زلزال أفغانستان.. كارثة جديدة تعمّق جراح بلدٍ أنهكته الأزمات
تعيش أفغانستان على وقع واحدة من أقسى الكوارث الطبيعية التي ضربت أراضيها في السنوات الأخيرة، بعدما شهدت البلاد خلال عام 2025 سلسلة زلازل مدمّرة أودت بحياة المئات وشرّدت عشرات الآلاف، لتعيد إلى الواجهة هشاشة البنية التحتية ومعاناة السكان في مواجهة أزمات متلاحقة، ففي مطلع سبتمبر، ضرب زلزال قوي شرق البلاد، تلاه زلزال آخر بداية نوفمبر في الشمال، ما زاد من عمق المأساة الإنسانية، فيما تتواصل جهود الإغاثة وسط تحديات ضخمة لوجستية وسياسية، ونقصٍ حاد في التمويل.
الزلزال الأخير.. شمال أفغانستان تحت الأنقاض
في بداية نوفمبر، اهتزت محافظتا بلخ وسمَنْغان شمال البلاد بزلزال بلغت قوته 6.3 درجة، كان مركزه قرب منطقة خُلم جنوب غرب مدينة مزار الشريف، الزلزال العنيف، الذي شعر به سكان مسافة تتجاوز 250 كيلومترًا، خلّف عشرات القتلى ومئات الجرحى، وألحق أضرارًا جسيمة بمنازل سكنية ومبانٍ تاريخية، بينها الجامع الأزرق الشهير في مزار الشريف، أما الزلازل السابقة التي ضربت شرق البلاد بين أغسطس وسبتمبر، فقد أسفرت عن دمار واسع في محافظات كونَر ولغمان ونورستان حيث قُتل المئات ودمّرت آلاف المنازل في قرى جبلية نائية، وفق تقديرات منظمات أممية ومحلية.
حصيلة أولية ومشهد إنساني قاتم
تقديرات منظمة الهجرة الدولية ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) تشير إلى أن آلاف الأسر تضررت بشكل مباشر، فيما تجاوز عدد النازحين والمهجّرين ستين ألف شخص خلال الأسابيع الأخيرة فقط، مع بقاء مئات القرى معزولة بسبب الدمار أو انهيارات الطرق الجبلية، وتحذر اليونيسف من مخاطر متزايدة على الأطفال والنساء، مشيرة إلى تسجيل حالات اختناق وجفاف وسوء تغذية حاد بين الناجين الذين يقيمون في خيام مؤقتة أو في العراء، وسط انخفاض درجات الحرارة واقتراب فصل الشتاء.
احتياجات عاجلة على الأرض
فرق
الإغاثة الأممية والمحلية تؤكد أن الأولويات الفورية تتلخّص في:
الإنقاذ
والإجلاء: انتشال العالقين تحت الأنقاض ونقل الجرحى إلى المراكز الطبية.
الرعاية
الصحية: توفير وحدات طبية متنقلة وأدوية أساسية لمواجهة الإصابات وانتشار الأمراض المعدية.
المأوى:
إقامة خيام مقاومة للبرد، وتوزيع بطانيات ووسائل تدفئة.
المياه
والغذاء: تشغيل محطات تنقية متنقلة وتأمين سلال غذائية عاجلة للأسر المنكوبة.
الدعم
النفسي والحماية: تقديم الرعاية للأطفال والنساء المتأثرين بالعنف أو الصدمات النفسية.
هذه
الاستجابة المتعددة القطاعات، وفق الأمم المتحدة، تواجه تحديات ضخمة في التنسيق والتمويل،
ما يتطلب قيادة ميدانية موحدة لتجنب تكرار الجهود وتفادي ثغرات التوزيع.
استجابة محلية ودولية محدودة
السلطات المحلية في كابول أعلنت حالة الطوارئ العامة، ووجّهت فرق الدفاع المدني والكوادر الطبية إلى المناطق المنكوبة، فيما ناشدت المجتمع الدولي تقديم الدعم العاجل، الأمم المتحدة من جانبها أطلقت نداءات إنسانية عاجلة لتعبئة الموارد، وأعدت خطة استجابة تمتد حتى نهاية العام الجاري بتكلفة تتجاوز 100 مليون دولار، لكن التقارير الأممية تشير إلى فجوة تمويلية تفوق 70%، مما يحدّ من سرعة وصول المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررًا، دول عدة، من بينها بريطانيا والهند وتركيا، أعلنت استعدادها لتقديم مساعدات طارئة عبر شركاء محليين لتجاوز التعقيدات السياسية والبيروقراطية القائمة مع الحكومة الأفغانية.
عوائق ميدانية وسياسية
الوضع الميداني يزيد من تعقيد الأزمة، فالمناطق الجبلية المنكوبة يصعب الوصول إليها بسبب الانهيارات الأرضية، فيما أدى نقص الوقود وغياب البنية التحتية إلى تأخر وصول فرق الإنقاذ، إضافة إلى ذلك، فإن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد منذ عام 2021 جعلت الموارد المحلية شبه منعدمة، ما أجبر الأهالي على الاعتماد على جهود ذاتية ومساعدات مجتمعية محدودة، كما تشكّل القيود السياسية والدبلوماسية عقبة أمام تدفّق المساعدات الدولية، إذ تتردد بعض الدول والمنظمات في التعامل المباشر مع السلطات المحلية، ما يخلق فجوة بين الاحتياج الميداني وحجم الدعم الفعلي.
خسائر اقتصادية ومعمارية فادحة
تقدّر المنظمات الهندسية أن آلاف المنازل الطينية انهارت كليًا، بينما تضررت بنى تحتية حيوية مثل المدارس والمراكز الصحية والطرقات، والخبراء يحذرون من أن إعادة الإعمار ستتطلب سنوات من العمل وتمويلًا يتجاوز القدرات المحلية، خاصة في ظل غياب معايير بناء مقاومة للزلازل وضعف الرقابة الهندسية في القرى الريفية.
نداء عاجل للإنقاذ والإعمار
في ضوء الكارثة، تدعو الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إلى فتح ممرات إنسانية آمنة، وضمان وصول فرق الإنقاذ إلى المناطق النائية، مع ضرورة تفعيل صندوق طوارئ دولي لتوفيرالغذاء والمياه والمأوى خلال الأسابيع المقبلة، كما أوصت تقارير الإغاثة بضرورة تعزيز المستشفيات الميدانية ورفع جاهزية الطواقم الطبية والنفسية، إلى جانب توثيق دقيق لعمليات توزيع المساعدات لضمان الشفافية والمساءلة.
إعمار ما بعد الزلزال: مسؤولية عالمية
يرى محللون أن ما حدث في أفغانستان ليس مجرد كارثة طبيعية، بل اختبار إنساني للمجتمع الدولي، في بلد يعاني أصلًا من أزمات اقتصادية وسياسية وإنسانية معقدة، فإعادة الإعمار لن تكون ممكنة دون تعاون دولي واسع، واستثمار في البنية التحتية والتعليم والوقاية من الكوارث، لتجنّب تكرار المأساة، ويؤكد خبراء التنمية أن بناء مساكن مقاومة للزلازل وتدريب المجتمعات المحلية على إدارة الأزمات، يمثلان الطريق الأمثل لتحويل المحنة إلى فرصة للإصلاح.
ختامًا
في أفغانستان اليوم، لا تتحدث الأرض بلغة الجيولوجيا فقط، بل بلغة الإنسان الموجوع، فبين أنقاض المنازل المهدّمة وأصوات النداءات، تقف آلاف الأسر في مواجهة البرد والجوع والانتظار، إنها مأساة تذكّر العالم بأن التضامن ليس خيارًا، بل واجبًا إنسانيًا لا يحتمل التأجيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ