قد سمع (2)
زوجي يريد الزواج بأخرى.. نصائح للزوجة الأولى
«أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر»، بدأت يومي بهذه الكلمات التي فيها تفويض كامل لله تعالى، وأثناء ذلك رن هاتفي أكثر من مرة، فإذ بأخت تطلب موعداً لاستشارة يتوقف عليها مستقبلها.
اللقاء.. حين يخبرك الزوج بقراره
وعند اللقاء، أفسحت لها مقعدها مع عبارات الترحيب تتلألأ حتى تشعر براحة، فخطت خطوات متثاقلة بطيئة وقد طأطأت رأسها وانحنى ظهرها وهي الشابة الصغيرة وكأنها تحمل الكرة الأرضية على كتفيها.
جلست وسبقت كلماتها بكاءها
قالت: تحدث معي زوجي بالأمس عن أمر مهم يترتب عليه إعادة ترتيب لكل حياتنا، فهو وبلا مقدمات يريد الزواج بأخرى وبدون إبداء الأسباب، وأنه لا يستأذنني، ولكنه يُعلمني هكذا قال، ويطلب مني أن أقف بجانبه كما كنت دوماً.
وقال: أردت أن تكوني أول من يعلم، فأنت حبيبتي بل حياتي، وإني أعلمك حتى أستطيع العدل وحتى لا أُكتب عند الله كذاباً، وقد نصحني بعضهم أن أُخفي عليك، ولكني لست بهذا الرجل، فالزواج يترتب عليه الإعلان والعدل، فإن أخفيت عليك لن يكون هناك إعلان ولا عدل.
النظرة الأولى.. بين الغضب وفهم الموقف
قلت لها: هنيئاً لك بزوجك الذي يريد أن يتقي الله في حياته.
قالت غاضبة: أقول لك: يريد الزواج بأخرى، وتقولين: هنيئا لك! فكيف سأواجه أولادي وأقاربي وصديقاتي؟! فإني أشعر وكأنه يقول للدنيا جمعاء: زوجتي فيها نقص أريد إكماله مع امرأة أخرى، وكأنه يعلن فشلي للبشرية!
قلت لها بلطف ونظرات ود مغلفة برحمة تركت آثارها على حديثي معها: حبيبتي، أعلم أن أقسى اختبار ممكن أن تمر به المرأة زواج زوجها بأخرى وهي على قيد الحياة وبصحة وعافية وجميلة مثلك، فهو بدون شك ابتلاء شديد وفتنة، ولكن المهم كيف يمكننا مواجهة هذه الفتنة إن حدثت بالفعل؟ ولذلك أنت طلبت استشارتي فاسمعي ما أقول.
تصحيح المفاهيم.. التعدد لا يعني نقص الحب
أولاً: ما يُروج له الإعلام الفاسد أن زواج الرجل بأخرى معناه عدم حبه لزوجته الأصلية، هذا كلام باطل والهدف منه خراب البيوت، فلو كان الأمر كذلك ما تزوج صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها هدية ربه وعشق قلبه.
ففيما يُروى عند سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ أحبُّ إليكَ؟ قالَ: «عائشةُ»، قيلَ: مِنَ الرِّجالِ؟ قالَ: «أبوها».
وعند مرضه صلى الله عليه وسلم أي البيوت طلب أن يكون فيها واستأذن نساءه في ذلك لقد كان بيت عائشة.
بالطبع سمعت عن ذلك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَسْأَلُ في مرضه الذي مات فيه، يقول: «أيْن أنا غَدًا؟ أيْن أنا غَدًا؟» يُريد يوم عائشة، فأَذِنَ له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه، في بيتي، فَقَبَضَه الله وإنَّ رأسه لَبَيْنَ نَحْري وسَحْري، وخَالَطَ رِيقُه ريقي.
مات على صدرها هي وقد تزوج بعدها ولكن حبها لم يخبُ، بل ازداد.
النصيحة الأساسية.. لا تتنازلي عن زوجك
نصيحتي: لا تتنازلي عن زوجك أبداً، ولا بد أن تجربي مشاعرك بشكل عملي بعد زواجه، وترفعين رأسك للأعلى أمام الجميع، فأنت المرأة التي ابتليت فصبرت.
وندعو الله أن يذهب الغيرة كما دعا صلى الله عليه وسلم لأم سلمه رضي الله عنها، فقد روي عن أم سلمة: قالَتْ: أرْسَلَ إلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حاطِبَ بنَ أبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي له، فَقُلتُ: إنَّ لي بنْتًا، وأنا غَيُورٌ، فقالَ: «أمَّا ابْنَتُها فَنَدْعُو اللَّهَ أنْ يُغْنِيَها عَنْها، وأَدْعُو اللَّهَ أنْ يَذْهَبَ بالغَيْرَةِ» (صحيح مسلم).
وأيضا اتركي زوجك يجرب ويعلم أن العدل ليس بالأمر الهين ولا السهل كما كان يظن.
وكذلك زوجته الثانية تعلم تماماً أن هناك بيتاً آخر وزوجة حبيبة هي الأصلية، ولا تعتمد الاثنتان أن مجرد زواج الزوج من إحداهن ستطلب الأصلية الطلاق على الفور فتنفرد هي بكل شيء، ورويداً رويداً يبتعد الأب عن بيته وأبنائه ومباشرة تربيتهم مع زوجته الأصلية، ويستريح الزوج بطلاقك من مشكلة العدل في التعدد والمصاريف وهو الذي اختار هذا الطريق.
الابتلاء والصبر بابك إلى الجنة
اقتربت منها بحنو وواصلت حديثي: أختي الحبيبة، هناك ابتلاءات كثيرة نمر بها في حياتنا، ولعل ابتلاءك هذا هو باب جنتك أن تحافظي على بيتك ونفسية أولادك.
نعم الزواج بأخرى ليس بفرض، ولكنه مباح، وابتلاء شديد لمن اختار التعدد، فإن لم يعدل فبعض العلماء عدّ ذلك من الكبائر استناداً للحديث: «من كان له امرأتانِ، يميلُ لإحداهُما على الأُخرى، جاء يومَ القيامةِ، أحدُ شقيْهِ مائلٌ» (صححه الألباني، نقل من صحيح النسائي).
ويجب أن تكون لديه الاستطاعة المالية والجسدية والجنسية، فالأمر خطير ويحتاج إلى تروٍّ وحكمة بالغة.
لذلك، أعلمك زوجك خوفاً من الله وأن يكون مضطراً إلى عدم العدل إن لم يعلمك أو الكذب وهو كارثة، بل مصيبة كبيرة في حد ذاتها.
التأقلم مع الواقع الجديد
زوجك مُقْدم على أمر سيتغير بمقتضاه حياة الأسرة كلها، ويلقي ظلاله على نفسية الأولاد إلى نهاية عمرهم.
الأمر صعب جداً أعلم ذلك، ولكن يستحق أن تعطي نفسك مهلة لتجربة نفسيتك وتقبلك لذلك من واقع الحياة.
اطلبي من زوجك مهلة، حاولي أن تلملمي أفكارك وترتبي أمورك وتحاولي بالتأكيد ألا يمضي قراره، فكوني بجانبه كما طلب منك، وقلِّبَا الأمر من كافة الجوانب.
وإن لم تنجحي وحدث ما حدث فأنت لها بإيمانك ومحاولة تأقلمك، أعلم أن أغلب من حولك من النساء لم تبتل بما أنت فيه، ولم يتزوج زوجها عليها، فهذا هو الأصل على الأقل في زماننا هذا، فيزيد الأمر صعوبة على نفسك، وكذلك الأجر إن ابتغيت فيما تعملين للمحافظة على بيتك وأولادك وأيضاً نفسك.
لا تختفي من المشهد
أنهيت حديثي بقولي بوضوح: أختي، نصيحتي لا تتنازلي عن زوجك ولا تختفي من المشهد هكذا بسهولة، فليرتشف كلٌ من ابتلائه، فأنت في بيتك ومعك أولادك، وراقبي الزمن وماذا يُعد من أحداث، أسأل الله أن يكون لك الحظ الأوفر من الأجر وأن يهون عليك ويفرغ عليك صبراً.