليب تغيير الأخلاق السيئة والمرذولة في النفس والمجتمع إلى التحلي بفضائل السلوك وأحسنها، ومن رذائل الأخلاق التي حاربها الصيام ما يأتي:

أولاً: التعصب والانفعال:

راعى الله تعالى ما تعانيه النفس البشرية من حرمان ما تشتهيه، فالصوم قد حرم المسلم من الطعام والشراب وقضاء الوطر، فالانفعال يكون أحياناً نتيجة لما مُنع منه، فأراد الله تعالى أن يغير الانفعال إلى ضبط النفس، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: «الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم ‌فلا ‌يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم».

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الصيام لا يهدف إلى حرمان النفس من الاحتياجات الفطرية للبدن؛ لكن الهدف ضبط النفس والتحلي بالأخلاق الحسنة، وتجنب المرذول منها، فقد روى الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من ‌اللغو ‌والرفث، فإن سابك أحد، وجهل عليك فقل: إني صائم».

شهر رمضان فرصة للتغيير


ثانياً: قول الزور:

هو قول يتلفظ به اللسان، وليس طعام أو شراب حتى يبطل الصيام، لكن الله تعالى ليس في حاجة إلى صائم يقول الزور، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يدع ‌قول ‌الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، فلا فائدة في منع المسلم نفسه من الطعام والشراب إذا كان يتلفظ بكلام حرمه الله تعالى؛ لأن قول الزور يشمل الكذب والظلم الذي يؤدي إلى أخذ حقوق الناس وسلب أموالهم والتعدي على أعراضهم، فرذائل الأخلاق تُضيع ثواب الأعمال وتهدر تحمل مشاق ترك الطعام والشراب.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر»، وسِرُّ هذا أنَّ التقرُّب إلى الله تعالى ‌بترك ‌المباحات لا يكمل إلَّا بعد التقرب إليه بترك المحرَّمات، فمن ارتكب المحرمات ثم تقرَّب ‌بترك ‌المباحات، كان بمثابة من يتركُ الفرائض ويتقرَّبُ بالنوافل(1).

ثالثاً: الغيبة:

على المسلم ألا يضيع وقتاً ولو قليلاً في غير طاعة الله عز وجل، لكن من الناس من يتبعون أهواءهم وينشغلون بغيرهم ويذكرونهم بسوء، وحجتهم في ذلك أنهم يملؤون فراغ وقتهم، ولم يعلم هؤلاء أنهم يحبطون أجر صومهم، بتناولهم أعراض غيرهم بما يكرهون، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، حيث روى مسلم أنه قال: «أتدرون ما ‌الغيبة؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره»، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته».

وإذا كان الإسلام قد نهى عن ذلك في غير الصيام؛ فإن الخوض فيه في الصيام أشد خطراً؛ لخسارة الأجر وتحمل الوزر ومرور الوقت بلا انتفاع، فقد روى أحمد عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن امرأتين صامتا، وأن رجلاً قال: يا رسول الله، إن ها هنا امرأتين قد صامتا، وإنهما قد كادتا أن تموتا من العطش! فأعرض عنه أو سكت، قال: يا نبي الله، إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا!

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ادعهما»، قال: فجاءتا، قال: فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما: «قيئي»، فقاءت قيحاً أو دماً وصديداً ولحماً حتى قاءت نصف القدح، ثم قال للأخرى: «قيئي»، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح ثم قال: «إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا يأكلان لحوم الناس»، وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات: 12).

إنفاق العفو في رمضان


رابعاً: الخصومة بين الناس:

يقدر الله تعالى لعباده الخير بسبب قربهم منه، وقد يحرم خلقه من خير قُدّر لهم بسبب إعراضهم عما وجههم إليه، فالله عز وجل قد أرى رسوله موعد ليلة القدر، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم إخبار أصحابه بها، إلا أن خصومة دارت بين رجلين، وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم جلاء هذه الخصومة، فنسي موعد ليلة القدر، فقد روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر الناس بليلة القدر، ‌فتلاحى رجلان من المسلمين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خرجت لأخبركم، ‌فتلاحى فلان وفلان، وإنها رفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة».

وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس فقال: «يا أيها الناس، إنها كانت أُبِينت لي ليلة القدر، وإني خرجت لأخبركم بها، فجاء رجلان ‌يحتقان -يدعي كل منهما أنه المحق- معهما الشيطان، فنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان».

فإذا كانت الخصومة والعداوة أضاعت موعد ليلة القدر، فإن الخصومة إن دامت أضاعت ثواب ليلة القدر وأجرها، ففي الحديث الذي رواه البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانت ليلةُ القدر يأمُر الله عز وجل جبريلَ عليه السلام فيَهبط في كبكَبة من الملائكة إلى الأرض، فيبث جبريل عليه السلام الملائكة في هذه الليلة، فيُسلّمون على كل قائم وقاعد ومصلِّ وذاكر، يُصافحونهم ويُؤَمِّنون على دعائهم ‌حتى ‌يطلع ‌الفجر، فإذا طلعَ الفجرُ يُنادي جبريل: معاشرَ الملائِكة، الرحيل الرحيل! فيقولون: يا جبريل فما صنع الله في حوائج المؤمنين من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون جبريل: نظر الله إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلاَّ أربعة»، فقلنا: يا رسول الله، من هم؟ قال: «رجلٌ مدمن خمر، وعاقٌ لوالديه، وقاطع رحم، ومشاحن»، قلنا: يا رسول الله، ما المشاحن؟ قال: «هو المصارم».





_____________________

(1) لطائف المعارف: ابن رجب الحنبلي، ص 292.


كلمات دلاليه

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة