سيدات الخليج.. صعود إلى منصات المال والاقتصاد

في الخليج اليوم، لم تعد المرأة الخليجية
مجرد طرف أو مشاهد يكتفي بالانتظار عند هامش الحياة، بل تحوّلت إلى ركيزة في مشهد
ريادة الأعمال الذي تتسارع فيه الأرقام.
فوفق تقرير البنك الدولي، الصادر عام
2024م، فإن نسبة رائدات الأعمال في الخليج تضاعفت خلال العقد الأخير لتصل إلى نحو
35% من إجمالي المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بعدما كانت أقل من 15% قبل 10 سنوات
فقط.
خليجياً، تتصدر قطر دول مجلس التعاون
الخليجي فيما يتعلق بمشاركة السيدات ضمن القوى العاملة، بنسبة 60% من القطريات،
تليها الإمارات بنسبة 53% من الإماراتيات، في حين تشهد السعودية أسرع وتيرة نمو
لمشاركة السيدات بسوق العمل، حيث بلغت نسبتهن في المملكة 37% في الربع الأول من
عام 2023م، بحسب بيانات صادرة عن مؤسسة «بين آند كومباني» العالمية للاستشارات.
هذا الصعود لم يأتِ من فراغ، بل من
تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية، ومن إرادة نسائية تُصرّ على إثبات الذات.
من الوظيفة إلى الريادة
كانت معظم الفتيات الخليجيات قبل سنوات
قليلة يتجهن إلى الوظيفة الحكومية أو القطاع التعليمي باعتباره «الملاذ الآمن»،
لكن مع ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجات (خصوصًا في السعودية والكويت حيث تصل
النسبة إلى أكثر من 20% وفق إحصاءات مراكز العمل الوطنية)، بدأت المرأة الخليجية
في البحث عن خيارات بديلة.
هنا برزت ريادة الأعمال كمنقذ وحلم في آن
واحد، مدفوعًا بالتحولات الرقمية والتشجيع الحكومي.
تقول د. منى الهاشمي، خبيرة التنمية
وريادة الأعمال، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: إن «المشهد تغيّر جذريًا، البنات
أصبحن لا ينظرن للريادة كتسلية، بل كخيار إستراتيجي لبناء مستقبل اقتصادي، سواء
عبر التجارة الإلكترونية أو المشاريع الخدمية والابتكارية».
اللافت أن دول الخليج التقطت هذا التحول
سريعًا، فأنشأت صناديق دعم ومسرّعات أعمال تستهدف النساء تحديدًا.
ففي السعودية مثلًا، أعلن «بنك المنشآت
الصغيرة والمتوسطة» أن 40% من قروضه لعام 2024م ذهبت إلى مشاريع نسائية، بينما
دشنت الإمارات مبادرات مثل «مجلس سيدات أعمال دبي» الذي يحتضن آلاف المشاريع
الناشئة.
ووفق دراسة صادرة عن شبكة «KPMG» للاستشارات، عام 2023م، فإن 70% من المستثمرات الخليجيات يفضلن
ضخ أموالهن في مشاريع تقودها سيدات؛ ما يخلق دورة ثقة متبادلة بين رائدات الأعمال
والمجتمع الاستثماري.
تحديات ونجاحات
لكن الصورة ليست وردية بالكامل؛ فما زالت
هناك عقبات، تؤكد نورة الشمري، رائدة أعمال سعودية في قطاع التقنية، بوجود صعوبات
في التسويق والوصول إلى أسواق أكبر، كما أن الصورة النمطية الاجتماعية أحيانًا
تشكل حاجزًا خفيًا، خاصة في القطاعات التقنية أو الصناعية، بحسب صحف سعودية.
تضاف إلى ذلك تحديات البنية القانونية
والتمويل المستدام، إذ تشير دراسة صادرة عن «مؤسسة التمويل الدولية» إلى أن أكثر
من 60% من رائدات الأعمال في الخليج ما زلن يعتمدن على التمويل الشخصي أو العائلي.
ورغم التحديات، فإن قصص النجاح تتكاثر،
نرى شابات أسسن تطبيقات للتعليم عن بُعد، أو شركات صغيرة للأزياء المستدامة، أو
مطابخ سحابية وصلت إلى أسواق خارج الخليج.
من رائدات الأعمال في الخليج، على سبيل
المثال لا الحصر، لبنى العليان، وسارة السحيمي، ودانة العلمي في السعودية، ورجاء
عيسى، وفاطمة الراشدي، والعنود الهاشمي في الإمارات، وفرح الحميضي، وشوق المرزوقي،
وصفاء الهاشم في الكويت، وهنادي بنت ناصر، وبثينة الأنصاري، ونوف المري في قطر،
وأمينة عباس، وعائشة فخرو في البحرين، وأسماء الحارثية، ونور الريسي في عُمان.
هذه النجاحات باتت تغيّر الخطاب المجتمعي،
فلم تعد المرأة رائدة الأعمال حالة استثنائية، بل نموذجًا ملهمًا لجيل كامل من
الفتيات.
في المناصب القيادية، تشغل النساء نحو 7%
من مقاعد مجلس الإدارة في دول مجلس التعاون الخليجي، مقابل 20% على مستوى العالم؛
ما يضع تحدياً أمام المرأة الخليجية للوصول إلى العالمية.
رؤية إسلامية
من منظور إسلامي، فإن دعم المرأة في مجال
التجارة ليس غريبًا؛ فقد كانت أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
سيدة أعمال ناجحة، وشراكتها مع النبي صلى الله عليه وسلم جسدت قيمة الثقة والتكامل
بين الرجل والمرأة في بناء الاقتصاد.
وفي الواقع الخليجي الحديث، تبدو هذه
العودة إلى روح المبادرة الاقتصادية النسائية بمثابة استعادة لجذور حضارية أصيلة،
مع تسخير الأدوات الحديثة، دون التخلي عن القيم والضوابط الشرعية، خلال انتهاج هذا
المسار.
يبقى التأكيد على أن صعود سيدات الخليج
في ميدان ريادة الأعمال ليس مجرد «موضة اجتماعية»، وإنما تحول اقتصادي عميق ينعكس
على معدلات النمو والبطالة والإنتاجية، وإذا ما تم استكمال الدعم بالتمويل
والتشريعات وتوسيع فرص التصدير، فإن الخليج قد يشهد خلال العقد القادم بروز جيل
نسائي يقود مشاريع إقليمية وعالمية كبرى.
اقرأ أيضاً: